الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدعة الوحدة الوطنية

مالوم ابو رغيف

2014 / 8 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يمكن لنا الحديث عن نوعين من الوحدة، الوحدة الايجابية والوحدة السلبية. نعني بالوحدة الايجابية هو حالة غياب الصراع التناحري بين مكونات الدولة المختلفة وقبول جميع مكوناتها بنظام تكون قوانينه ملزمة لجميع المنتمين للدولة وغياب اي تمييز او تمايز او تفاضل بين مكوناتها بسبب القومية او العرق او الدين. الوحدة لا تقضي على التناقض ولا على الصراع اذ انه سيتخذ اشكالا ثقافية اواجتماعية ولا يمكن ان يكون صراعا تناحريا اقصائيا، انما عملية مستمرة يتغلب فيها الصواب على الخطل والجديد على القديم، ان اغلبية الشعب ستناضل ضد القوانين المجحفة.
ان هذا الصراع هو الذي يفرز الوحدة الوطنية، فهو صراع يكون محل اهتمام الجميع اكان ثقافيا او سياسيا اواجتماعيا اوصراعا ضد الامراض والاوبئة والكوارث. ان هذا الصراع غالبا ما يؤدي الى نبذ الافكار والاساليب والنظم العتيقة التي لا تخدم تطلعات التطور اللاحق او تكون حجر عثرة في طريق التقدم والرقي. هذه الوحدة الايجابية هي التي تحكم المجتمعات الغربية رغم اختلاف المداخيل وفروقات المعيشة والخلفيات الثقافية والانحدارات الطبقية، اذ ان الغرب تحكمه وحدة هدف تسعى الى جعل الانسان راضيا او اقل معاناة في الحياة. كما ان الانتماء للدولة يعني امتلاك الحق في التمتع بجميع امتيازات هذا الانتماء بغض النظر عن جميع اعتبارات الدين والثقافة والانتماء العرقي.
ورغم العزلة الاجتماعية والاغتراب التي يعاني منهما الانسان في المجتمعات الرأسمالية، ورغم تحكم الآلة بـ، وسيطرتها على الكثير من مجالات وفعاليات الانسان، حتى قد يبدو في كثير من الاحيان وكانه يتكلم مع نفسه، الا ان هناك شعورسائد بين افراد المجتمع بان هناك دائما من ياتي ليمد يد لمساعدة ومن يحضر للانقاذ في ساعات الشدة والعسرة ومن يتضامن، حتى في اقسى حالات اليأس والشدة او في ابعد المناطق عزلة ونئياً.
ان الوحدة الايجابية بين المواطنين هي نتاج التقدم الحضاري والمعرفي، هي نتيجة عزل الدين عن الدولة وابعاده عن السياسة وانقاذ الناس من نظريات العقاب والثواب والعذاب، هي التركيز على القضايا والمشاكل التي تواجه الناس والجهد الجمعي المشترك للتغلب عليها، هي في نزع جميع الاغطية او القشور الفكرية والآيدلوجية والدينية والقومية التي تمنع رؤية مسببات المشاكل.
لذلك تراجع الدين الى وظيفته الحقيقة وهي توفير ملاذ روحي آمن لكبار السن ونفح الانسان بامل في العيش مجددا في عالم ما بعد الموت، بعد ان اصبح جسده المتهاوي الهزيل لا يتوقع غير الفناء والهلاك على الارض.
لقد اجاب هتشكوك المخرج الانجليزي المعروف عن الهدف الذي يبتغيه وراء اخراج افلام الخوف والرعب، قال بانه يود ان يجعل الانسان ان يعيش في مواقف وحالات لا يمكن له ان يعيشع اثناء حياته الاعتيادية. كذلك هو الدين يوفر لكبار السن فسحة من الامل الوهمي في حياة تآملية قادمة ليموتوا وهم سعداء.
في المجتمعات الغربية، ليس الدين وحده هو الذي تراجع الى وظيفته المفترضة، بل كل الافكار التي تبعد الانسان عن الاخرين وتعزله بالتمايزات القومية او العرقية والطائفية.
نشير هنا ان افكار الافضليات والتمايز القومي قد تراجعت هي الاخرى ولم يبق امنها سوى افعال سلبية نشهد نتائجها المضرة بين الحينة والاخرى كاعمال شغب تحيل مباريات كرة القدم اى ميادين حرب، مفرغة ايها من قيمتها الجمالية وروحها الرياضية.
ومن جانب اخر، نجد ان الانسان في الغرب اخذ يميل يوما بعد اخرى الى تغليب الروح الاوربية على الانتمائات القومية، اذ ان تأثيراتها الايجابية والاقتصادية هي اكبر من تأثيرات الفخر القومي الذي ليس للانسان منه الا النفخة الفارغة.
اما الوحدة السلبية، فنعني بها اجباروقسر المتناقضات على البقاء في وحدة شكلية يؤدي عدم فضها الى صراعات عدائية تناحرية عنيفة ذلك لقوة نزعة الجنوح نحو الانفصال او الاستقلال الذاتي عن بقية الاطراف المتصارعة معها.
هذا النوع من الصراع الذي تعيقه عوامل ضعف الارادة والخوف من المستقبل عن بلوغ نتائجه النهائية (الانفصال) سوف لن يكون معرقلا ومشوها للتطور فحسب، انما مسببا للخراب وللدمار وسفك الدماء.
ولكي نكون اكثر صراحة ووضوح بوضع المشكلة على بساط البحث، نقول ان عراق اليوم قد انقسم ذاتيا ليس الى مكونات فقط انما الى قبائل وعشائر ومذاهب واديان تسعى الى التخلص من كل واجبات الانتماء الى الوطن - الشعب. فمفهومي الوطن والشعب قد تضائلا واصبحا اقل سعة وعددا وتأثيرا من الطائفة التي اصبحت هي هوية التعريف الاساسية للمواطنين اكان في التوظيف او في القبول المجتمعي او الثقة او الشك وليس هوية الاحوال المدنية. بل انها قد تكون سببا في الموت او سببا للبقاء للحياة، فمن مئات الجنود الشيعة الذي ذبحوا في قاعدة سبايكر لم ينجو الا واحدا ادعى انه سني المذهب ولحسن حظه لم يكن اسمه ليشي بهويته الطائفية كما نشرت الصحف العراقية. كذلك تم قتل الاف اليزيديين وتعرض نسائهم الى اشد انواع التنكيل والسبي وانتهاك الاعراض وتعرض المسيحيون لنفس المصير ونفس البلاء الاسلامي ولاقى الشبك والشيعة التركمان نفس بشاعات القتل والاغتصاب والسبي حسب الشريعة الاسلامية التي تكفر حتى المؤمنين بها.
في ظل الوحدة الوطنية الموهومة دائما ما يتراجع والصراع الطبقي والصراع الفكري في داخل المكون الاجتماعي او القومي الى الخلف مع ما لهما من اهمية في التطور، بينما يتقدم صراع المكونات ضد بعضها فيغدو هو الرئيسي مع انه ليس سوى صراع هيمنة واستبداد يخلو من عواطف الحرص على الوطن- الشعب لكنه مشبعا بالعواطف الطائفية والقومية الضارة.
من طبيعة الصراع هذا انه لا يصبح هما عاما للمواطنين، ذلك لغياب الروابط الوطنية العامة والشاملة، وقد عبر السيد مسعود البرزاني عن ذلك بصريح العبارة حين قال بان كوردستان ليست طرفا في الصراع الشيعي السني ، انه محق في هذا لان كردستان مرتطبة بوحدة الصارع بتناقض اخر هو التناقض بين الكورد وبين العرب.
اذا كان للمكونات ما يفرقها اكثر مما يجمعها، فان فك هذا الارتباط يفيد جميعها. اذ ان اجبارها على البقاء ترغيبا او ترهيبا هو احد انواع الاستغفال والاستبداد.
وكما هو معروف بان الشيعة يرفضون رفضا قاطعا العيش مرة اخرى تحت مظلة حكم سني مثلما يرفض السنة ايضا العيش تحت مظلة حكم شيعي وذلك لاعتقاد وهابي يكفر الشيعة ويضعهم في خانة المشركين بالله، ولم يعد هذا الحكم مقتصرا على الوهابيين فقط، فان الجامع الازهر هب عن بكرة ابيه لمقاومة ما اسموه بالمد الشيعي وكانه يستعد لمكافحة نوع من الاوبئة. كما ان الشعب الكوردي سائر في طريقه لتأسيس دولته القومية المستقلة، وهو حق لا يتنكر له الا الذين تمتلأ قلوبهم بالضغائن والاحقاد، ولا نعتقد ان احد يملك حقا او قولا سوى الشعب الكوردي في تقرير هذا الامر حصرا.
كما ان الصراع السني الشيعي يساهم في ابقاء الشيعة على خضوعهم لمرجعياتهم الدينية ووصطفافهم تحت رايات احزاب الاسلام السياسي بينما لا يجد السنة مفرا من التعاون مع الجماعات الارهابية للضغط على الحكومة وابراز الانا الطائفية.
ان الوضع في العراق هو ايضا انعكاس للصراع المحتدم في المنطقة وخاصة في سوريا التي تريد السعودية ودول الخليج وتركيا الاسلامية تطهيرها من المشركين العلويين والاسماعيليين والشيعة والقضاء الـ PKK والـ YPG اللذان يناضلان من اجل حقوق الشعب الكوردي في العيش الكريم، وحمايته من قوات الثورة السورية داعش وجبهة النصرة والجبهة الاسلامية الضالعين والمحترفين لقتل الانسان واكل اكبادهم. وبعد ان يستقر الامر لهذا القوات الاجرامية سيتم تهجير المسيحيين وسبي نسائهم وقتل الدروز لانهم يعبدون غير الله ولا تبقى كلمة حرة اخرى سوى صياح الاستعباد الله واكبر باللهجة الوهابية.
ان العراق حكومات ومكونات شعب وطوائف، العراق الذي يخاصم بعضه البعض ويلقي باللائمة على بعضه سيجد نفسه أجلا ام عاجلا امام هذه الخيارات :ـ
1)الابقاء على الوحدة التي ليس لها من الحقيقة سوى اللفظ والذي يعني بنفس الوقت الابقاء على حالة الصراع التناحري المستمرة ةالصبر على ما يسفر عنه من اقتتال واحتراب وخراب ودمار وضحايا.
ولا نعتقد ان اي مكون عراقي يعجبه هذا الاختيار اللهم سوى بعض السياسين والكتاب الذين يعتاشون على استمرار سقوط الضحايا، انهم مثل حفار القبور الذي يزدهر عمله كلما حل الوباء.
انهم يوهمون انفسهم بحل هذه المعضلة بما يسمى بالوحدة الوطنية وهي ليست سوى خدعة كبيرة، اذ لم نرها يوما متجسدة في الواقع كعمل ملموس، كانتصار للضحايا. ان البلد الذي يخلو من تقاليد التضامن الانساني، البلد الذي فيه يملك رجال الدين الكلمة العليا على طوائفه، البلد الذي يسمح بعض مكوناته الاتفاق مع المجموعات الاجرامية ويسمح لها بالدخول الى مدنه وقراه ليعيثوا فيها قتلا ودمارا ، البلد الذي لا زال بعض من سكانه يطلق على المجرمين تسمية الثوار او المسلحين، مثل هذا البلد لا يمكن المراهنة على وحدته الوطنية، اذ ان الاجرام قد خلق فيه تقاليدا للذبح والاغتصاب والاختطاف والاغتيال. لقد صدق المطران العراقي المسيحي شرف عندما قال بان الوطن بدون كرامة غربة.
2) فض وتبديد وهم الوحدة وتقسيم العراق على مكوناته الرئيسية باشراف دولي لانشاء كيانات منسجمة مع ذاتها اجتماعيا وشعبيا ولغويا ودينيا.
3) او انشاء كيانات كونفدرالية مستقلة ترتبط بعلاقات التعاون والمساعدة والتكامل الاقتصادي واستقلالياتها دون اي التزام مفروض فيفصم عرى وحدة العداء وتبرز حالة الاحتياج الواحد للاخر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الازهر ومصائبه
كامل حرب ( 2014 / 8 / 20 - 00:04 )
الاستاذ المحترم مالوم ابو رغيف ,لقد ذكرت فى تعليقك ان الازهر الغير شريف يعد العده لمحاربه مااسماه بالمد الشيعى ,فى تقديرى ان الازهر هذا سبب مصائب وكوارث مروعه على مر التاريخ ومنذ تأسيسه منذ مايقرب من الالف عام ,لقد كتب الدكتور احمد صبحى منصور اليوم مقال عن كوارث شيوخ الازهر واتمنى ان تقرأه ,ذكر الدكتور منصور فضائح جنسيه عن قيادات الازهر من المشايخ منذ عقود ,الشئ الذى صدمنى حقا هو تفشى ظاهره اللواط بين كبار الشيوخ بل وصغار الشيوخ ايضا ,بالطبع العامه لاتعرف شيئا عن هذه الفضائح الجنسيه الشاذه ,لكن كون الدكتور منصور كان دكتور فى الازهر ويعلم مصائب وخبايا وكوارث جنسيه متخفيه تحت الجبه والعمامه ,.الطائفه الصوفيه معروف عنها انها تحلل علاقه اللواط منذ العصر المملوكى فى مصر ,انا اعتقد ان هذه الممارسات الجنسيه الشاذه تمتد منذ قيام امه الاسلام على يد الحبيب المصطفى ,العصر العباسى كان العهر والفجر والمجون واللواط سمه واضحه فيه ,الا يجب ان نسلط الضوء ونكشف فساد شيوخ الاسلام وشذوذهم الجنسى على مر العصور


2 - الارهاب والشذوذ
مالوم ابو رغيف ( 2014 / 8 / 20 - 21:54 )
الاخ كامل حرب المحترم
الازهر غزته الوهابية بافكارها الصلفة التي تقف ضد اي تغير او تلطيف للمنطلقات الاسلامية الجلفة.. وكلمة الشريف او المقدس لا معنى اذا ما كان الفكر فاسد وليس الاخلاق والضمائر فقط.ـ
انا اعتقد ايضا ان نزعات الانحراف والشذوذ، على ما بها من سقوط وحقارة، تبقى خطرا محصورا بدائرة الممارسة، اما الفكر الاسلامي الارهابي، وخاصة الوهابي منه، الذي يشبه جرثومة الايبولا المميتة، والذي يعمد رجال الدين الى تثقيف الناس به، فانه الخطر الذي لا يجد له علاجا اخر غير التخلص منه بالقضاء عليه بكل الوسائل، فهو يشمل الجميع باجرامه ولا يستثني احدا ويحمل معه كل انواع الشذوذ والانحراف الجنسي والعقلي
تحياتي


3 - الوحدة تصوُّر بدوي مكتوب عليه الفشل في مجتمعنا
ليندا كبرييل ( 2014 / 8 / 21 - 04:34 )
الوحدة على أي مستوى كان مكتوب عليها الفشل في مجتمعنا العربي

هو مجتمع القبائل والعشائر ولا يمكن بحال أن يتصور الوحدة والانضواء تحت قانون مدني يحكم الجميع بالتساوي

الكل رأس في النظام القبلي
رأس ينتظر رأساً ليزيحه بضربة سيف بالماضي، أو بانقلاب بلغة اليوم

أقدّر كثيراً اجتهاداتكم الفكرية أستاذنا المحترم، لكني بتّ اعتقد أن الشرذمة هي الحل الأوحد لمجتمعاتنا التي لن تتغير ولا شعرة واحدة
إلا ..؟

إلا بحرب أشبه بما حصل بالثورة الفرنسية
حينذاك فقط .. يبدأ الأمل بتغيير المجتمع

ولا ننسى الضحايا التي ستذهب أرواحها هدراً في مثل هذه الحرب الفظيعة، لكننا لا ننسى أيضا أننا بدون الحرب الفظيعة تذهب الأرواح هدراً على أيدي مجرمة

فيا ليتها حرب تنفض البيت العفن من شروره

تفضل أستاذنا تحياتي وتقديري


4 - الخلافة والدولة
مالوم ابو رغيف ( 2014 / 8 / 21 - 15:51 )
الزميلة العزيزة ليندا كبرييل
تحياتي
بلادننا، معظمها وليس جميعها، تمر بمرحلة مرت بها الشعوب الاخرى فحسمت مصيرها واختارت الانضواء تحت حكم الدولة، اي ان الدولة اصبحت البديل لكل التنظيمات الاجتماعية، قبيلة او عشيرة او طائفة..في الدول العربية سببت الخلافة الاسلامية انقطاع عن مسيرة الحضارة والتطور، اذ ان الخلافة لم تكن الا راس لعشيرة متميزة على بقية العشائر، والمنتمون الى الخلافة ، لا يملكون حقا اخر غير الطاعة انهم منتمون الى عشائرهم، هي التي عليها ان تهتم بامرهم وتدفع دياتهم وغراماتهم ومسؤولة عن الاتيان بهم ان هم شذوا عن طاعة الخليفة.ـ
الدولة في العالم العربي تحمل روح العشيرة وليس روح القانون، الدولة عند العرب ليس لها ملامح القانون الذي هو فوق الجميع، وليس له ملامح الطبقة، ان الطفيليون على السياسة والقانون هم الذين يتبرعون على عرش الحكم، اولئك الذين صدفة او وراثة او بانقلاب وجدوا ان كل شيء تحت امرتهم..ـ
لكي تتكون الدولة بمفهوما القانوني والحقوقي يجب ان تلغى العشائر وتلغى القبال وتلغى الطوائف، انها عملية تطور معقد لا تتم بمجتمعات غير منسجة تنهشها الحروب ويتفرقها المذاهب وأيات الارهاب.ـ

اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز