الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهداء الغضب

ماجد رشيد العويد

2005 / 8 / 11
الصحافة والاعلام


تحدّث في الفترة الأخيرة بعض العائدين من العراق، ومن الموصل تحديداً، عما يسمى "شهداء الغضب"، ووضّحوا هذا النوع من الشهادة والشهداء بقولهم إن الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان في حالات غضبه يقتل عدداً من الناس لأسباب تتخفى فيها الحاجة إلى التسلية بالبشر .. ثم ما يلبث أن يهدأ، وأن تزول عنه غضبته، ولكن بالطبع بعد أن يريق دم عدد من الأبرياء. آنذاك يتوجه بالزيارة إلى أهل الشهيد أو الشهداء، في مواساة لهم، وتعبيراً منه، لا عن أسفه وإنما عن نوع من الشعور بالرغبة في رؤية أهل القتيل، وهم يجثون عند أقدامه، معلنين للقائد "الضرورة"، عن افتدائه بالنفس والتضحية من أجله بالغالي والرخيص، فيعلن "القائد" أنهم شهداء غضبه وأنهم لا ريب إلى الجنة ذاهبون، لأنهم بالمحصلة افتدوا الوطن وقائده بدمائهم الزكية.
ولا يختلف هذا النوع من الضحايا عن أولئك الذين كانوا يلقون طعاماً للأسود وغيرها من الحيوانات الضارية في حلبات الصراع الرومانية. فهؤلاء كذلك كانوا يساعدون على الترويح عن الإمبراطور في لحظة غضبه من عدو له أبدى بعضاً من النفور، أو بعض الملاحظة على نظام حكمه، فلا أقل والحال كذلك من إلقائه طعاماً للحيوانات الضارية فيصلح حال الحاكم، وتزول عنه سَورة الغضب التي تملّكته، ويتأدب فريق آخر من الشعب ممن يحملون النزعة ذاتها في إبداء النفور أو ما شابه من مشاعر لم ترقَ بعد إلى ممارسة معارضة لشكل نظام الحكم السائد.
وقائد الضرورة هذا تناسخ في الوطن العربي ليصبح رمزاً دالاً على الألوهية، وتفترض بالطبع هذه شعباً يقوم بواجب العبادة غير المنقوصة، فيتفيأ المغلوبون على أمرهم بالظل الوارف الذي تمنحه لهم الساحات المحتضنة للتماثيل، ويندسون تباعاً تحت ما توفره من ظل ورطوبة تحميهم قليلاً من قيظ البلاد، ويتنسمون شيئاً من الرطوبة المنبعثة من الماء المتدفق من حول الصنم.
وكما قصفت الكعبة بالمنجنيق قصفت مدن عربية كالبصرة على أهلها بالطائرات، وضُرب عليها طوق من الحديد والنار، ثم مورست الذلة على من بقي من أبنائها بحيث لا يمكنهم أن ينهضوا ثانية أبداً، من موت قتل نزوعهم الإنساني إلى مئات من السنين، فمُسِحت الكرامة منهم بتراب الأرض، والجباه السمر مُرّغت بالوحل، والنفوسُ ولجَ إباؤها كهوفاً من المذلة الممزوجة بالرعب، والتي تكاد جهنم لا تترك أثراً في النفوس مثله!! فغدا الإنسان في هذه البقاع أشبه ما يكون "بحيوان أجرب" لأجل القائد الضرورة، التاريخي، الرمز. ويصير الوطن أشبه بحديقة حيوان كبيرة جُعِلت لتسلية القائد الهمام، وسيفه البتار. وأما التاريخ العريق من سومري وبابلي وآشوري وعباسي، فهو أشبه بأضغاث الأحلام العابرة لخلايا النخب المثقفة من أدباء وفنانين، ومفكرين وسواهم. أضغاث أحلام تمكنت من الكتل البشرية على هيئة كوابيس، فتهيأ لهم أنهم يملكون تاريخاً آخر غير الذي قام بصنعه "القائد". لا إن تاريخ العراق يبدأ من لحظة الميلاد "البعثية"!! إنه التاريخ الذي بدأ مع عام 1968، وهو التاريخ الذي أنجب إنساناً رائداً في جوعه وبؤسه، مرهقاً بالحروب، محتلاً بقهر "الضرورة" له.
ولعل الذي مورس على الشعب العراقي لم يُمارس بالدرجة ذاتها على أي شعب عربي آخر، ولكن هذا الأخير بكل انتماءاته القطرية، لم يجد مناخاً أفضل إلا من حيث أنه لم يُقتّل التقتيل ذاته، ولكنه من حيث النتيجة شعب مسلوب الإرادة، واهن العزيمة، قُتِلت منه روح الإبداع، وتشرّد على أرصفة الدنيا بلا أماني أو طموحات. وهو بهذا المعنى شهيد غضبة حاكمه الهمام!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا