الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستثمار السيء لدماء العراقيين

محمد عبعوب

2014 / 8 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


منذ عقود عدة اي منذ ابتلاء العراق بظاهرة الانقلابات العسكرية وتداول دكتاتوريات صريحة وأخرى تستبطن أشكال من الديمقراطية البدائية على حكمه، والشعب العراقي يدفع ضريبة باهضة من دمائه وموارده واستقراره دونما أن يقبض مقابلا لهذه الضرائب القاتلة.

ما لفت انتباهي خلال تتبعي لأحدث فصول المأساة العراقية ممثلة في المذابح والتشريد والقهر الممنهج الذي تتعرض له اقليات عراقية على خلفية دينها او طائفتها او عرقيتها (الازيد ، المسيحيون)، هو الاستثمار الاعلامي السيء الذي تمارسه وسائل اعلام غربية موجهة لهذه المأساة وتوظيفها لتعميق الشرخ في النسيج الاجتماعي العراقي الذي هو أصلا يعاني من تهتكات مؤلمة.

نعم ما تتعرض له الاقليات الدينية والعرقية في العراق هذه الايام مشهد يدمي القلوب ويصدم المشاعر حد الذهول؛ صحيح انا شخصيا معلوماتي وثقافتي حول التركيبة السكانية للعراق ضحلة، ولكن ما اعرفه ويعرفه غالبية ساكنة هذا الوطن الكبير هو ان هذه اللوحة السكانية الجميلة التي تقدمها منطقة الهلال الخصيب والشام من خلال تعايش نسيجها الاجتماعي المتنوع دينيا وعرقيا وثقافيا ومذهبيا، وما تفيض به علينا من نتاج ثقافي وفني وفكري وعلمي وحضاري، هذه اللوحة لا يمكن ان تتفتت وتتشظى هكذا وفي وقت قياسي ، وتتحول هذه الكتلة المتعاونة والمتآزرة عبر قرون الى جماعات متنازعة ، القتل والافناء هو سلاحها وهو لغتها، كأنها لم تعرف قبل هذا اليوم ساعة من السلام والتعايش..

إن تركيز وسائط الاعلام الغربية الموجهة على ما يجري في مناطق الاقليات الازيدية والمسيحية وضع هذه المأساة الانسانية في مقدمة اهتمام المتابع وأضاف له معلومات وتفاصيل دقيقة كانت غائبة عنه ساعدت في اكتساب صورة متكاملة لخلفيات الصراع وجذوره ، وتجنب الوقوع في فخ روايات اعلام هذه الجماعات المتطرفة التي تستبطن الدين وتوظفه لتبرير جرائمها.. إلا ان تجاهل وسائل الاعلام الغربية لما يجري من مذابح يومية في بغداد وغيرها من مدن العراق منذ اكثر من عقد تذهب ضحيته كل صباح عشرات الارواح البريئة، والتعامل العابر مع هذه الجرائم، إضافة الى مواقف الحكومات الغربية من هذه الجرائم والتعامل معها كحوادث المرور اليومية، واندفاعها اليوم لضخ المزيد من السلاح والذخائر الى أطراف الصراع الدائر في العراق -وهو البلد الذي تتوفر على ارضه الذخائر والسلاح اكثر من الخبز- بدل العمل على سحب ما يوجد لدى افراده وجماعاته من سلاح وضبطها ، هذه المشاهد تكشف عن استثمار شيطاني لمأساة العراق وتوظيف لدماء العراقيين في خدمة مشاريع تعمق الشروخ التي أصابت النسيج الاجتماعي للعراق بتهتكات خطيرة تفضي في نهاية المطاف الى تقسيم العراق وتحويله الى كنتونات متصارعة، بعد ان كان دولة واحدة .

لقد عاش العراقيون واهل منطقة الخصيب منذ فجر التاريخ وعبر قرون بكل الوان اطيافهم الدينية والعرقية والثقافية في تعاون وتآزر واعطوا للعالم حضارة لا زلنا نهتدي بنورها، وكانوا صفا واحدا في مواجهة كل الغزوات والطامعين في ارضهم ، فما يجمعهم اليوم اكبر من أن يفرقهم ويحولهم الى كيانات متقاتلة، وما ظاهرة داعش وغيرها من الجماعات الارهابية والانعزالية والداعية الى تفتيت العراق تحت لافتات مشبوهة سوى أدوات في يد قوى عظمى وقوى اقليمية تحرص على تقسيم العراق وعرقلة قيام دولته وإبقائه رهينة للازمات من كل نوع، والعراقيون بكل الوان طيفهم هم وحدهم من يدفعون ثمنا باهضا من دماء أبنائهم ومستقبلهم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال