الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفلة -مريم- معنى مغايرا للموت

الدير عبد الرزاق

2014 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية





"لا شيء يجعلك عظيما إلا ألم عظيم فليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل نهاية"

الطفلة مريم.



بهذه العبارة العميقة قبل ما يزيد عن شهرين قررت الطفلة " مريم " في صمت أن تضع نهاية لحياة وحدها تعرف تفاصيلها رغم ما تناقلته وسائل الإعلام آنذاك من تصريحات أهلها و المقربين منها و القيل و القال و التحاليل التي رافقت موتها، لن أسميه انتحارا حتى لا أكون مضطرا لتحليل سوسيولوجي أو تحليل نفسي لظاهرة الانتحار، لكن سألتقط عبارة مما خطته يدها الصغيرة و أحلامها الكبيرة، أي عظمة تتحدث عنها العظيمة " مريم"؟ هل السير قدما إلى وضع نهاية لحياة في عيونها لا تستحق الحياة؟ أم هي عظمة مواجهة الحياة بنقيضها في ذروة و جذوة الإحساس بالإحباط؟ و بأي معنى يكون كل سقوط نهاية ؟ هل سقوط المطر هو أجمل نهاية أم أجمل بداية؟

رحلت الحياة "مريم"، و في قلبها الصغير قصص و حكايات لم يتسع لها واقعها، واقع بصيغة المفرد و الجمع رفضها أحلامَ زهرة، فمنحته نفسها قربانا تتقرب به إلى إله الأحلام الإنسانية حيث جثتها الهامدة محاطة بأسئلة لا تنته و ضمائر غائبة في الزمان و المكان غابت بكل رمزيتها حتى لا يكون حضورها بمثابة إدانة و تسجيل الموت في اسمها و في عصرها المنحط...

رحلت الجميلة "مريم"، و اختارت أن تطفئ شمعة طفولتها الخامسة عشر في دروب مظلمة طالما شكلت لها عقدة أبدية رحلت معها دون عودة مرتقبة لأحضان أم اكتوت بنيران رحيل قبل الأوان و ستبقى دوما في انتظار قدومها...

رحلت و في آخر أنفاسها إصرار على أن تسافر إلى عالم الموت حيث ستجد الحياة التي حلمت بها و ليس في حقيبتها شيء سوى أحلام "مريم" الطفلة، حيث مازالت ترقد بداخلها بمفهومها الخاص و العام و لغتها التي طالما شيدت بها مناجاة داخلية مؤلمة عندما عجزت أن تجعلها أداة للتواصل مع واقعها الخارجي، لم ترد أن تعيش حياة كبارٍ سوى في السن بأحلام لا إنسانية...

عظمة السؤال الأنطولوجي : لما؟ و متى؟ و كيف؟ لن تستسغه سياسات عمومية لا اجتماعية و التي تسير في نسق يضبط عقارب ساعته على رقاص خارج مدار الحياة الكريمة، فالحق في الحياة لا يعني فقط أن تبقى حيا و إلا ما غادرتنا الجوهرة" مريم"، و إنما الحق في الحياة تعطيه العظيمة "مريم" بعدا إنسانيا آخرا، فليس أن تكون تتنفس يعني أنك حي، و إنما حي بوجود رمزي و مادي حيث الكرامة الإنسانية و العيش الكريم في فضاء يليق بالوجود الإنساني...

و مهما طالت الألسن و التحاليل الجافة في تفسير أسباب الموت، إلا أن موت البلورة "مريم" رسالة بعناوين هيلوغرافية و ناقوس أحلام يدق نعش واقع لا يتسع في شيء لأحلام أزهارنا التي تذبل كل يوم أمام أعيننا و لا نسقيها إلا إحباطا و يأسا، و نحن نعرف بتفكير واع ما قد يصنعه الإحباط و اليأس و اللاجدوى عندما يكون قاعدة تَعْتَمل في عمق المجتمع، فالفوارق الاجتماعية صارخة بين قمة تهيمن على الأرض و العرض و قاعدة لا تبحث عن شيء سوى الحق في الحياة بمفهوم " مريم" الحية بكبريائها.

سقطت أزهار الخريف الديمقراطي و نبتت مكانها أشواك بثوب إسلامي ستحول الأحلام إلى كوابيس، لكن أن تسقط زهرة " مريم" فتلك مأساتنا، فموت طفولتنا " مريم " هو موت جميع الأصوات التي تصرخ و تعاني في صمت و لا يجيبها سوى الصمت المقيت حيث لا شمعة تضيء براثن اليأس...

رحلت الصغيرة و لم تترك خلفها سوى كلمات لعشاق الحياة مضمونها: إما أن نعيش الحياة بكرامة أو ننهي الحياة بكرامة، كلمات ليست ككل الكلمات لأن الألم في الطبيعة يولد مبدعا عظيما، لكن الألم في حياة "مريم" القصيدة ارتبط بالكرامة الإنسانية و ارتبط بحياة صارت جحيما لا يطاق يهدد البنية النفسية لطفلة تنمو على حطام واقع بئيس شكل في داخلها جرحا عميقا تزداد هوته في قلب صغير حمل الحياة و الأحلام لكنه اصطدم بأخطبوط واقع بمعادلات من الدرجة الثالثة...

رحلت الأوركيد "مريم"، و في روحها ألم عظيم بما للألم من حمولة تدميرية تأتي على الأخضر و اليابس و تكرسه ألسن مجتمع يجيد العزف بتفنن في تواطؤ مع الألم لتكون المأساة، لم تمت الملاك "مريم" لأنها قررت الموت، و لكن ماتت لتعطي معنى آخر للحياة و هو الموت...

رحلت و تركت لنا إشكالية فلسفية و حقوقية و اجتماعية: هل الحق في الموت حق إنساني؟

و السؤال الشقي سيبقى حيا: من المسئول عن موت "مريم" الحلم؟ كلنا مسئولين لأننا لا نهتم بأحلام طفولتنا، و لا نحتضن الواقع المفترض لطفولتنا، و المسؤولية درجات تنطلق من حكومة لم تزد هذا الشعب سوى سياسات عمومية تضع في آخر اهتماماتها ما هو اجتماعي، و مجتمع غائب في بنيته الخطاب الإنساني يكدس أمراضا اجتماعية إحداها كانت أحد أسباب تفكير "مريم" الحياة في الموت...

كنت أتمنى حضورا شخصيا من رئيس الحكومة الإسلامي ليفتح تحقيقا جديا في موت مريم و يعلن مسؤوليته بصفته رئيس حكومة لكل المواطنين في دولة مدنية و يحدد المسؤوليات، فكأن طفولتنا و إنسانيتنا لا تعني شيئا في مفكرة من دفعهم الشعب إلى الأمام ليدافعوا عن قضاياه لكن مع الأسف دفعوه إلى الموت و مازالوا يدفعونه بطرق متعددة تعدد الأقنعة التي يرتادونها...

رحلت العظيمة و في عظمتها جنونا بالحياة ممتزج بالألم، تجلت عظمة و كبرياء الطفلة "مريم" في أن ترسم خارطة جديدة مرصعة بأحلامها التي أودت بها، ماتت لتعيش أحلام جيل بعدها، تاركة خلفها أسئلة و إشكالات للضمائر الحية و لمن له أبناء أن يفكر في مستقبل طفولتنا حتى لا تتكرر مأساة الطفلة "مريم" و تصبح عادة يدمنها واقعنا الاجتماعي إذا لم نتحمل مسؤولياتنا...

عفوا الماسة "مريم" سقوطك ليس نهاية، و إنما بداية للتفكير و التأمل في إنسان يعيش في مغرب عميق مثقل بالآهات و يعاني الويلات حيث يولد الإنسان في صمت واقع كئيب و يرحل في صمت أليم كأن شيئا لم يكن، جروحه ملفات يتم الارتزاق و الاغتناء بها...

عفوا"مريم" الحلم ، سقوط المطر أجمل بداية، سقط مطر البوعزيزي التونسي فكان أجمل بداية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر