الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شؤون عسكريّة شفّافة وعلنيّة

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2014 / 8 / 16
كتابات ساخرة


موروثنا المعاصر غني بالصور و العبر يا قرّاء الخير و أستغرب أن لانستعين بها في علاج ما نعاني من حيرة وجفاف ففيها الكثير من الحلول , هناك موروث حصلنا عليه مجاناً يمكننا تأطيره تحت عنوان (ما خبرناه أثناء الخدمة في الجيش) , فمن تلك المنظومة يمكننا أخذ القوالب الجيدة لتنفعنا في مواجهة التحديات في الشارع والبيت , صحيح أنها رحلة عذاب مكروهة وشر لابد منه لكن (الشهادة لله) فيها جانب مفيد حين تجبر الجندي على التحمل والضبط و أستيعاب الدرس ليكون كل بناء جديد يسعى أليه خال من كل رجس .
وردتني حكاية عباس خرابه (لم أتأكد إن كان أسمه الثاني أسم أبيه أم لقب أطلق عليه) ذلك الجندي الأحتياط الذي خدم في جبهة البسيتين في بداية عقد الثمانين , كان القصف مستمر و المرء هناك ما بين الحياة و الموت , أقتصر واجبه على الأعاشة وجلب الأرزاق (الطعام) الى رفاقه بسيارته الـ (أيفا) يستغل عادة ظلام الليل لتفادي الرصد والقصف وأعتاد عندما يذهب الى الخلفيات (وهي مناطق بعيدة عن القتال) أن يسترق من واجبه أطول فترة ممكنة لمشاهدة التلفزيون في الحانوت , وأستمر على تلك الحال لشهور , في أحد الأيام وبينما كان مبحلقاً في الشاشة صاح :
(أشتعل أبيّچ حمدية .. فضحتينا الله لاينطيچ) , وأستمر يصرخ بهستيريا حتى أنتبه كل الحاضرين : (حمديه طالق .. حمديه طالق .. حمديه طالق .. وكلكم شهود) .
أستغرب كل من حوله من تلك الأحجية فيما غادر الحانوت للأبد , لكن أستغرابهم لم يطل , فالجيش مثل الحواري لايبقى فيه سر , فقد تبين أن (عباس) شاهد زوجته (حمديه) وهي بثوب البيت حاسرة الرأس مع (كفشة) الأستيقاظ من النوم وقد نسيت نفسها لتكشف (مفاتنها) وهي تهتف وسط الناس حين زارهم السيّد الرئيس , أنتهت حكاية عباس ولا يوجد درس .

صدر لي في بداية خدمتي كجندي مكلف أمر بالذهاب الى معسكر الراشدية للعمل في غرفة الحركات بمهمة خرائطية - كتابية لها علاقة بأختصاصاتي الفيزيائية , كان المكان المحدد غرفة عمليات على شكل قاعة كبيرة يجتمع فيها القادة والأعوان , وجدت الجميع يتحدث بهمس عما جرى ليلة أمس و عرفت الحكاية على الفور , فقد أقتيد للسجن أثنان من الضباط برتبة عميد ركن (أنا على ثقة بأن أغلبكم لايعرف معنى تلك الرتبة في ذلك الوقت) , وسبب أيقافهما و من ثم أحالتهما لمحكمة عسكرية هو أنهما كانا في خفارة (المبيت في مكان العمل وهو مقر القيادة ) , وأتصل أحدهما بالآخر بالهاتف بهدف الخلاص من الليل الطويل بأحراق الوقت , فساقهم الحديث الى المحظور , حين سخروا من زوجة أحد الرموز الدينية الكبيرة و وصفهم لحالتها ليلة الزفاف وهي صغيرة السن , تمت مواجهتم بالدليل وكان شريط تسجيل ثم الحكم عليهم بالطرد مع ستة أشهر حبس , كنت وزملائي منهمكين بالعمل حين سمعنا أحد القادة يقول لقادة أدنى منه (مؤسسة الجيش نظيفة لاتسمح بوجود الجراثيم من أي جنس) , هنا أيضاً لايوجد درس.

وصلت عصر يوم كئيب في بداية التسعينات الى الصويرة قادما من التاجي , تم نقلي كجندي أحتياط الى وحدة فعالة للحرس الجمهوري , قدمت نفسي للمساعد (كان الآمر غير موجود) , أسمه على يافطة المكتب أضيف له لقب (الهربود) فأمر أن أعمل في قلم الوحدة , بعد يومين أخبرني جندي من العمارة (أسمه هاشم) أن أحد السجناء يريدني , وذهبت أليه كان نائب ضابط أسمه (أبو كاظم) رجل بغدادي ضخم أشيب لم أعرفه , سألني وهو متأكد (أنت من فلان منطقة ؟) أجبته بنعم ,( تعرف فلان بفلان قطاع , تعرف علّان من محلة الفلانية ), عرفت مما ذكر الكثير , أخبرني حكايته و كيف أنه أعتقل أثناء الهرج والمرج الذي رافق حرب الكويت من قبل الأمن ثم أحالوه الى الأستخبارات , كانت معاناته مليئة بالظلم زادها سوء الحظ , عجز عن الوصول الى وحدته في ذلك الوقت فأتهموه بأنه ضد الحكومة في وقت صعب, أنتهزت أول فرصة لمفاتحة المساعد بقضيته فتعاطف معه وأجاز لي التصرف على أن أستعطف ضابط الأمن , كان المساعد من الفلوجة أكتشفت (أن أسم جدّه هربود) ورغم شدته المفترضه لكنه يملك أنسانية (نسميها الغيرة العراقية) , تم تكييف المجلس العسكري ليكون على قياس ما عاناه (أبو كاظم) من توقيف , فصدر القرار بالأفراج عنه وأن يرسل مع مأمور , كنت أنا بالطبع , الغريب أن أهله قطعوا الأمل بعودته , فكانت فرحتهم لاتوصف بعد وصولنا للبيت , مرت سنين طويلة على تلك الحكاية لكنها عادت للظهور مع تدهور الوضع في العراق بعد الأحتلال بسنين , فـ (ابو كاظم) رد الواجب لي بـ (واجب) أكبر منه لا يسعني الواقع لشرحه , جسّد مفهوم الوقفة الأنسانية بحسب قواعد تسديد الدين , هنا أيضاً لايوجد درس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان