الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب، الحراك: إخفاق آخر

محمد بوجنال

2014 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



عرف العالم العربي ظاهرة الاستبداد منذ تاريخه الطويل والذي تمأسس منذ مرحلة التحرير من الاستعمار بدء من النصف الثاني من القرن العشرين حيث حل الحاكم العربي من ملوك ورؤساء وأمراء محل الحاكم الاستعماري؛ حكام تميزوا بخطبهم الحماسية وادعائهم حماية والمحافظة واستثمار الثروات الطبيعية والبشرية للوطن؛ إلا أن واقع الحال كان عكس ذلك إذ ما لبثوا أن شرعوا في قمع ومتابعة المناضلين والتلاعب بحقوق الجماهير دفاعا عن كرسي العرش أو الرئاسة أو الإمارة. وللحصول على حسن السيرة لذى المستعمر أدخلوا روتوشات شكلية وذلك بالإصلاح الملغوم تارة، والتعديلات المزيفة تارة أخرى على شكل مؤسسات الدولة لتبقى مؤسسات فارغة المحتوى الوطني، وشاهدة بضخامتها ومظاهرها على أشكال القمع والتسلط. بهكذا معنى تفهم المؤسسات خاصة منها الجيش والأمن والمخابرات التي تقوم بتدبيرها نخبة من الفاسدين والمتسلطين وناهبي المال العام والذين عينوهم ونصبوهم وسموهم وزراء ومسئولون سامون ونواب برلمانيون دون نسيان فساد مؤسستي القضاء والإعلام وتهميش وتجميد مؤسسة التعليم. وقد أسفرت درجة تراكم هذا الفساد والتسلط عن حصول انفجار الشوارع العربية في شكل ما يسمى بالحراك العربي ابتداء من العام 2011 حيث احتلت واعتصمت الجماهير بالميادين الكبرى والشوارع مطالبة بحقها في الحرية والكرامة والعدالة والعيش الكريم؛ إلا أنه حراك، وبفعل عوامل متداخلة، وفي ظرف وجيز، لم يلبث أن تحول من المطالب العادلة إلى فوضى واقتتال وحروب طائفية ومذهبية غذتها ومولتها القوى المعادية للتطور سواء الداخلية منه أو الإقليمية أو الدولية نظرا لخطورة مطالب الحراك على أوضاع ومصالح القوى الاستبدادية والتسلطية تستوي في ذلك العربية والإقليمية والدولية؛ لذلك تحالفت القوى المضادة تلك للعمل على خلق شروط إفشال وإخفاق الحراك وهو إفشال وإخفاق له امتداد في التاريخ وخاصة منذ مرحلة الاستقلال.
فالشعوب العربية تعبت من الاستبداد،استبداد الملوك والرؤساء والأمراء مجسدا في شخصهم ومؤسساتهم الدستورية والتنفيذية والبرلمانية والعسكرية والأمنية والقضائية والتعليمية، ناهيك عن باقي المؤسسات من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني. ومعلوم أن التطور لا يمكن أن يحصل دون تنظيف واستقلال هذه المؤسسات؛ وهذا يقتضي أساسا تكوين الشعوب العربية باعتبارها الركيزة الأساسية لتحرير مختلف تلك المؤسسات. لذا، فاليسار العربي بمختلف أنواعه ومشاربه مطالب بتحضير برنامج دقيق يتضمن أهمية عامل التكوين والوعي ونشر المعرفة إذ التطور لا تقوده لا تقوده سوى القوى البشرية الواعية بمعنى وجودها؛ وبلغة أخرى، فالتطور لا يحصل بالانتظارية والديماغوجية والتقديس وقناعة الكلاب، بقدر ما أنه يحصل بفعل القدرة والإرادة البشرية الواعية والمدركة لمصالحها الشخصية والوطنية والإنسانية مع المراهنة على عامل التراكم علما بأننا سبق أن أبرزنا في مختلف أعمالنا أن ضعف الدول العربية، في مختلف العصور، راجع إلى ضعف المؤسسات الذي هو أساسا ضعف الشعوب وتقديسها شخص الملك أو الرئيس أو الأمير باعتبارهم خلفاء الله في الأرض وبالتالى الحكام/الآباء الحقيقيين لمنع الظلم واالمدافعين الحقيقيين عن العدالة ممثلة في مختلف مؤسساتهم؛ إنها شعوب تتلخص شخصيتها في الإيمان بالأوهام والفكر الخرافي النقيض لمعنى التاريخ والسياسة أو قل الجاهل لقوانين الوجود عامة والمجتمعي أو البشري خاصة إذ بدون هذا التكوين لن يتم تحرير وتنظيف هذه المؤسسات؛ فالمؤسسات العادلة والمبدعة تقتضي حصول الجماهير العادلة والمبدعة ذات القدرة البناءة على مواجهة القضايا والمشاكل وتفكيكها وإيجاد الحلول الناجعة والمسئولة. فبهكذا شعوب ينجح الحراك ويحصل الاستقلال والنمو والتنمية أو قل أنه في غياب ذلك، وهو حال الواقع العربي، لن يحصل سوى الإخفاق تلو الإخفاق.
تباعا لما سبق، تتميز التشكيلة المجتمعية العربية على مستوى التقاليد والقيم والعادات بغياب الوعي بمعنى الوجود واحترام حقوق وكرامة الآخر. لقد كانت هذه الشعوب وما زالت، عبر مراحلها التاريخية، شعوبا حيث تتعايش ديانات ومعتقدات وقبائل وأعراق وأجناس من مسيحيين ويهود وسنة وشيعة وفرس وأمازيغ وأكراد ودروز وغيرهم على الرغم من الصراعات التي كانت تحدث هنا وهناك غير أنها صراعات لم تكن تتجاوز المستوى العادي والقابل للحل. أما اليوم، وبعد إخفاق الحراك العربي، اتخذت هذه المعتقات والطوائف والأجناس دلالة متوحشة أخذت طابع الحروب الطائفية والاقتتال وقطع الرؤوس والإعدامات وطرد المسيحيين والتركيع المتوحش للقبائل والمذاهب المغلوبة وتدمير الآثار وتخريب المدن والدول. وبطبيعة الحال كما يقال في السوسيولوجيا: كل ظاهرة لها أسباب تكون متداخلة أحيانا ومعقدة أحيانا أخرى سبق أن ذكرنا منها عامل التكوين إذ أن للجهل والتجهيل دورا بارزا في حصول أشكال التطرف وهو ما يعني تهميش التعليم في العالم العربي الذي حتى وإن وجد لا يتعدى مستوى التجهيل والتجميد والتزييف والاحتكار؛ فنجاعة السيطرة على الموارد الطبيعية من نفط وفوسفاط وثروات بحرية وأراضي صالحة للزراعة، تقتضي تجهيل المواطن الذي يجب أن لا يتعدى مستوى وجوده الأكل والشراب والنوم والإنتاج الجنسي لتأمين وظيفة الإنتاج. هذا هو الإنسان العربي الذي اعتصم في الساحات الكبرى وصاح في الشوارع رافعا شعار: حرية،عدالة،كرامة اجتماعية دون أن يكون مسلحا وممتلكا لأدوات النضال، فحصل لزوما الفشل والإخفاق؛ بل وحتى المحظوظون بالتوفر على مستوى ما من مستويات التعليم نجده لا يتجاوز مستوى التسطيح وتركيز خرافية المعتقدات والإنتظارية والتقديس والشعور بالدونية وتشجيع التكسب لذى المؤسسات والمنابر السخية وهو ما يبرر مشروعية طرح السؤال عن معنى الشهادات في عالمنا العربي. هذا ولا تفوتنا ضرورة الإشارة إلى تدعيم التسطيح ذاك، باعتباره أحد عوامل إخفاق الحراك، بالتوظيف الديماغوجي لثلة من الفضائيات التي ركزت وتركز برامجها على طاعة أولي الأمر ونبذ الحياة المادية لصالح التفكير والاستعداد ليوم الآخرة حيث التمتع بالقصور والأنهار والحوريات أو قل أنها فضائيات سهرت وتسهر، وقامت وتقوم بسجن الشعوب العربية في عالم الميتافيزيقا بما فيها من قيم الخنوع والقناعة والخرافات وعداء المعرفة ونفي الواقع؛ ناهيك عن الأدوار التخريبية التي تقوم بنشرها وعرضها مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل الانترنيت وغيره، مواقع تقوم بنشر وتغذية العداء بين المذاهب والطوائف مكفرة من تريد ومؤسلمة من تريد معتمدة مرجعية الفتوى والتكفير. كمثال من بين العديد من الأمثلة على إخفاق الحراك العربي وظهور نقيضه،الإنذار الذي رفعته جماعة داعش في وجه مسيحيي العراق حيث عرضت عليهم إما دخول الإسلام أو دفع الجزية إن أرادوا البقاء أو الرحيل تفاديا للفناء. هده العوامل والقوى التي ركزت على عرقلة وإخفاق الحراك تميزت بالعداء والكراهية تجاه الآخر والاقتتال المتوحش ونشر المعلومة الظلامية؛ إنه الوضع الذي دفع البعض إلى الدعوة لفكرة الانفصال عن الدولة القومية المنهارة كحل لحماية الجماعة؛ والأمثلة على الانفصالات تلك بدأت تجد التأسيس لها على أرض الواقع حيث انفصل جنوب السودان عن شماله في انتظار انفصالات أخرى في شكل دويلات، أو اعتماد التسليح الذاتي والنزوع للتمتع بنوع من الحكم الذاتي كما هو حاصل لذى أكراد العراق وقبائل يمنية وأخرى ليبية علما بأنه نزوع ترفضه قوى أخرى لما له من سلبيات وتفكيك للدولة القومية. وعموما، فواقع الحال، بعد الحراك، يثبت حصول التشتت والتفكك والتقاتل بين مكونات مجمل المجتمعات العربية.
إن هذا التكفير والتقاتل والفتوى وكراهية الآخر وإحلال دمه هو تكفير يتلخص في اعتبار أن باقي المذاهب والجماعات والتيارات العلمانية لا يعدو كونهم مذاهب وجماعات وتيارات كافرة يجوز شرعا الجهاد فيهم ما دامت تصوراتهم ومبادئهم تتناقض وتصورات ومبادئ الإسلام كما يفهمونه. هذا الوضع الهش والمتفكك والمميز بالعداء والاقتتال زكى وقوى ما يسمى بالإسلام السياسي الذي يطمح، معتمدا مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة، إلى الاستحواذ على السلطة للتمكن من فرض برنامجه الرجعي والتبعي وبالتالي تصريف الأهداف المسطرة به من اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية باسم الإسلام. لذلك، رفع ويرفع أنصاره شعار: "الإسلام هو الحل" متلاعبين في ذلك بمشاعر وعواطف الشعوب العربية المؤمنة بشكل عفوي وملفق بقضايا الدين والتي عانت منذ قرون من الاستبداد والتسلط والظلم والفقر؛ شعوب قدموا لها الإسلام السياسي، خاصة بعد سرقتهم الحراك وتفريغه من مضمونه، باعتباره المرجع الرباني والصافي للخروج من عصر الظلمات وطغيان الأنظمة الغربية الكافرة والملحدة من علمانية وداعية للديموقراطية وحقوق الإنسان والتي أدى تبنيها وتطبيقها في عالمنا الإسلامي، في نظرهم، إلى الجاهلية والظلمات والتخلف. لذا، حان الوقت، في نظر الإسلام السياسي ذاك، إلى استدعاء واعتماد المرجعية الإسلامية الكفيلة وحدها بالتغلب على عصر الجاهلية اعتمادا على فقهاء ورجال الدين باعتبارهم القوى التي لها القدرة على فهم وإدراك مقاصد ومضامين الدين دون غيرهم. إنه موقف وقول يتناقض ومكونات الواقع العربي أو قل تشويهه ونفيه؛ فتاريخيا، لم يتمكن الغرب من التقدم على مختلف المستويات صناعيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعلميا وثقافيا إلا بعد فصل الدين عن الدولة وانتصار العقلانية كفلسفة ونظام مجتمعي؛ في الوقت الذي وجدنا ونجد أن الإسلام السياسي لم يتمكن من التأسيس سوى لعمليات الاقتتال والحروب والخراب الذي قاده ويقوده في الدول التي تمكن، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا دون نسيان فرنسا، من السيطرة عليها كأفغانستان والصومال وكذا السيطرة على العديد من الجيوب بمناطق عدة أو التي تخوض بها اليوم، بعد عرقلة واحتواء الحراك، صراعات متوحشة كما هو الحال في العراق واليمن وليبيا وسوريا.

لاشك أن الخروج من مرحلة ما بعد إخفاق الحراك العربي يقتضي العمل على ترسيخ قيم الحداثة والعقلانية التي لا يمكن أن تحصل وتتحقق إلا بالتأسيس لتكوين الشعوب العربية أو قل ثورة ثقافية تمكن الشعوب العربية من اكتشاف ومعرفة الذات حيث تنتهي الوصايات والوساطات والأبويات واحتكار المعلومة؛ فالشروع في إنجاز البرنامج ذاك يقتضي الطاقة والإرادة البشرية المتحررة التي هي جزء لا يتجزأ من الصراع كعملية بمعنى أن نجاح أي حراك أو ثورة عربية مستقبلا يقتضي أولا ضرورة تفعيل التعليم في اتجاه بناء وتحرير الشعوب العربية وكذا دعمه الضروري والمسئول من لدن هيئات المجتمع المدني ؛ فذاك أحد أهم عوامل وشروط تخلص الشعوب العربية من أشكال الاستبداد وبالتالي التملك الفعلي والواعي لآليات ودلالة التحرير.إنها مرحلة لها من الصعوبة ما يفرض على أحزاب اليسار والنقابات العمالية والمجتمع المدني تشكيل كتلة تحكمها جدلية مكونات المجتمع العربي أو قل ضرورة تجاوز مرحلة التقوقع والانغلاق والمواقف الخشبية انسجاما مع جدلية قوانين التاريخ لا التعالي عليها ونفيها؛ إنه النهج الذي ، لبناء مجتمع ثوري، يقتضي الإشراك المجتمعي اقتراحا ومناقشة وصياغة؛ وفي كل هذا "تكون" المسئولية والتخلص من البرامج والقرارات الاستبدادية والنخبوية أو قل أنه النهج الذي يخلص الشعوب العربية من الخضوع والتسليع والتزييف لتصبح المسئول الفعلي عن بناء البرامج ومناقشتها وصياغتها وتنفيذها والعمل على متابعة إنجازها بالتقويم والنقد والمحاسبة المسئولة. بهكذا نهج يتقوى" وعي" و"وجود" العرب الذي يلزم عنه اختفاء الأيديولوجيات الرجعية، فيحصل حتما تحصين الحراك أو الثورة العربية من مجمل أشكال الإخفاقات. أما غير ذلك، فستبقى الشعوب العربية تتمرمد من استبداد إلى آخر، والحراك تنفيسا عابرا للمكبوتات، والثورة تنتظر الانتقال من اللاموجود إلى الموجود.
مقهى الرحاب ---

-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين