الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل الخاتمية -

محمد سيد رصاص

2005 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


اختلفت سيناريوهات التجارب الإصلاحية الأساسية في العقدين الماضيين , إلا أنها كلها قد انطلقت من الفئة الحاكمة , وهو ما رأيناه في الصين والاتحاد السوفياتي وجنوب افريقيا والجزائر وإيران , حيث كان الفرق في هذه التجارب متحٍّّدداً في آلية انطلاق الإصلاح , إما عبر جناح في الحزب الحاكم ( زهاو زيانغ , أمين عام الحزب الشيوعي الصيني بين عامي 1987 – 1989 , ميخائيل غورباتشوف , زعيم الحزب السوفياتي1985 – 1991 , اللذان عبرا عن جناحين إصلاحيين في الحزب الحاكم ) , أو رئيسٍ للجمهورية انتهج الإصلاح بعد وصول نظامه إلى مأزق دولي – إقليمي – داخلي ( دي كليرك في جنوب إفريقيا ) , أو بعد اصطدامه بالداخل عبر اضطرا بات في الشارع هزّت البلاد ( الشاذلي بن جديد بعد مظاهرات ت1 1988 بالجزائر ) , فيما رأينا تجربة خاتمي تنطلق بعد فوزه في انتخابات الرئاسة الإيرانية في أيار من عام 1997 وهو الذي كان وزيراً وجزءاً من التركيبة الحاكمة .
لم تنجح سوى تجربة دي كليرك التي توجِّت باستلام مانديلا السلطة عبر انتخابات 1994 , فيما فشلت تجربة الصين بعد سحق دبابات الجناح المحافظ لحركة الطلاب ( 4حزيران 89 ) وما استتبعها في الشهر نفسه من إقالة الأمين العام للحزب , بينما أدى انقلاب المحافظين الشيوعيين ( 19 آب 91 ) إلى فقدان الإصلاحيين الشيوعيين بزعامة غورباتشوف لدفةالقيادة لصالح الراديكاليين الليبراليين بزعامة يلتسين الذين تولوا السلطة بعد فشل ذلك الانقلاب , فيما قام الجيش الجزائري بانقلاب (11كانون الثاني1992) ليمنع تسلم ( جبهة الإنقاذ ) السلطة عبر الانتخابات التي فازت في دورتها الأولى .
كان انطلاق تجربة خاتمي الإصلاحية مبنياً على قاعدة اجتماعية عريضة , تجاوزت ثلثي ناخبي انتخابات 1997 , وقد عبرت تلك القاعدة عن ضيقها وتذمرها من فئة رجال الدين المحافظين الحاكمين منذ عام 1979 وسياساتهم الاقتصادية ( التي ترافقت مع انحسار أسعار النفط بالتسعينيات ) والاجتماعية التي قمعت الشباب والنساء , وعن رفضها لسياساتهم الإقليمية والدولية التي أدت إلى عزلة إيران , الشيء الذي تجسد في عدم قدرة الحاكمين الإيرانيين على استثمار عزلة صدام حسين بعد حرب 1991 ليوُضعوا معه في سلة ( الاحتواء المزدوج ) التي انتهجتها إدارة كلينتون منذ عام 1993 , فيما فشلت سياسة طهران الأفغانية فشلاً ذريعاً عبر صعود الطالبان للسلطة في خريف 1996 , لينضاف ذلك إلى فشل السياسة الإيرانية في استقطاب التأييد والنفوذ داخل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة سواء تلك التي تحوي مكونات قومية تمّت بصلة إلى أحد الشعوب الإيرانية , مثل أذربيجان التي ناصبت العداء لطهران مما اضطر الأخيرة للتحالف مع أرمينيا في نزاع ناغورني كاراباخ ,أوتلك التي لها طابع ثقافي فارسي مثل طاجيكستان التي عاشت بالتسعينيات حرباً أهلية بين الشيوعيين السابقين الموالين لموسكو وبين الاسلاميين .فيما يجب الإشارة أيضاً إلى أن ذلك كان متزامناً أيضاً مع الانقلاب الخفي الذي قام به الجيش التركي على أربكان في 28 شباط 1997 , وما أدى إليه ذلك من استقالته من رئاسة الوزارة في أنقرة بشهر حزيران اللاحق , بعد أن علّقت طهران آمالاً كبيرة على وصوله للسلطة في صيف 1996 .
لم يستطع خاتمي وضع المحافظين الإيرانيين في الزاوية الضيقة رغم كل الظروف الداخلية – الدولية المشار إليها آنفاً , ولا استثمار فوزه الانتخابي الضخم , بخلاف السياسة الهجومية التي اتبعها كل من زهاو زيانغ وغورباتشوف ضد الجناح الآخر المحافظ في بكين وموسكو ,حيث انتهج أسلوباً مهادناًً ومسايراً للقوى المحافظة القائمة ( تنظيمات رجال الدين المحافظين – الحرس الثوري – البازار .... إلخ ) , ولم يحاول السيطرة أو انتزاع مراكز القرار , التي من الواضح أنها انتقلت في عهده إلى مراكز أخرى , بعد أن كانت رئاسة الجمهورية في عهد رفسنجاني ( 1989 – 1997 ) , إثر وفاة الخميني وإبعاد منتظري لصالح خامنئي وهو ما لعب فيه رفسنجاني دوراً رئيسياً , هي المركز الرئيسي للقرار , لينتقل ذلك بعد انتخاب خاتمي إلى ( هيئة تشخيص مصلحة النظام ) التي استحدثت على قياس رفسنجاني , وإلى ( مجلس صيانة الدستور ) , و إلى ( المرشد ) خامنئي الذي أمسك بالجيش والحرس ووزارة الاستخبارات ووسائل الإعلام .
لم يستطع خاتمي أن يفعل شيئاً أمام ذلك , سوى أن يأخذ وضعية ( أيوب ) , فيما لم يقتصر خصومه المحافظين على الإمساك بمراكز القرار الرئيسية , وإنما بدأوا بالانتقال إلى وضعية هجومية ( لم يستطع خاتمي أمامها حراكاً , مقتصراً على الوضعية السلبية ) وهو ما ظهر في قمع حركة الطلاب في شهر تموز 1999 وفي إغلاق الصحف الإصلاحية وفي سجن الصحافيين و السياسيين الإصلاحيين ، وهو ما استمر كنهج عند خاتمي الذي لم نره يضع ذلك وراءه رغم الدعم المتجدد من الشارع الذي أتى للإصلاحيين في الانتخابات التشريعية في شباط 2000 , ورغم تلك الثقة المتجددة به كرئيس للجمهورية في انتخابات حزيران 2001 .
كان المحافظون الإيرانيون أكثر براغماتية من خاتمي الإصلاحي : فقد استفادوا من تخلي الإدارة الأمريكية ، منذ صيف 1999 ، عن سياسة ( الاحتواء المزدوج ) لصالح ( احتواء منفرد ) لبغداد، وهو ما أدى إلى تقاربات و« تنسيقات » تجاه الوضع العراقي ، وكذلك حيال أفغانستان بعد انتهاء غض النظر الأمريكي ( إرضاءً لباكستان ، وأيضاً لتركمنستان وشركة يونوكال الأمريكية المتعهدة لمد أنبوب للغاز بين تركمنستان و باكستان عبر أفغانستان ) عن حكم طالبان بعد تفجيرات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام (آب 98) من قبل ابن لادن المقيم عند طالبان , وهو ما انعكس فكّاً للعزلة الدولية عن إيران , ليستثمره المحافظون الإيرانيون , القابضون على مقود السياسة الخارجية , مع الجماعة الأوروبية ومع دول الخليج , ثمّ ليأخذوا جائزتهم الكبرى عبر قيام الإدارة الأميركية بالإطاحة بخصمين لدودين لطهران في كابول وبغداد , على إثر تداعيات ( 11 أيلول ) .
تزامن ذلك مع فورة أسعار النفط , وبداية تحسن الوضع الاقتصادي الإيراني : كان ترافق هذا , مع النجاحات الإيرانية في السياسة الخارجية , مؤدياً إلى ترجمات سياسية داخلية , انعكست لصالح المحافظين الإيرانيين , كما في الانتخابات البلدية في خريف عام 2003 , ثم في انتخابات برلمان 2004 , وإلى اكتمال عزلة خاتمي , الذي تحول منذ ذلك الوقت إلى رئيس بدون أي صلاحيات فعلية .
كان فوز الشخصية السياسية المحافظة ( محمود أحمدي نجاد ) في انتخابات الرئاسة الايرانية ( 24 حزيران 2005 ) اعلاناً متأخراً عن فشل الخاتمية , وعن انتصار المحافظين الايرانيين : الملفت للنظر أن يحصل ذلك عبر صندوق الاقتراع , فيما حصل ذلك في بكين عبر الدبابة , وكذلك في الجزائر عندما قامت ( قوى الأمر الواقع ) , داخل النظام , بالانقلاب العسكري .
في هذا الإطار , يلاحظ أن انفتاح بكين على العالم الخارجي وفك عزلتها عبر استغلالها لمواقفها المهادنة لواشنطن في أزمتي الكويت وكوسوفو ، و نجاحات الفئة الحاكمة الصينية في الاقتصاد – قد أديا إلى تعزيز القاعدة الاجتماعية لحكام بكين ، وإلى انحسار المعارضة ، وهو ما نرى شيئاً شبيهاً له في الجزائر ، إثر حسم واشنطن لموقفها ضد الإسلاميين في الجزائر بعد عام 1995 ، وبعد انتعاش الاقتصاد الجزائري بعد فورة أسعار النفط الأخيرة .
السؤال ليس : هل سيقوم ( المرشد خامنئي ) و( الرئيس نجاد ) ، بما قام به ( دينغ سياو بينغ ) و( جيانغ زي مين ) ، و ( بوتفليقة ) ؟.... بل : هل سينجحا في ذلك ، عبر ملاقاة واشنطن لهما ، كما فعلت في بكين و الجزائر ؟........









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دخان كثيف بعد غارة جوية إسرائيلية شرق مدينة غزة


.. اللواء فايز الدويري: مرحلة -ج- تعني مرحلة المداهمات والمقاوم




.. بزشكيان لحسن نصر الله: إيران كانت داعمة للمقاومة ضد الكيان ا


.. -ناسا- تعلن انتهاء أول تجربة طويلة لمحاكاة الحياة على كوكب ا




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | احتفالية تتسبب بأزمة دبلوماسية ومقابل