الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاشق وقطار

سعد محمد موسى

2014 / 8 / 19
الادب والفن


عاشق وقطار
سعد محمد موسى
في عام 1984 رجعت من بغداد الى الناصرية في القطار وكان بصحبتي اصدقاء وطلبة أخرين بعد أن أكملنا الاختبارات والمقابلات النظرية والعملية في أكاديمية الفنون الجميلة لغرض ترشيح الاسماء التي سوف تختارها لجنة الاساتذة المشرفين لقبول الطلبة في دراسة الفن للدورة القادمة . وكانت تحدو بنا أحلام وطموحات كي نبدأ حياتنا الفنية والمستقلة في العاصمة الكبيرة بغداد.
...
في القطار المكتظ بالمسافرين والجنود ..التقيت بأحد الاصدقاء الشعراء الملتحقين نحو جبهة الحرب والى القطعات الجنوبية في البصرة .
وتحدثنا أثناء الرحلة كثيراً عن الحب والشعر والفن .. وحدثني الصديق الشاعر والممثل المسرحي رائد أيضاً عن حبيبته التي كان يعشقها بجنون وأفترق عنها هذا الصباح بعد لقاء حميم وحزين في حديقة الزوراء دون أن يعرف اذا كان سيلتقيها مرة أخرى أو انه سيموت بعيداً عنها في تلك الحرب العبثية.
فتح رائد حقيبته وأخرج منها ربيعة زحلاوي فاحتساها بجرعات أثناء حديثنا وكان يدخن سجائره سومر المفضلة. ثم شعر بالنعاس ونام محشوراً وسط زحام المسافرين بين مقاعد الركاب بعد أن خلع بسطاليه ووضع فوقهما الحقيبة كي يحاول أن ينام قليلاً..
دعوته أن يحتل مقعدي كي يستريح فرفض ذلك شاكراً..
تأملت بوجه صديقي الجندي والشاعر والعاشق .. وتضاريس الحزن والتعب كانت تحيط بملامحه الوسيمة لكن مع كل هذا الاسى كانت هنالك ثمة ابتسامة خفيفة مرسومة بين شفتيه.

وحين غط الصديق في النوم جاء مفتش التذاكر وهو يطلب من الجميع أن يثقب بطاقات الرحلة القادمة من بغداد الى البصرة.
وحين وصل المفتش الى الصديق الشاعر ايقظه فتململ رائد أثناء أرباك نومه وكأنه كان يتعذب ثم حرك المفتش كتف المسافر محاولاً ايقاظه وهو يصيح به (أبو خليل أكَعد ) !!! .. فتح رائد عينيه مفزوعاً وكأنه كان قادم من عالم أخر.
وصاح بوجه المفتش عاتباً والنعاس مازال عالقاً بين جفنيه ..
"لقد كنت أقبل حبيبتي في تلك اللحظة التي ايقظتني بها .. اللعنة عليك وعلى تذكرتك"
...
توقف القطار في محطة الناصرية لمدة نصف ساعة كي يلتحق بقية المسافرين الراحلين نحو البصرة
نزلت من القطار ونزل معي رائد كي يودعني . كان لديّ شعور ان هذا هو لقاءانا الاخير .. أعطيته مجموعة روايات من ضمنها ليلة لشبونة لكاتبنا المفضل ريمارك والذي كنا نشعر انه صديقنا في الضياع والجحيم والحروب .. وايضاً رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف .
وقبل أن يزعق القطار بصافرة المغادرة أخبرني صديقي الحزين بحلمه وطموحه بأن ياخذ حبيبته الى كردستان ثم يعبر الحدود نحو تركيا طالباً اللجوء الى أوربا .
عانقت صديقي رائد ونحن لم نتمالك أنفسنا من البكاء أمام المسافرين .
ثم صعد القطار بأخر الخطى ولوحت اليه مودعاً فتوارى القطار مخلفاً حزناً في فضاء الروح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دمرونا
علي فهد ياسين ( 2014 / 8 / 19 - 18:38 )
السؤال الكبير .. كم كانت قاسية تلك المواقف , حتى بقت محفورة في ذاكرتنا ؟
يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه .. لقد دمرونا والعالم باسره كان يتفرج

اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-