الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنطاق النص .. الشروط والمسؤولية

ايناس البدران

2014 / 8 / 20
الادب والفن


يعدّ النقد معملا للقراءة ووسيلة لاستكناه النص ومكانته البنائية ومميزاته الاسلوبية واظهارا لمواطن الجمال ولحظات الابداع و ومضاتها ، ذلك فيما يتعلق بالناقد المتخصص الموضوعي الذي يعدّ النقد مسؤولية حضارية ومعرفية بامتياز اذ ان علاقته بالنص تنطلق من شرط المسؤولية في عدم العبث بالنص او الاستهانة به او التعامل معه بفوضى القراءة المختلطة بالمزاجية او الانطباعية التي لا تستند الى المنهج والرؤية الواضحة . ذلك ان الإبداع الادبي بكل اشكاله و تلاوينه هو اللغة بمفرداتها ومعانيها التي تتطلب الاشتغال عليها ليس اثناء الكتابة حسب وانما عبر القراءات المتعددة والمختلفة للنصوص والخطابات والحقول المعرفية.
في كتابه (استنطاق النص) قراءات نقدية في الشعر والمسرح والرواية يقدم لنا د. محمد درويش جملة من الدراسات النقدية التي عمل على ترجمتها من اللغة الانكليزية الى العربية فضلا عن مقالات واوراق نقدية لنتاجات ذات اتجاهات متنوعة متباينة في طروحاتها الفكرية فمنها ما تبنى المناهج الفلسفية او الماركسية او الاجتماعية او النفسانية او الواقعية الاشتراكية وصولا الى مفاهيم النقد الادبي الحديث التي ازدهرت منذ اواسط القرن العشرين مثل البنيوية والتفكيكية والحداثة وما بعد الحداثة وما بعد الكولونيالية وان ضعفت اهميتها في السنوات الاخيرة بعد وفاة اغلب مبتدعيها بدءا برولان بارت وانتهاء بجاك دريدا ورفض السيميائيين مثل هذا المفهوم بسبب نزعتهم للتأكيد على ان النصوص في طبيعتها متعددة الدلالات.
لا يختلف اثنان على اهمية الترجمة وما تلعبه من دور اساس في تقريب افكار الشعوب ووجهات النظر وحوار الحضارات وكذلك في ايقاظ كل ثقافة من اوهام الغلو والمبالغة في الرفع من شأن ارثها والانغلاق على ذاتها وتجاهل الثقافات الاخرى لذا يعد هذا الكتاب اضمامة مميزة لمجموعة مختارة من الدراسات والقراءات النقدية التي تستنطق عددا كبيرا من النصوص الشعرية المسرحية والروائية العالمية. فضلا عن القاء الضوء على عدد اخر من الشعراء والمسرحيين والروائيين الذين اضحت منجزاتهم الشعرية والمسرحية والروائية علامات فارقة على طريق الادب باقلام كبار النقاد امثال عزرا باوند هارولد بلوم، ما يرون سايمون، جوناثن كلر، ولكي تكتمل الصورة الشعري في ذهن القاريء نجد ان عددا اخر من نقاد الشعر لجأوا الى استغوار النص الشعري من خلال معالجة موضوعات محددة عند بعض الشعراء وهو مافعله تيزي جونز، وستيفن بويد وجون بريس هذا بالنسبة للقسم الاول من الكتاب اما القسم الثاني فتضمن قراءات نقدية في المسرح وضم عددا مميزا من الدراسات والمقالات النقدية التي تعالج مسائل وموضوعات مسرحية معينة كالماساة والسقوط الميلودرامي عند ابطال عدد من كتاب المسرح امثال سترندبرغ وتشيخوف وصاموئيل بيكيت، فضلا على عدد من المقالات التي تناقش مختلف الاتجاهات المسرحية في انكلترا، كما تطرق الى عدد آخر من نقاد المسرح والتوجهات المسرحية في الولايات المتحدة فضلا عن ملامح من المسرح الاسترالي المعاصر، والمسرح السوفيتي في عصر الانفتاح والمسرح التشيكوسلوفاكي اشتمل القسم الثالث من هذا الكتاب قراءات نقدية في لرواية تضمنت ورقة نقدية للناقد الانكليزي انتوني بيرجس عن اوجه الرواية العالمية، وبداية الرواية الاوربية وافاق ادب الحرب الروائي فضلا عن موضوعات اخرى شغلت اذهان عدد كبير من الروائيين العالمين كالخير والشر والتاريخ والميثولوجيا في الرواية.
كما يتضمن الكتاب مجموعة ممتازة من المقالات النقدية عن ادب جمس جويس وبخاصة روايته (يوليسيس) التي عدها نقاد الادب رواية القرن العشرين ورواية (صورة الفنان في شبابه) وثمة مجموعة اخرى من المقالات النقدية التي تستنطق النصوص الروائية التي عالجها عدد اخر من الروائيين مثل تمظهرات التاريخ في روايات انتوني بيرجيس وطروحات دي. اج. لورنس الاجتماعية والجمالية والابداع الروائي والنقد الاكاديمي الذي نهج عليه ديفيد لودج، والبحث في طبائع البشر الذي سار عليه وليم غولدنغ ومأساة الزنوج واحوالهم الاجتماعية التي ابدع في تصويرها كل من جيمس بولدوين ونادين غورديمر، ودور المراة في المجتمع الذي ابدعت في تصويره دوريس لسنغ.
من المقالات المهمة التي ضمها الكتاب تلك التي تناقش اعمال ارنست همنغواي وكاثرين آن بورتر وايفو اندريتش، وايتالوكالفينو وفلاديمير نابوكوف وجورج سيمنون واسماعيل كاداريه وجان جينيه وجوزيف كونراد وجون دوس باسوس، لينتهي هذا القسم بثلاث مقالات رائعة الاولى يستنطق بها خورخه لويس بورخس ماساته الشخصية عندما بدأ يفقد بصره تدريجيا، وفي الثانية يستذكر فيها نارايان بداياته في الصحافة قبل ان تهيمن عليه الرواية وسحرها الابدي الذي لايقاوم، اما المقالة الثالثة فهي قراءة ذكية للروائية الكبيرة ادنا اوبراين تعرض فيها مختلف اوجه الحياة المريرة التي عاشها جيمس جويس في شبابه وزواجه من رفيقة عمره نورا بارنكل والصعوبات التي رافقت مسيرة الزوجين حتى وفاته.
التوسير 1918-1990 احد الماركسيين الجدد، هو الذي استحدث مصطلح استنطاق النص لوصفه آلية تتشكل فيها الذات البشرية (تُشيد) بوساطة بني او نصوص سابقة لها (موقف بنيوي) حيث اعلن في قول شهير له ان منظومة العلاقات الحقيقية ليست هي التي تتحكم بوجود الافراد، انما العلاقة المتخيلة لهؤلاء الافراد بالعلاقات الحقيقية التي يعيشون فيها، ويتحول الافراد الى ذوات من خلال الالية الايديولوجية التي يسميها التوسير الاستنطاق واذ تؤكد دار المأمون حرصها على ترجمة ونشر الاعمال العالمية الابداعية الرصينة وتسجل اسهامها الخلاق في رفد المكتبة العربية بكل ما هو جاد ومميز في رحلتها التي ابتدأتها منذ اواسط الثمانينيات من القرن الماضي، يظل حلم الاديب العراقي الذي عانى ما عاناه طوال عقود من عزلة كادت ان تخنق شرايين الابداع لديه هو ان تلتفت هذه الدار الى النتاجات الابداعية العراقية فتتناولها هي الاخرى بالترجمة والنشر والتوزيع في كافة المعارض الدولية وبمختلف اللغات العالمية الاكثر تداولاً.. هذه امنية نأمل ان تجد طريقها للتحقيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي