الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب و الانتخاب

حزب الكادحين الوطنى الديمقراطى

2014 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية




أثارت حادثة الهجوم الذي نفّذته عناصر من اليمينيين الدينيين على قوات الجيش يوم 16 جويلية 2014 نشاطا سياسيّا كبيرا واهتماما إعلاميّا لا سابق له في تونس. وإن لم تكن هذه الحادثة هي الأولى، فإنّ الاهتمام البالغ الذي أثارته يعود إلى فداحة الخسائر البشريّة التي ألحقها هذا الهجوم بقوات الجيش المتمركزة بجبل الشعانبي والذي بلغ عدد ضحاياه 15 وما يزيد عن 20 جريحا.
لكن الظّرف السياسي الذي وقعت فيه هذه الحادثة وخصوصياته ألقى بكلّ ثقله فأعطاها بريقا غير معهود. فمنذ الانتفاضة تكرّرت المواجهات المسلحة وهي تعود إلى سنة 2011، بدءا بحادثة الروحية في شهر ماي 2011 مرورا بحادثة بئر علي بن خليفة في فيفري 2012 ، وصول إلى ثمّ تواتر العمليّات في عدّة مناطق كفرنانة ودوار هيشر وعلي بن عون والشعانبي... علاوة على اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وبما أنّ الكرنفال الانتخابي يختزل الآن ظاهر المشهد السياسي في تونس، فإنّ الفاعلين فيه سعوا إلى استثمار الحادثة لصالحهم. فجميع المنخرطين في الكرنفال المذكور يبذل كلّ طاقاته اليوم من أجل "إنجــاح الانتخابات" وبالتالي إنجاح ما يسمّونه الانتقال الديمقراطى. لذلك كانت حادثة الشعانبي الأخيرة "الحمار القصيّر" الذي ركبته جميع الأطراف المنخرطة في هذا المسار. فقد شحنت إعلامها ومالها ونساءها ورجالها من أجل البروز في ثوب المعادي للإرهاب لا من موقع المتأثّرين بفداحة الخسائر والقضاء على أسبابها وإنّما من موقع الزّيادة في رصيدها الانتخابي، فلا غرابة أن تتوحّد جميع هذه الأطراف وأن تشحذ طاقاتها في الدّعوة إلى "ضرورة التسجيل في الانتخابات". فهذه الدّعوة المشتركة التي انطلقت قبيل حادثة الشعانبي الأخيرة كانت القاسم المشترك الذي تفوّه به قادة الأطراف المتنافسة على السلطة، حتّى لكأنّك أصبحت أمام مشهد كوميدى تمثّل فيه هذه الأطراف جميعها دور المستجدي.
و قد اتسع نطاق ذلك الاستجداء مع اقتراب موعد انتهاء أجل التسجيل في الانتخابات، و سرت الحمى بين جميع الرجعيين و الانتهازيين و تفتقت القرائح على طبع ملايين الملصقات والبيانات وترويج الومضات الاشهارية في الإذاعات و التلفزيونات والجرائد دون أن تحمل الأيّام للمتنافسين المتحدين في معركة "الانتقال الديمقراطي" أخبارا سارّة. فمن جهة أولى ظلت نسبة الإقبال على التسجيل ضعيفة، ومن جهة ثانية أوامــر المقيم العام الأمريكي تثقل أكتافهم ممّا يجعلهم في مـوقع حرج ومن جهة ثالثة يجد "الحوار الوطني" نفسه في مأزق لا يحسد عليه.
وفي خضم هذه التحديّات وعنوانها الابرز فشل منظومة "قيّــد"، جاءت حادثة الشعانبي الاخيرة كمنقذ فأعلنت الرجعية والانتهازية حالة الطّوارئ القصوى متفقة على خطاب واحد فالظرف استثنائى والخطر يهدد الجميع فنزلت إلى الشارع في مسيرات بعضها منفردة والأخرى مشتركة وسـار المتّهم بالإرهاب جنبا إلى جنب مع من اتّهمه بذلك وسرعان ما حصل الاتفاق على القيام بـ"مؤتمر وطني لمكافحة الإرهاب" سيجمع مختلف هذه الأطراف بعد أن كان بعضها يكيل التّهم للبعض الآخر بالعمل على "إفشال الانتخابات".
وهكذا، أصبح الإرهــاب هو العدوّ الأوّل والأخيـر للانتخابات، ولذلك تجنّد الجميع في وسائل الإعلام كما على الميدان للحثّ على التسجيل في الانتخابات، فنُصبت الخيام في الشوارع وأقيمت السهرات التنشيطيّة المجانيّة وبزغت جمعيّات من هنا وهناك وتعترضك حيث ما تنقّلت أو جلست عناصر تشبه الباعة المتجوّلين بضاعتهم "قيّــــد" وأعلنت أحزاب أنّها أخذت على عاتقها القيام بعمليّة تسجيل ناخبي المستقبل. وننتظر قريبا أن تزورنا جماعات قيّد في منازلنا أو أن يتمّ توظيف ضريبة على من لا "يقيّــد".
وبما أنّ الإرهاب أصبح في عرف تلك القوى هو العدوّ اللّدود لا للشّعب وللوطن وإنّما للانتخابات، فإنّ الحلّ السّحري بالنسبة إليها للقضـاء عليه هو إنجاح العمليّة الانتخابيّة بدءا بتحقيق نسبة عالية من المسجّلين وصولا إلى تحقيق نسبة عالية في عمليّة التصويت ، ومن أجل ذلك يتّفق جميع الرجعيين ويتوافقون و هم الذين جمع شملهم قبل ذلك بايام معدوات السفير الامريكى في مادبة الافطار وجاءت الحادثة لتقوّي وحدتهم المقدسة. فلا مجـال لمكافحة الإرهاب كما يقولون خارج إطار نجاح الانتخابات لذلك توظّف الآن كلّ أشكال الدّعاية للانتخاب ويختزل المشهد السياسي في هذا الكرنفال ولم يتبقّ إلاّ تركيز مكتب للتسجيل في غابة الشعانبي.
وهكذا تصبح الانتخابات سلاحا فعّالا قادرا لوحده على القضاء على الإرهاب، ويصحّ القول في هؤلاء إنّهم ركبوا ظهر الإرهاب من أجل النجاح في الانتخاب. فأيّ سلاح فتّــاك هذا الذي لم تقدر حتّى أعتى القوى التي تدّعي محاربة الإرهاب على الحصول عليه؟
إنّ الأطراف المنخرطة في مشروع "الانتقال الديمقراطي" الذي يقف على طرفي نقيض مع مشروع انتفاضة 17 ديسمبر، قد فتحت آمالا لنجاح مشروعها من آلام عائلات الجنود الضّحايا، وقد داست هذه الأطراف على دماء هؤلاء تماما مثلما تاجرت بدماء الكادحين سابقا من أجل ترميم النظام الذي انتفضوا لإسقاطه، وها هنا يصحّ القول بأنّ مصائب قوم عند قوم فـوائد.

طريق الثورة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك