الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صبايـا ما بعـد منتصـف الليـل

علي بنساعود

2005 / 8 / 11
الادب والفن


ترى ماذا يفعل الآخرون حينما يحل الليل، ونأوي نحن المتعبين من اللهاث وراء اللقمة إلى فراشنا؟

مهلا عزيزي القارئ، لا تتسرع في الجواب، وتعال معنا لنقوم وإياك بجولة في بعض الفضاءات- اللغز، ونعاين الجواب، ونكتشف أننا وإياكم كنا "فدار غفلون" وسيكون مزارنا ناديا ليليا بفندق مصنف شهير.

الساعة الآن تشير إلى منتصف ليلة باردة، والمدينة مكناسة الزيتون.

بعد الأداء، نفتح الباب... الظلام حالك... نخطو خطوة وثانية فثالثة... الرؤية صعبة تعوقها حركة المصابيح الملونة الخافتة، وكثافة الدخان، وصخب موسيقى غربية منبعثة من حيث لا ندري.

أمامنا أشباح تتحرك... أشد ذراع مرافقي وأسير خلفه... نقتعد أقرب أريكة موليين ظهرينا للباب... أستوي في جلستي وأبحلق حولي ذات اليمين وذات الشمال. أمسح الفضاء... تبدو لي القاعة فسيحة والطلاء داكنا. في العمق "كونتوار" وفي الوسط حلبة رقص أرضيتها من خشب، حولها أرائك... على اليسار مصطبة تحتلها فرقة موسيقية...

حيثما وليت وجهك فثمة ابتسامة أنثوية ترحب بك... مباشرة على يساري، صلعة تزيدها أشعة المصابيح لمعانا... في حجر صاحبها "سطاشية" بضة... على يميني شيخ ملتح ضخم الجثة، تحت إبطه أخرى لم أتبين ملامحها.

أثارت انتباهي عجوز في حوالي الثلاثين من عمرها... تراقص هذا هنيهة، وتلحق بالآخر لتملأ كأسه بعد أن تفرغه في جوفها، وقبل أن تغادره تنادي من تؤنس وحدته في انتظار عودتها.

يبدو أن الشعار هنا هو: نادموا وراقصوا ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع ...

النادل في الخدمة، دون أن تناديه "يكرمك" بالقنينة حتى قبل أن تنهي شقيقتها.

لا حضور هنا لغير الـ:"مارلبورو" والسجائر المحشوة... الجميع ينفث... وفي الزوايا المعتمة، وأمام الكونتوار، تتبادل اللمسات والقبل السافرة...

مغني الفرقة يقلد "الساهر" الآن، يتأوه من حواء لك، تلك التي أنسته الداء وأمدته بالدواء...

بين فينة وأخرى يحل فوج لينضاف للآخرين... أصعق وأنا أرى بضعة مراقهين يدخلون بينهم ثلاث صبايا كاسيات عاريات... لا يمكنني أن أتخيلهن سوى بوزراتهن متأبطات محافظهن ومتجهات صوب الإعدادية.... والغريب، أنهن معروفات في هذا المسمى "ناديا" والدليل أن الفرقة خصتهن بتحية موسيقية خاصة... والأغرب أنهن استجبن لها برقصات احترافية داعرة: هذه ترقص صدرها، وتلك مؤخرتها، والأخرى ما تحت سرتها!!!

يسيل لعاب الأصلع... لا يتمالك نفسه... يزحف نحو الحلبة... وبأريحية، يعلق على صدر الأولى ورقة نقدية ويقبلها على شفتيها... يكاد يقع أرضا من كثرة الشرب... تشد أزره، تساعده على العودة إلى مكانه، يشد ذراعها فتجلس جنبه. تصله تحية الجوق فيقهقه ويعب كأسه دفعة واحدة.

يقوم الشيخ بدوره، ويصفف على حزام تنورة من كانت تهز شيئها خمس ورقاب نقدية زرقاء!!! ويعانقها مراقصا إياها...

رغم حالة السكر، وكل تلك المثيرات، فالهدوء يخيم على المكان، ولعل الفضل في ذلك يعود لثلاثة "ﭬيدورات" شداد غلاظ موزعين على القاعة مراقبينها، وعلى أهبة الاستعداد للتدخل متى دعت الضرورة لذلك.

إن كنت وحيدا أو خجولا مثلي، ولم تتجرأ على استدعاء واحدة لتؤنسك، فستأتيك من تلقاء نفسها، وسترقصك، و ترقص لك، وتنادمك، بل إنها لن تبخل عليك بخيراتها، ما تبقى من سويعات تلك الليلة، بمقابل لا يتجاوز 500 درهم!!! إياك أن تفكر في السمي? أو السما? أو أن تطلب تخفيضا، وإن فعلت مثلي، فستوضح لك أن السعر مخفض بسبب الكساد الذي يعرفه السوق، وأن نصيبها من هذا المبلغ زهيد، إذ لها شركاء فيه!؟ وستتظاهر بالانصراف. إن صمدت، ولم تتراجع، فتيقن أنها ستعود إليك شريطة أن ترى في المبلغ الذي اقترحته عليها بقيه لها، إذ أن الزبناء، كما ترى، قليلون.

وإن كنت في كامل وعيك، وتأملت وجهها، فستبدو لك صادقة والدليل صوتها المنكسر ووجهها الشاحب رغم كثرة الأصباغ.

الوقت هنا يمر بسرعة، والساعة الآن تشير إلى الثالثة صباحا، ولا يبدو أن أصحابنا هؤلاء يفكرون في النوم، نتذكر أن الشغل ينتظرنا بعد ثلاث أو أربع ساعات، نغادر المكان تاركينه وأهله للصخب والعتمة والدخان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات