الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا تهز العصا لليابان ايضا

جورج حداد

2014 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


مرت 69 سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك لم يتم حتى الان توقيع معاهدة الصلح بين الاتحاد السوفياتي السابق ووريثته الشرعية روسيا الاتحادية وبين الامبراطورية اليابانية. وقد فشلت حتى الان كل المفاوضات التي جرت لهذه الغاية. وهناك سببان رئيسيان لهذا الفشل:
الاول ـ سبب جيوستراتيجي دولي: وهو ان الولايات المتحدة الاميركية تخشى تماما حدوث تقارب بين روسيا واليابان، لما قد يؤدي اليه ذلك من تعاون علمي وتكنولوجي وتجاري ومالي واقتصادي، وما قد ينتج عنه من "تفهم متبادل" سياسيا بين روسيا واليابان، وابتعاد اليابان عن النفوذ الاميركي والالتحاق بالسياسة الاميركية ـ الغربية، ومن ثم التقارب مع البلدان الشرقية الكبرى وخصوصا روسيا والصين، مما يساهم في قلب المعادلات الستراتيجية الدولية برمتها. ويمكن القول انه يأتي في رأس اولويات "السياسة الشرقية" لاميركا: منع التقارب الياباني مع روسيا والصين، وابقاء اليابان تحت النفوذ الغربي. علما ان بقاء اليابان ضمن شرنقة النفوذ الاميركي ـ الغربي سيحولها في غضون عقود معدودة الى دولة ـ قزم، بكل المقاييس، في مواجهة العملاقين الشرقيين: روسيا والصين.
والسبب الثاني ـ اقليمي: وهو الخلاف القديم بين روسيا واليابان حول هوية او ملكية سلسلة جزر الكوريل، التي تتكون من اربع جزر كبيرة وعشرات من الجزر الصغيرة، وتمتد بين شاطئ شبه جزيرة كامتشاكا الروسية في الشمال والشاطئ الياباني في الجنوب، وتفصل بين المحيط الهادي وبين بحر اوخوتسك الروسي الذي تقع فيه جزيرة ساخالين الروسية. وتمتلك الجزر اهمية كبرى لما فيها من ثروات معدنية بكر ومكامن نفط وغاز وثروات سمكية وبحرية غنية جدا. وتمتلك الجزر اهمية ستراتيجية كبرى لروسيا وتعتبر احدى الدعائم الرئيسية للامن القومي الروسي، لانها تحتوي على اضخم قواعد الغواصات والاسطول الحربي الروسي الذي يدخل ضمن مهماته حماية الحدود البحرية والبرية والجوية للشرق الاقصى الروسي، والعمل في المحيط الهادي وبحر بيرينغ ومضيقه الذي يصل بين المحيط الهادي والمحيط المتجمد الشمالي، ويفصل بين الشرق الاقصى الروسي وولاية الاسكا الاميركية التي تعتبر اكبر قاعدة طيران حربي وصواريخ نووية اميركية موجهة ضد روسيا.
روسنة الجزر
في العصور القديمة كانت جزر الكوريل غير مأهولة بسبب كونها منطقة بركانية وتكثر فيها الزلازل والاعاصير والتسوناميات. وفي القرون الوسطى بدأ الروس يرتادون هذه الجزر ويغامرون بالاستيطان فيها واعمارها، بدافع الصيد والاستفادة من الثروات البحرية. والخرائط الجغرافية القديمة كلها، الروسية والاوروبية الغربية، تشير الى ان هذه الجزر هي روسية.
المطامع التوسعية اليابانية ودور الدول الاستعمارية الغربية
وحينما بدأت اليابان تتحول الى دولة استعمارية وتطمح الى التوسع على حساب جيرانها، وصلت اول بعثة استكشافية يابانية الى احدى الجزر في سنة 1786 فوجد اليابانيون ان السكان المقيمين هناك يتكلمون اللغة الروسية. وفي سنة 1798 بدأ اليابانيون الذين يزورون الجزر يزيلون منها الشواخص الروسية. ومنذ ذلك الحين بدأت الحكومة اليابانية تدعي ان الجزر هي ملك لليابان، وحتى تدعي ان جزيرة سخالين ذاتها هي ملك لليابان. وكانت اليابان تحصل على دعم الدول الغربية، التي تطمح الى اضعاف روسيا. وبعد هزيمة روسيا في حرب القرم في 1853 ـ 1856 التي تحالفت فيها بريطانيا وفرنسا وسردينيا (ايطاليا) مع الامبراطورية العثمانية، وقاتل هذا الحلف الدولي معا ضد روسيا، اجبرت روسيا على التوقيع على اتفاقية تتنازل بموجبها عن جزر الكوريل لصالح اليابان. مع انه لم يكن لليابان علاقة مباشرة بتلك الحرب، الا ان الدول الاستعمارية الغربية وظلها او ذنبها العثماني كانت تعمل اي شيء لاضعاف روسيا وسحقها بهدف استعمارها والاستيلاء على ثرواتها اللامتناهية.
ولكن طوال الوقت كانت اليابان تخشى من ان تستعيد روسيا الجزر المنتزعة منها. وفي سنة 1904 ـ 1905 اندلعت الحرب اليابانية ـ الروسية، بعد ان هاجمت اليابان الاسطول الروسي بدون اعلان حرب، وتم اغراق الاسطول بالكامل في تلك المنطقة. وكانت هزيمة روسيا في هذه الحرب احد اهم اسباب اندلاع الثورة الروسية سنة 1905، التي مهدت للثورة الاشتراكية الروسية سنة 1917.
روسيا تستعيد جزر الكوريل
وخلال الحرب العالمية الثانية، تحمل الاتحاد السوفياتي العبء الاكبر في الحرب ضد المانيا النازية، الى ان اقتحم الجيش الاحمر برلين وانتحر هتلر واستسلمت المانيا في 8 ايار 1945. ولكن الجيش الياباني الذي كان يواجه قوات التحالف الغربي في الشرق، كان لا يزال تعداده بالملايين، مما جعل قوات التحالف الغربي تتجنب مهاجمته بعد ان رفضت الحكومة اليابانية عرض الاستسلام بدون شروط، فوقع عبء الحرب مرة اخرى على الجيش الاحمر السوفياتي الذي بدأ هجومه الستراتيجي الواسع ضد الجيش الياباني في اب 1945. واستعاد الجيش الاحمر الجزر التي سبق لروسيا ان تخلت عنها بالقوة. وفي مؤتمر بوتسدام قرب برلين، الذي عقده المنتصرون بعد استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية في اب 1945، أقر المؤتمر شرعية اعادة جزر الكوريل الى روسيا.
خروشوف "يهدي" الاراضي الروسية
وبعد مقتل ستالين وتسلم نيكيتا خروشوف مركز الامانة العامة للحزب الشيوعي السوفياتي، أقدم الاخير على ارتكاب جريمتين قوميتين بحق الشعب الروسي العظيم:
الاولى ـ انه قام بتقديم شبه جزيرة القرم الروسية كـ"هدية" الى اوكرانيا، بهدف استمالة الجماعات الفاشستية والعنصرية الاوكرانية، التي قاتلت مع هتلر، والتي تعادي روسيا عداء اعمى وتوالي الغرب. وقد تم تصحيح هذا الخطأ في مطلع العام الحالي 2014، باعادة شبه جزيرة القرم الى الوطن الام روسيا. واضطر العالم الغربي كله ان "يبلع لسانه" حول اعادة القرم الى روسيا، الا انه تم دفع الفاشست الاوكرانيين للانتقام من ملايين السكان الروس داخل اوكرانيا بالذات.
خروشوف ويلتسين ارادا التنازل عن جزيرتين لليابان
والجريمة الثانية ـ هي انه في سنة 1956 تم اصدار بيان مشترك سوفياتي ـ ياباني، اعلن فيه عن نية القيادة السوفياتية حينذاك على التنازل عن جزيرتين من جزر الكوريل الاربع الكبيرة واعطائهما "هدية" لليابان مقابل توقيع معاهدة الصلح بين البلدين. وكان هذا البيان يمثل رغبة خروشوف وعصابته النيوستالينية في "التفاهم" مع الدول الاستعمارية الغربية، على حساب الشعب الروسي خاصة والشعوب السوفياتية عامة. ولكن في تلك الاثناء كانت اميركا قد تلقت اول صفعة لهيبتها بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بفشلها في كسر شوكة جمهورية كوريا الدمقراطية (كوريا الشمالية) واحتلالها في الحرب الكورية سنة 1950 ـ 1952. وهذا ما دفع اميركا للسماح باعادة تسليح اليابان واطلاق العنان للعسكرية اليابانية، لمواجهة كوريا الشمالية والصين وروسيا. وفي هذه الظروف الجديدة، كشرت العسكرية اليابانية عن انيابها، ورفضت اليابان توقيع معاهدة الصلح مع الاتحاد السوفياتي (روسيا) مقابل الجزيرتين المقترحتين، وطالبت بتنازل الاتحاد السوفياتي عن كامل سلسلة جزر الكوريل وحتى عن جزيرة ساخالين. وهذا ما لم يكن بامكان اي قيادة سوفياتية القبول به، خوفا من غضب الجيش والشعب الروسيين. وهكذا فشل بيان 1956 "بفضل" المطامع التوسعية لليابان التي لم ترض بالجزيرتين فقط. وفي اواخر عهد بوريس يلتسين اي في السنوات 1996 ـ 1998 طرحت مجددا مسألة العودة الى بيان 1956 والتنازل عن جزيرتين من جزر الكوريل الكبيرة الاربع الى اليابان، ولكن بوريس يلتسين اضطر لـ"التنازل" عن السلطة الى فلاديمير بوتين، قبل ان يتاح له الوقت الكافي لتقديم هذه "الهدية" لاصدقائه الغربيين.
روسيا لن تتنازل بعد الان
والان يقول الخبراء الروس ان بيان 1956 باقتراح التنازل عن جزيرتين من جزر الكوريل، مثل التنازل عن شبه جزيرة القرم، هو "خطأ تاريخي"، لا يأخذ بالاعتبار المصالح القومية والامن القومي للشعب الروسي، وان روسيا لا ينبغي ان تتنازل عن مصالحها القومية مهما كانت الظروف، وانه لا يوجد قوة في العالم يمكن ان تجبر روسيا على التنازل.
اليابان ستدفع ثمن المشاركة في العقوبات ضد روسيا
ومؤخرا اثبتت اليابان مجددا نواياها العدوانية تجاه روسيا بأن "تطوعت" للانضمام الى زمرة الدول الموالية لاميركا التي قامت بفرض العقوبات على روسيا ربطا بالازمة الاوكرانية. ولم تتأخر روسيا في "رد التحية" لليابان بأحسن منها، على قاعدة "نصادق من يصادقنا، ونرد الصاع صاعين لمن يعادينا".
ففي النصف الاول من شهر اب الجاري وجهت روسيا "تحية خاصة" لليابان، اذ باشرت في القيام بمناورات عسكرية واسعة في سلسلة جزر الكوريل. وشارك في المناورات الاسطول الحربي الروسي للمحيط الهادي وقوات انزال جوية والطيران الحربي. وقال المراقبون ان هذه هي اكبر مناورات تقوم بها روسيا في المنطقة منذ سنة 1984.
ويقول إيغور كوروتشينكو، رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني" وعضو المجلس العام التابع لوزارة الدفاع الروسية، انه لا يذكر انه سبق ان جرت مثل هذه المناورات الواسعة ومتعددة الجوانب في جزر الكوريل. وحسب رأيه ان موسكو تتصرف بشكل جيد ردا على مشاركة اليابان في العقوبات الغربية ضد روسيا، وان قوات الانزال الروسية تتدرب على الرد على عدوان مفترض لليابان على الجزر.
وقد صرح رئيس الوزراء الياباني شيندزو آبي ان هذه المناورات، وخصوصا بهذا الحجم، هي "غير مقبولة". واعلنت طوكيو انها ستحتج رسميا لدى موسكو على المناورات.
هذا وقد اعتبر الخبراء العسكريون ان هذه المناورات هي استكمال للمناورات الكبرى التي جرت في جزيرة ساخالين في شهر حزيران الماضي وحضرها الرئيس بوتين شخصيا ووزير الدفاع سيرغيي شويغو، وشارك فيها 160 الف عسكري، وحوالى 1000 دبابة ومصفحة، و130 طائرة وهليكوبتر حربية، و70 سفينة حربية. واستمرت تلك المناورات اسبوعا كاملا وانتهت في 20 حزيران.

ويقول المراقبون المحايدون ان المناورات الاخيرة في سخالين ثم في جزر الكوريل تتضمن رسالة قوية الى الصين، بأن روسيا تقف الى جانبها عمليا، وليس بالتصريحات فقط، في مسألة الخلاف بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية حول الجرف القاري والمياه الاقليمية المحيطة بجزر الكوريل.
ويتساءل هؤلاء المراقبين عن مدى تأثير كل ذلك على العلاقات اليابانية ـ الروسية فيما يتعلق بالطاقة، ذلك ان روسيا تخطط كي تضاعف تصدير الغاز والنفط الى اسيا في العشرين سنة القادمة، في حين انه بعد كارثة مفاعل فوكوشيما وتوقيف قطاع الطاقة النووية في اليابان فإن طوكيو هي مضطرة للتفتيش عن مصادر لاستيراد الطاقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



رئيس الوزراء الياباني زعلان




بوتين والى جانبه شويغو يحضران مناورات سخالين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة


.. وفاة المستشارة الخاصة بالرئاسة السورية لونا الشبل تثير جدلا




.. وزير الخارجية المصري: يجب العمل على الوقف الفوري والمستدام ل


.. مشاهد لآليات مدمرة للاحتلال الإسرائيلي في رفح




.. لم تحصل على أي مؤهل علمي.. تعرف إلى نائبة رئيس وزراء بريطاني