الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصاعدُ الفاشية فكرياً في إيران

عبدالله خليفة

2014 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



مَثّلت الاثناعشرية شكلاً فقهياً سياسياً سلمياً للشعوب في فارس. فقد تحكمتْ الزيديةُ والإسماعيليةُ في التاريخِ الديني لقرونٍ بعد الفتح العربي، وكانتا تكرسان العنفَ وترفضان الحلولَ السلمية للتطور السياسي، والأخيرةُ منهما ترسلُ الخناجرَ المسمومة لحكامٍ يختلفون معها. ولهذا انتصرتْ الاثناعشريةُ عليهما وذابتْ أفكارُ العنفِ السياسية الحادة الكبرى، ولم تكن التقيةُ وانتشارُ الصوفية في إيران إلا أشكالا أخرى لرفض الصراعات الدموية وتفجير الخلافات السياسية ومن أجل الاهتمامِ بجمال الطبيعة وتكريم الإنسان وتقدير حياته.
وبين الصوفيين أمثال سعدي الشيرازي و(الرومانسيين) كعمر الخيام الهائمين العاملين في عالم الأخوة والمحبة، وبين عالم تكريس إيران الراهنة لأغلب اقتصادها للعسكر والاستعداد للحروب هوةٌ هائلة، فكيف انزلقت إيران لمثل هذا العالم المناقض لثقافتها وتاريخها؟ ما الذي قذفها من كلمات سعدي مثل (إني أحرقتُ نفسي كالعودِ في نار الفكر لكي يفوحُ نشري في العالم) إلى أن تصنعَ الخرافة لتنفيذ الغزو؟
فكرةُ ولاية الفقيه هي ذروةٌ لتطورٍ يعودُ الى الوراء عن تلك التوجهات، فقد قام فلاسفةٌ ومفكرون بزرع بذور الانغلاق القومي وكراهية الحداثة ونتائجها الموضوعية.
وبخلاف الثقافة العربية وظهور منورين عديدين ربطوا الثقافة العربية بالاتجاهات الديمقراطية الغربية، تصاعدتْ أفكارُ المنغلقين وأصواتُ أعداء الثقافة الديمقراطية الغربية الإنسانية في إيران، ولم تفندْ دعواتَ الفاشيةِ الغربية بل تغلغلتْ فيها وزرعتها في تربةِ الكراهية، وقد كان أحمد فرديد (1914-1984) من أوائل من عبر عن رفضهِ للثقافة الغربية العقلانية والنزعات المادية متوجهاً للنزعة الوجودية اللاعقلانية لدى مارتن هيدجر أحد مفكري النازية والمروجين لها. وشغلتْ أفكارُ هيدجر مكاناً مركزياً في وعي النخب الدينية و(التحديثية) باعتبارها ذات (آثار تدميرية خارج محيطها الخاص).
تحولت أفكارُ فرديد الشفاهية غير المدونة إلى مادةٍ أساسية لدى المحافظين يبثونها في الحياة والمناهج الدراسية، وغدا فيلسوف النازية الألماني هيدجر وكذلك نيتشه المؤسس الأول لهذه الرؤية من المؤثرين الكبار في وعي النخبة الإيرانية ذات النزعة الفاشية.
عبرت أفكارُ فرديد عن مخاوف الإقطاع الريفي خاصة من تنامي الحداثة، وزادت الثورةُ البيضاء الفاشلة من معاناة الريف وتغلغل الرأسمالية بدون تطور عميق وطني إصلاحي، ومع غياب الطبقة الوسطى الحاضنة للحداثة، فإن المفكرين وبعض الأدباء ينقلبون كجلال آل أحمد، وبدلاً من تشجيع الحداثة يتحول إلى عدو لدود لها:
(إن خطاب جلال آل أحمد حيال (المكننة)، وأثرها التغريبي في الشرق، ودورها في استئصال صورة الحياة التقليدية، وتدنيسها طهرانية عالمنا، ظل هذا الخطاب محكوما بعقدة (المكننة) في غير واحد من كتاباته الأخرى، لا سيما كتابه الأثير الذي نقد فيه النخبة ووسمَ مواقفَهم بالخيانة، حسبما يشير عنوانه (المستنيرون: خدمات وخيانات). عن مقالة (مفهوم التحيز والتمركز في الفكر الديني الإيراني المعاصر) لعبدالجبار الرفاعي.
يُجري جلال تعميماً لثقافة الغرب فهي كلها شر، بدلاً من رؤية الفارق بين التوجهات الديمقراطية والتوجهات الاستغلالية المتدخلة في مصائر الشعوب، فكيف يمكن المساواة بين الإنجازات الإنسانية في حقولِ المعرفة والطب والثقافة والاقتصاد والتقنيات، وبين الأساطيل التي تدكُ البلدانَ ومنظمات التجسس؟
وقد اشتغل جلال آل أحمد عقدي الخمسينيات والستينيات خاصة في القصة والكتابة الفكرية محارباً الحداثة، عائداً الى الغيبيات الأسطورية غير الفاعلة تحويلاً للواقع، وقد رأينا في مقالةٍ سابقة مجموعة من الكتاب يسممون الوعي الإيراني بخلايا الفاشية (راجع الثقافة الإيرانية من الآرية للطائفية).
وقد أدان الباحثُ الإيراني سيد حسين نصر (1933)، (تفشي النزعة الإنسانية منذ عصر النهضة) و(أنها تنحاز للعلوم والمعارف غير الدينية باعتبارها تمثل السعادة الاجتماعية في هذا العالم)، ورفض كافة العلماء والمخترعين الذين أسسوا العالم الصناعي الحديث والثقافة الديمقراطية طالباً العودة الى الإشراق والعالم الروحي الشرقي المفارق للواقع.
عبرت هذه الآراء عن إنشاء ثقافة معادية للديمقراطية، ولتشكيل عامة متخلفة مُقادة متعصبة، وللإبقاء على الشعب من دون تغلغل الأفكار التحديثية وتمزيقه لشبكة التخلف، وحضّرت للدكتاتورية السياسية الدينية المتداخلة المسماة ولاية الفقيه.
ولهذا رأينا النخبةَ الإيرانية الحاكمة في السنوات الأخيرة تنقسمُ بين مؤيدين محافظين لأفكار هيدجر، وبين معارضيها، لكن من خلال ليبرالية محدودة كما هي لدى رفسنجاني وخاتمي، فلم يتم استئصال الفكر النازي عبر مادية تاريخية ناقدة ولم يتم إصلاح العلاقات الإقطاعية في الزراعة وفي الأحوال الشخصية والثقافة بل كُرست وقننت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر