الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجلس المصري للإعلام بين السموات المفتوحة والنوايا الطيبخبيثة

هبة عبده حسن

2014 / 8 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أخطر مافي الحوار القائم اليوم حول المجلس الوطني (المصري) للإعلام هو مقاربة موضوع ينتمي للقرن الحادي والعشرين بذهنية القرن التاسع عشر. الأمر الأكيد أن صفحات ستسود وساعات بث ستعبأ وأن الكثيرين من أهل الخبرة وذوي الرأي والمصلحة سيشاركون آراءهم في المجلس المقترح من زوايا بعينها منها الأشخاص المرشحين (أو المعينين) والتشريعات التي أستطيع التنبؤ بأن بعضاً منها سيكون حول "ضمان عدم حدوث أمور من شانها تعكير العلاقات الودية بين مصر وشقيقاتها العربيات وبنات عمومتها المسلمات ومجتمعها الدولي على اتساعه"... لا بأس في هذا ولا ضير ولكن نظرة متفحصة على المسألة الإعلامية من منظور تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين وتراكمه المعرفي يجب أن تحفز المعنيين بشأن الإعلام (مقرؤه ومسموعه ومرئيه) على التوقف وأخذ نفس عميق لاستيعاب التطور التكنولوجي الرهيب قبل أن يبتلعنا تسونامي "المصادر المفتوحة والسموات الحرة" من حيث لا ندري، ووقتها لن تعزينا التشريعات ولن تغنينا النوايا الطيبة وبالتأكيد لن تنقذنا النوايا الخبيثة.

أول ما يدعو للقلق هو الظروف المحيطة بتشكيل (أو الدعوة لتشكيل) المجلس في السنوات الأخيرة حيث جاءت أول إشارة للرغبة في تشكيله في مارس 2012 كمبادرة مكملة للمشروع الذي تقدمت به وزارة الإعلام حينها بشكل غير رسمي خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب أثناء مناقشتها قانون إنشاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع (مواده منشورة بالصحف). ثم، وبعد 29 شهراً، جاء التطور السريع الذي أعقب لقاء الرئيس السيسي بالإعلاميين في أغسطس 2014 والذي طالب فيه بسرعة تشكيل المجلس الوطني للإعلام، من أجل وضع ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي والذي نقلت الأنباء بعدها قول السيسي أنه كان قد خضع لرغبة الصحفيين والإعلاميين بإلغاء وزارة الإعلام، إلا أن المسؤولين عن الصحافة والإعلام (والكلام لازال للرئيس) لم يتخذوا أي إجراء لتشكيل المجلس حتى الآن... القراءة التحليلية للخبر الأخير وخاصة سؤال الرئيس للإعلاميين : «هل ستنتظرون 6 أشهر، حتى تنتهي الانتخابات البرلمانية، لتبدأوا في النظر في تشكيل المجلس؟» تجعلنا نكاد نجزم بأن المجلس وقانونه سيريان النور خلال الأشهر (وربما الأسابيع) القليلة القادمة.

ثاني الأمور التي تدعو للقلق هو الاتجاه الذي يتخذه الحوارعن النوايا والأشخاص والجهات والتعيين والانتخاب... الخ. الأشخاص ونواياهم والتشريعات (قانونيها ودستوريها) وطبيعة المجلس هي أمورغاية في الأهمية ولكنها غالباً وكما تعودنا تجيب على الأسئلة الآتية (ماذا – من – أين – متى - لماذا) ولكنها (وأيضاً كما تعودنا!!!) تغفل عن أهم سؤال يواجه أي موضوع أو مسألة عقلية على الإطلاق... "كيف" ولا أعني بذلك مجرد ضمان آليات تنفيذ وإنفاذ حزمة القوانين أو التشريعات التي سيعمل بمقتضاها المجلس. الحوار الدائر الآن ينقصه بشدة حواراً عن الكيفية التي تعمل بها المنشآت الإعلامية في القرن الحادي والعشرين... إن أساتذتي وزملائي المضطلعين بهذا الحوار لازالوا ينظرون للمنظومة الإعلامية بذات وجهة النظر التي كانت رائجة في منتصف القرن العشرين، والتي كان الإعلام حينها حكومياً موجهاً أحادي المنطلق. تلك المنظومة أضيف إليها في سبعينيات ذات القرن بعض الصحف الحزبية ثم الأهلية بينما ظل ماسبيرو (مبنى الإذاعة والتليفزيون) ينقل الرسالة المرئية والمسموعة والتي ظلت حكومية، موجهة وأحادية المنطلق... ثم ومع بدايات العشرية الأولى من القرن الجديد أضيفت للمنظومة منشآت المنطقة الإعلامية الحرة بمدينة أكتوبر. ودون إطناب أو إخلال أنا أرى أن هذه المنظومة (بشكلها القائم على مشارف 2015) لم تبتعد كثيراً عن بداياتها في الخمسينيات من حيث فلسفة وجودها وآليات عملها وحتى أهدافها... هذا أمر يجب أن يثير ذعر القائمين على أمر "التواصل الجماهيري" لأكثر من سبب ليس أولها فقدان الحرفية والمصداقية وليس آخرها عزوف الجمهور المتلقى ومعه آلة الإعلان المصاحبة، وقبل الانتقال إلى الفكرة الرئيسة التي يجب أن تثير ذعر القائمين على "التواصل الجماهيري" ولا أقول الإعلام لأن هذه الكلمة تعكس أحادية ليست فقط غير مقبولة في هذا العصر الجديد كلياً الذي نعيشه، ولكن، وبالأساس، لأن الكلمة تعكس جهلاً بفلسفة وآليات وطرائق التواصل التي فجرها في وجهنا القرن الحادي والعشرين.

أنا هنا أسأل المعنيين بالمجلس المصري المزمع للإعلام: هل لفت انتباه أحدكم أن إطلاق محطة تليفزيون أو إذاعة أو إنشاء صحيفة لا يستلزم من الفرد "أي فرد"على وجه البسيطة سوى معرفة قليلة بالإنترنت وبروتوكولاته؟.. نعم: باستطاعة أي منا وهو جالس في بيته جالس وباستخدام الكومبيوتر الشخصي (أو اللاب توب) الاستفادة من المصادر المفتوحة التي يقدمها محرك البحث"جوجل" مثلاً لتنشيء محطة تليفزيون على الإنترنت يشاهدها الملايين (على غرار ما فعلته محطة TYT الأمريكية الأهلية) أو أن تسجل مكاناً لك على "الساوند كلاود" ليصبح لديك محطة إذاعية، أو أن تنشيء صحيفتك الخاصة في شكل مدونة أو أن تشتري مساحة مسبقة التصميم لبوابة أخبار أو "ويبسايت" ليكون حينئذ لديك جريدة-صحيفة ملاكي... كل ما يلزمك هو معرفة متواضعة ببعض البرامج والأدوات الموجودة مجاناً والتي يمنحك إياها "جوجل" لتقوم بالتسويق والرصد والمتابعة والتحليل... والأهم أن السيد "جوجل" سيتابع أداءك ومن ثم يطرح عليك الاستفادة من الإعلانات على الشبكة تبعاً لجمهورك المستهدف ونوعية المادة التي تقدمها وهنا لن تكون فقط قد تحولت إلى محطة "إعلامية!" ولكن قد يتيسر لك الحصول على دخل ضخم عن طريق الزخم الذي يخلقه لموقعك قرائك ومشاهديك والذي يستتبعه بالضرورة سيل من الإعلانات التي يقدمها لك "جوجل" كمكافأة على نجاح موقعك... هكذا بكل سهولة وبساطة ويسر... إنه وحش جديد لزمن جديد... والأمر الأكيد أن عدداً غير قليل من الشباب في مصر (أو في المنطقة) يعرفون هذه الأمور، وكذا فلن يمر وقت طويل حتى تتلاقى إرادة البعض بمعرفة البعض الآخر ورؤية البعض الثالث وبعده سوف يفاجئوننا بصحف وإذاعات ومحطات تليفزيونية على الإنترنت، وليس من الضروري أن تنطلق من داخل النطاق الجغرافي لمصر وبالتأكيد لن يعنيهم تشريعات المجلس في قليل أو كثير...

إن تمضية بعض الوقت على الصفحات الخاصة لأشخاص عاديين على "فيس بوك" أو "تويتر" ستفتح أعيننا على أن تكوين جمهور يبلغ عشرات (وأحياناً مئات) الآلاف ليس بالأمر المستحيل، فكيف سيكون الوضع عندما تصبح معرفة "بروتوكول جوجل" لإنشاء محطات تليفزيونية أو "الساوند كلاود" للإرسال الإذاعي أو "الويب سايت" الجاهزة للاستخدام تماماً كمعرفة "فيس بوك و "تويتر" و "يوتيوب"؟؟؟ أين المجلس المزمع للإعلام من هذا الأمر؟! ما أدعو إليه في هذا المقال البسيط هو تغيير الذهنية العالقة في أحادية التوجه واحتكار الصواب والمعارك الشخصية وأن يتذكر أساتذتي وزملائي أن النقلة النوعية للمعرفة في القرن الحادي والعشرين تتخطى مجرد كونها معلومات متراكمة نعود إليها كل حين وحين على ويكيبيديا (على أهميتها وفقرها في الوقت ذاته، ولكن لهذا حديث آخر!!!) لقد تشكلت، ونحن بين غافل ومغفل، منظومات معرفية تضمن حرية العلم والتعلم والتعبير والتأثير باستخدام المصادر المفتوحة على الإنترنت... هذه ذهنية جديدة لعصر جديد، إما أن نستوعبها أو أن نسقط في حفرة كونية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال