الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الزنج في بلاد العم سام

صلاح شهاب
باحث

(Salah Shehab)

2014 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


بصراحة أول ما بدر بذهني عندما لمحت صور متظاهري الولايات المتحدة التي تم نشرها بجميع المواقع الإخبارية للمحتجين على مقتل الشاب ( صاحب البشرة السمراء ) مايكل براون علي يد ضابط الشرطة الأبيض دارين لويس ببلدة فيرجسون بولاية ميزوري الأمريكية – هو ثورة الزنج في العهد الإسلامي , حيث رأيت احتجاجات للشباب ذو البشرة السمراء , شهدت البلدة هرج ومرج وسلب للممتلكات على آثر مقتل مايكل ذو الثمان عشرة ربيع , لدرجة أوصلت جاي نيكسون حاكم ولاية فيرجسون بأن أعلن حالة الطوارئ وحظر التجوال بالمدينة , وبالرغم من أنه ليس هناك أي علاقة بين تلك الأحتجاجات وبين ثورة الزنج التي قامت في العصر العباسي الثاني تقريبا عام 255 ھ , واستمرت حوالي خمس عشرة اعوام , إلا انها جاءت بمخيلتي عندما تصفحت صور الأنتفاضة الأمريكية , لن افند تلك الأحتجاجات على الرغم من أهميتها في الوقت الحاضر وذلك لسببين اولهما انني غير متخصص في الشأن الامريكي , وثانيهما لأن كل المواقع الأخبارية تسابقت لفرد صفحات عنها , وتفنيد اسبابها ودوافعها .

سيقتصر حديثي عن مقتطفات للثورة التي أرقت جميع الباحثين , وذلك لتفردها في أسبابها ولكونها دبت الرعب في الدولة , حتى كادت تطيح بالخليفة العباسي بسامراء , واقاموا مدن خاصة بهم بوسط بلدان الخلافة , هذا ناهيك أنها استمرت لفترة طويلة – قرابة 15 عام – حتى سقطت على يد الموفق طلحة – أخو الخليفة المعتمد – والذي استطاع فتح المختارة عاصمة الحركة .

قاد الثورة تلك شخصية يقال بان اسمها بهبود سمى نفسه علي بن محمد , الغريب أنه ادعى انتسابه إلى علي بن ابي طالب رغم انه فارسي الأصل – تذكر بعض المصادر انه كان شاعر في بلاط سامراء – ليس هذا وحسب وأنما أورد ابن الاثير أنه أدعى النبوة , يهمنا في الإساس ان مجموعة من العرب ألتفت حوله , خاصة بعض انتسابه للبيت العلوي , واسسوا دولة خاصة بهم في مدينة المختارة بجنوب البصرة .

نادوا خلال تلك الإنتفاضة ببعض المطالب التي بمقتضاها استطاعوا التأثير في كثير من الناس بالدولة وخاصة المجموعات التي كان يطلق عليها لفظ الموالي , حيث نادوا بتحرير العبيد من الرق الذي أذل أعناقهم , وبذلك قاموا باستقطاب آلاف من الزنوج العاملين بالدولة في تجفيف المستنقعات ونقل الملح عبر أراضي الدولة , والفلاحين البائسين من الاوضاع المالية المتدهورة .

ساعدت الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والسياسية المتردية التي كانت تمر بها الخلافة في تلك الفترة على انتشار تلك الانتفاضة , حيث ظهرت الحركة في خلافة المتوكل وفي ظل سيطرت القادة الاتراك – التي استعان بهم الخليفة المعتصم بالله في البداية للقضاء على النفوذ الفارسي بالدولة – على أمور الخلافة , حيث اكثروا من الدسائس والتامر والقتل والعزل للخلفاء لتحقيق مكاسب خاصة لهم , لتعزيز قبضتهم على موارد الدولة , وسعوا لإفشال وإضعاف الخلافة .

أقبل الناس وخاصة العبيد على الثورة الجديدة تلمسا لمنتفس يفتح لهم باب من الأمل كانت قد أغلقته الحياة امامهم , وتهافتوا على شعارات ومبادئ الحركة التي نشرها في البداية قادتها , منها الحث على حقوق النساء والعبيد و إلا اننا وجدنا بعد فترة وجيزة إلتفاف على هذه الشعارات والمبادئ – وكأن الامس هو اليوم , فكم من ثورة إلتف حولها الناس حتى اخنقتهم مبادئها المعكوسة – فقد باع الزنج حقوق مؤيديهم لأنفسهم , لدرجة أن بعض المصادر اوردت ذكر إمرأة عربية اشتكت لبهبود سوء معاملة سيدها ( الذي كان عبدا في الماضي ) , ويبدو انه نهرها معللا بأنها تحت أمر سيدها العبد .

قامت معارك دامية بين جيوش الخليفة وبين الزنج لم تنتهي إلا بسقوط عاصمة الحركة على يد ابو احمد الموفق طلحة قائد جيوش الخليفة المعتمد , فحاصر مدينتهم واستغل الجفاف والامراض التي انتشرت نتيجة هذا الحصار بجانب نقص خبرة العبيد في مجال المبارزة وذلك لكونهم في الأصل ليسوا محاربين , واسقط المدينة ليفر الزنج خاصة بعد مقتل كبيرهم بهبود .

بالنهاية لابد أن أنوه ان هذا ليس درس تاريخي فمعلومات المقال كلها منتشرة في مصادر التاريخ الإسلامي وعلى مواقع الانترنت المختلفة , لكني فقط أردت أن ألقي الضوء على حركة دامت على مقربة من دار الخلافة مدة غير يسيرة , ذكرتني بها أحداث الولايات المتحدة , كذلك بقى فقط أن أنوه لنقطتين , النقطة الأولى أننا كثيرا ما ننخدع بالمبادئ الزائفة التي كثيرا ما تتحول لسراب أمام سلطان السلطة وشهوة المال , أما النقطة الثانية هي أنني ذكرت في بداية موضوعي عن أنه ليس هناك علاقة و نقط اقتراب بين الأنتفاضتين إلا انه في الحقيقة هناك نقطة واحدة مهمة هي التي تجعلهم يسيرون على ذات الخط البياني , تتضح في الانتهاك الحاصل لحقوق الأقليات , فامريكا حدث بها انتهاك واضح لفرد ضمن جماعة مهدرة الحرية , ولكنها في الأصل لها حقوق واجبة , وكذلك في الدولة العباسية ظهرت انتهاكات لمجموعات كاملة , هم جزء لا يتجزء من جسم الدولة كان يجب السماح لهم بالتعايش الكامل دون إخلال في حقوقهم الخاصة , مع السماح لهم للمطالبة بحقوقهم بشكل سلمي عن طريق قنوات شرعية , فعدم السماع لمطالبهم يشغل فتيل الأزمة هنا وهناك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية