الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقه الأسماء في الفكر والثقافة العربية

محمد ابداح

2014 / 8 / 18
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


فقه الأسماء في الفكر والثقافة العربية

قد نلاحظ بأن غالبية القبائل البدائية،العربية وغيرها، تمتلك أسماء نباتات أو حيوانات أو جمادات أو حتى أجرام فلكية، وقد تنبه لهذا الأمر كافة علماء التاريخ والإجتماع، وأجروا لذلك دراسات وابحاثاً ، خلصت جميعها إلى أن كافة القبائل البدائية( )، قد اتخذت من الكائنات المحسوسة إله روحياً لها، تعتقد إنها تتبعه ، وبإنه يحميها ويدافع عنها، أو هو على الأقل لايؤذيها ، كما في حالة الجبال البركانية عند بعض القبائل، لذلك تقدس القبيلة ذلك الأله وتتقرب إليه وقد تتعبد له، وتقدم له القرابين الثمينة، وقد شملت تلك الدراسات التاريخية والإجتماعية الهامة ، العديد من القبائل البدائية والتي تعيش في أكثر المناطق النائية والقاسية في كافة أنحاء العالم، ومنها القبائل الهندية الأسيوية التي عبدت الشمس والبقر والعجول، وكذلك قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، وكذلك شعوب المايا والإندير في أمريكا الجنوبية، وكذلك القبائل التترية والمغولية في سهول منغوليا وكازخستان وقبائل الأسكيمو في صحراء سيبيريا المتجمدة، فضلا عن القبائل العربية والتي عاشت في اليمن والعراق والهلال الخصيب وصحاري الجزيرة العربية النائية.
وقد ظهرت بناءاً على تلك الدراسات والأبحاث الهامة، نظريات في علم الإجتماع كشفت عن حقائق الإعتقاد الروحي لتلك القبائل البدائية، بوجود علاقة تربطهم ، بمظاهر الطبيعة المحيطة الحية منها أو الجامدة، ومنها علاقته بحيوان أو نبات مقدس بنظره، فلا يجوز إيذاءه، وقد يتوسع نظرة الإنسان البدائي في الطبيعة لتشمل تقديس الجبال والبحار والشمس والنجوم والكواكب، وهم يؤمنون أنهم بتقديسهم لتلك الأشياء، فإنهم بذلك يتقربون منها خوفاً وطمعاً.
وهذا ما يفسر ورود أسماء بعض القبائل ومنها العربية، مستمدة من أسماء الحيوانات أو النباتات أو الجمادات واتخاذ من هذه الأسماء دليلاً على مراحل التي مربها الفكر العربي الجاهلي، فاًسماء كبني صخر، وبني كلب وكليب، ونمر، والسرحان، وبكر، وبني أسد، وبني جحش، وبني ضبّة، وبني جعل، وبني جعدة، وبني الأرقم، وبني يربوع، وقريش، وعنزة، وبن حنش، وفهد، وعقاب، وثعلبة وغيرها من تلك الأسماء، ماهي إلا إنعكاساً لمدى تأثر الفكر القبلي بالظواهر المحيطة به وتفاعله الإيجابي أو السلبي معها.
كما ويلاحظ بأنه قد جرت العادة عند بعض القبائل العربية، إسقاط الأسماء المؤنثة على قبائلهم وأبناءهم، كمدركة وطابخة وكندة، وخندف وظاعنة وقيلة وجديلة ومُرّة وعطيّة، وغيرها، وذلك دليلاً على عدم وجود ما يسمى بالنسب عند العرب بمفهومه المعاصر، لأن مؤسسة الزواج أصلاً لم تكن شائعة بالمعنى الحالي للزوجية ، وهو أمر كان شائعاً بين جميع الشعوب البدائية ،فقد كان الرجل يجامع المرأة ثم يتركها ليجامع أخرى، وهكذا تكون المرأة فعلت الأمر ذاته، فلم يكن ليعرف أبا المولود عموماً، فيُنسب لإمه، وبهذا الوضع الإجتماعي السائد ظهرت الأسماء المؤنثة عند العرب وعند العبرانيين وعند بقية الساميين.
ويُساق دليلاً آخر من جملة ما أشرنا إليه سابقاً، وهو وجود بعض الكلمات المؤنثة في أنساب القبائل كالبطن والرحم والفخذ والصلب والظهر وغيرها، بل أن الأمر تعدى ذلك ليشمل تاء التأنيث النواحي الجغرافية أيضاً، فيقال قرية ومدينة وبلدة، وحارة، ويعد البطن أقدم أوضاع المجتمع السامي القديم، القائم على الاعتقاد بوجود صلة الدم.

وخلاصة القول أنه وعلى الرغم من أن الإسلام قد ألغى العادات الجاهلية المتسببة باختلاط الأنساب كالزنا والمتعة وغيرها، إلا أن المفهوم المتوارث لصلة الدم والقرابة عند العرب القدماء، بقي قويا جداً في كافة أرجاء الوطن العربي ، وكان له معناً يختلف عما هو قائم عند العرب اليوم، فلطالما كان مفهوم لفظ العربي يشير إلى الجنسية العربية، سواء بين العرب أنفسهم أم في مواجهة الغير من الشعوب الأخرى، فهو مفهوم أشمل مما هو عليه الآن، أي بمعنى آخر كان يفيد لفظ العربي شعبا واحد وموحدا، أما ألآن، فما يرد على لسان مفكري ومنظري الأمة العربية من علماء اللغة والأدب والسياسيين ، في قولهم هذا القطري أو السعودي أو الأردني أو غيره، فهي نظره قطعت أوصال الوطن العربي باسم الحزبية والقومية وغيرها، معان متأخرة وليست متقدمة مفرقة وليست جامعة، وحتماً هي مقصودة لذاتها وأهدافها.

المحامي / محمد ابداح












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر