الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناء الكادحين ضحايا الحروب الرّجعيّة

حزب الكادحين الوطنى الديمقراطى

2014 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



استقبلت عائلات معدمة أبناءها من العسكريين في ثوابيت، البعض من الجثث كانت متفحّمة تماما وممزقة إلى أشلاء والبعض الآخر ثقبه الرصاص وسالت منه الدماء بينما احتفظت المستشفيات بالجرحى الذين قطعت أطرافهم .
و ينحدر هؤلاء الجنود من عائلات كادحة فقّرها النّظام الطّبقي فلم تقدر على مساعدة أبنائها على إتمام تعليمهم ولا على اختيار المهن التي يريدونها فلم يجدوا أمامهم غير الانتساب إلى المؤسستين الأمنية و العسكرية .
هؤلاء هم ضحايا سياسة الاستغلال المتواصلة منذ عهود طويلة، والقائمة على التّـّـفقير و البــؤس و الجوع والبطالة والخصاصة و الأميّة، و حماية مصالح الإقطاعيين و البرجوازيين المرتبطين بالامبريالية.
لقد حُرم الكادحون جراء تلك السياسة من الثّروة ومن التعليم ومن الحكم، لكنّهم في المقابل حظيوا بامتياز حُرمـت منه بقيّة الطّبقـات، وهو ذاك الذي تختصره الثقافة الشعبية في تونس في لفظين هما "العسكر" و "الدّاخليّة" أو "المليتار" و "الحاكم".
و هذا "الامتياز" الذي يحظى به الكادحون ليس جديدا وإنّما قديم فهو موروث عن العهد السّابق للتدخّل الاستعماري الفرنسي، وقد تواصل العمل به خلال الاستعمار المباشر وما بعده.
فخلال القرن التاسع عشر، في عهد البايات الحسينيين، كانت الخدمة العسكريّة ملقاة على عاتق كادحي الأرياف والبوادي دون غيرهم بينما كان الأغنياء و"الأشراف" معفيين من القيام بها لانّ قانون البايات يمنحهم ذلك وبموجبه كانوا (الأثرياء) يكتفون بتقديم مقابل مالي أو بتكليف من يعوّضهم من أبناء الكادحين لأداء تلك الخدمة.
مع العلم أنّ مدّة الخدمة العسكريّة كانت تدوم سنوات طويلة وقد وجدت هذه القوانين العسكريّة وطبقت في فترة عُرفت بـ "الإصلاحات العسكريّة" والدستوريّة متمثّلة في "عهد الأمان" وفي "دستور 1861"، و هى التي حافظت على جوهر علاقات الإنتاج الإقطاعيّة القائمة آنذاك وكرّستها في مختلف الميادين بما فيها الميدان العسكري.
هذا "الامتياز" تواصل العمل به خلال عهدى الاستعمار المباشر وغير المباشر حتّى وإن تغيّرت القوانين المكتوبة في اتّجاه إجباريّة الخدمة العسكريّة -أحيانا- لتشمل كلّ الطّبقات بدون استثناء . غير أنّ الأساليب والأشكال القديمة المعمول بها لم تتغيّر خلال هذه المراحل، فقد تواصل إعفاء الطبقات الغنية من التجنيد بينما ظلّ أبناء الكادحين وحدهم من يُعمّرون الثكنات العسكريّة.
وقد اتّسعت القاعدة الجغرافيّة والطّبقيّة للمعرّضين إلى التجنيد لتشمل زيادة على كادحي الأرياف والبوادي كادحي الأحياء الشّعبيّة المفقّرة التي تشكّل أحزمة الفقر بالمدن والتي اضطرّتها الظّروف الاجتماعيّة القاسية إلى الهجرة عبر موجات نزوح متتالية من المناطق المحرومة من دواخل تونس إلى مدنها.
هذه هي التركيبة الاجتماعيّة للغالبيّة السّاحقة من الجنود وانحدارها الطّبقي والجغرافي، أمّا المراتب العليا ضمن المؤسسة العسكريّة فهي حكر على الطّبقات والجهات والعائلات الغنية ويحصل هؤلاء الموظفون السامون على امتيازات مالية وعينية بينما لا يحصل الجنود إلاّ على رواتب ضعيفة. وهذا المشهد في المؤسسة العسكريّة ينطبق أيضا على المؤسسة الأمنيّة. فالنّظام القائم حافظ على نفس قوانين الانتداب داخل أجهزة الأمن وعلى نفس التقاليد تقريبا .
وبما أنّ دور الجهازين الأمني والعسكري هو حماية الدّولة القائمة ومصالح الطّبقات التي أنشأتها، فإنّ المجنّدين داخل المؤسستين هم من يقوم بهذا الدّور، وهكذا يُحشر أبناء الكادحين في حماية مصالح الأثرياء قسرا بما انّهم يُدفعون إلى العمل ضمن هذين الجهازين نظرا للبؤس الاجتماعي الذي يعيشونه ونظرا لسهولة الالتحاق بالـ "مليتار" و"الحاكم".
وبحكم هذه القوانين والتقاليد من جهة وتلك الدوافع من جهة أخرى يتمّ توظيف أبناء الكادحين كأداة لممارسة العنف وكوسيلة ردعيّة لحماية مصالح الدولة ، فقوّات الجيش كما قوات البوليس يستعملها النظام الطبقي لمواجهة الانتفاضات الشعبيّة، وفي تونس كثيرة هي المحطّات التي أخمد فيها الجيش والبوليس والحرس انتفاضات الكادحين (جانفي 1978، جانفي 1984، ديسمبر 2010).
ويُستعمل الجنود أيضا في الحروب الرّجعيّة، ومنها الحرب الرّجعيّة الدّائرة الآن في تونس بين المجموعات الإرهابيّة الدينية وبين السلطة .
ويمثّل هؤلاء الجنود وقود هذه الحرب فأغلب ضحايا المعارك يسقطون من بين هؤلاء المنحدرين من أوساط الكدح ومن مناطق جغرافيّة مهمّشة فيكونون ضحايا صراع رجعي-رجعي لا مصلحة لهم فيه تحرك خيوطه غالبا الامبريالية .
وسيظلّ هؤلاء ضحايا لرحى حروب تصنعها الإمبرياليّات والرجعيات للحفاظ على ديمومتها، ما لم يثر الكادحون على هذه القوى التي تستعملهم كوقود لمصلحتها، و ينخرط الجنود الثوريون في الدفاع عن مصالح الشعب و الوطـن .


طريق الثورة عدد جويلية 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان