الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمُ الحرية لألعابِ الأطفال الالكترونية، من مسلسل إعصار لا يهدأ 4

يحيى غازي الأميري

2014 / 8 / 20
الادب والفن


رغمَ أن الفصلَ حارٌ وحرارتُهُ آخذةٌ بالارتفاعِ مسببةً للإرهاقِ
ومعكرةً للمزاجِ
المساءَ هذا السماءَ لكِنَّ
كانت ملبدةً بغيومٍ رماديّةٍ داكنةٍ لا تكفُّ عن الحركةِ والدورانِ،
مصحوبةً برطوبةٍ خانقةٍ.
هنالك إشاعاتٌ تسري بين الناسِ، لا يُعرفُ مصدرُها.
تقولُ:
إن هذا الفصلَ سيكونُ ساخناٌ جداً وإن السماءَ في مثلِ هذهِ الأجواءِ
سوف تمطرُ أحياناً شهباً و نيازكَ، وتحذرُ من شظاياها المتطايرة
فهي تحزُّ الرؤوسِ وتقطعُ الأبدانَ إن إصابتها،
وإنَّ إصابَتها قاتلةٌ مميتة.
هذه الأقاويلُ تُثيرُ الرَّعبَ ،وترسّخُ الخوفَ حدَّ الموتِ في النفوسِ
لكنَ الغريبَ أن أغلبَ الناسِ لا تبالي لذلك
شاهدُ عيانٍ يروي ما شاهدهُ في هذا المساءِ:
_ اصطحبتُ طفلي ( محموداً ) ذا الثامنة لغرضِ التبضعِ لعيدِ ميلادهِ.
اشتريتُ له بدلةً رصاصيةً وحذاءً وقميصاً وربطةَ عُنقٍ حمراءَ
كان ( محمود ) فرحاٌ بها أشدَّ الفرحِ
عند خروجِنا كان متجرُ الحريةِ للعبِ الأطفالِ الالكترونيةِ
ينتصبُ أمامَ أنظارِنا في الجهةِ الثانيةِ من الشارعِ
ولا يبعدُ عنا أكثرَ من 30 متراٌ
تسمَّرت عينا ولدي على واجهةِ المتجرِ
حيثُ يقفُ أمام بابِ المتجرِ عددٌ يزيدُ على عشرةٍ من الأطفالِ مع ذويِهم
أمسكَ (محمودٌ) بيدي وبصوتٍ فيه كثيرٌ من التوسلِ طلبَ مني العبورَ إلى المتجرِ
نظرتُ له بعينين فيهما كثيرٌ من الحنيةِ و المحبةِ
وقلتُ لنفسي لأكملنَّ فرحتهُ وأشتري له ما يودُّ
حملتُ بدلته بيدي اليسرى، وأمسكتُ بيدهِ اليسرى ،
فيما حملَ (محمودٌ) بيمينهِ الحقيبة التي تحتوي القميصَ والحذاءَ
وبدأنا نرقبُ السياراتِ لنتهيأ لعبورِ الشارعِ ؛ وبلا مقدماتٍ ارتفع
صوتُ دويًّ هائلٍ
صمَّ أذناي، وقذفني عدة أمتارٍ،
كادَ أن يفقدني رشدي
بعدَ لحظاتٍ فقتُ من هولِ الصدمةِ،و شاهدتُ ولدي محموداً
مرميّاً على الأرضِ
والدماءُ تنزفُ من نحرهِ
انقبض قلبي، ذعرتُ لمنظره، وهو ينزفُ دماً حاراً
انحنيتُ عليه وجدتُ قطعةً من الحديدِ بحجمِ كف اليد
مستقرةً في أسفلِ عنقه،
كانت عيناه مفتوحتان على أشدهما،
شفتاه تتحركان ببطءٍ شديدٍ ، وحاولَ أن يقولَ لي وبـدأ
يحدثني بهمسٍ
والدموعُ تترقرقُ في عينيه البريئتين
_ بابا أنقذني، بعدها
أغمضَ عينيه ساعة هممتُ أن أقبِّلهُ
حملتهُ على ذراعيَّ، أحسستُ أن يدي اليمنى لا تعينني على حملهِ،
فقد كانت شظية أخرى
قد استقرت في كتفي.
حملتهُ بكل قواي وصرختُ بأعلى صوتي كالمجنونِ: أيُّها الناسُ أنقذونا
لكن ولدي محموداً
لفظَ أنفاسه قبل أن اقبلهُ
رباه، كان يتوسلني أن أساعدهُ!
كانَ منظرُ أشلاءِ الأطفالِ ولعبهم قد تناثرت لتملأ الشارعَ والأرصفةَ!
أحسستُ أن قوايَّ تخورُ وصوتي بدأ يخفتْ
وتقهقرت ركبتاي، وأضحتا لا تقويان على حملنا،
ضممتُ ولدي إلى صدري
وجلستُ على الأرضِ واضعاً جسمه في حضنى ومطوقاً ( محموداً ) بذراعيَّ
قبلتهُ بين عينيه، أحسستُ ببرودة مفزعة بجبنهِ
فسرت هي الأخرى كالبرقِ بجسمي
تجمهرَ بعضُ الناسِ حولي، فغبتُ ساعتها عن الوعيِ.
توفيَ شاهدُ العيان بعدَ ثلاثة أيام من وفاةِ ابنهِ متأثراً بجراحهِ المزدوجة!

هذيان مع الفجر، جمهورية العراق
آب-2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟