الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة

طوني سماحة

2014 / 8 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


هوذا الصيف قد أوشك على الرحيل، ومع رحيل الصيف يعود هاجس الدراسة ليغزو عقول الاطفال. رحيل الصيف للكثير من الاطفال يعني وداع البحر وزرقته والجبل وخضرته. رحيل الصيف يعني نهاية المغامرات و السهر و اللعب. رحيل الصيف يعني بناء إسمنتيا، يخفي خلف جدرانه صورة مدرّس(ة) متجهم الوجه، يرتدي نظارات سميكة العدسات، يجلس أمام لوح أسود و خلف مكتب باهت، و يحمل في يد عصا وفي الاخرى كتابا. لكن و على الرغم من حزنهم لرحيل الصيف، يعود الاطفال الى مقاعد الدراسة وفي جعبتهم الكثير الكثير من الذكريات الحلوة، ولديهم شوق غامر للقاء أصدقاء منعهم فصل الصيف من رؤيتهم. وككل سنة تدور عجلة السنة الدراسية و يتكيف الأطفال، معظم الاطفال، مع واقعهم الجديد ما عدا يونس البلجيكي الذي لن يعود هذه السنة الى مدرسته ولن يجلس على مقاعدها.

يونس طفل بلجيكي في الثالثة عشرة من عمره. هاجر والده منذ أربعين عاما من المغرب الى بلجيكا بحثا عن حياة افضل. وبدل ان يصبح هذا الرجل اكثر انفتاحا في بلجيكا، تقوقع في ثقافة التخلف والجهل و التعصب الديني الذي أورثه لاولاده. ساهمت التربية الهمجية المتخلفة المتطرفة في صقل شخصية يونس و أخيه مما دفعهما للسفر الى سوريا. وهناك حمل يونس البندقية ليصبح أصغر طفل داعشي أجنبي. مع رحيل الصيف و بداية العام الدراسي الجديد، لن يلتقي يونس رفاقه البلجيكيين، لن يحمل الكتاب أو القلم، لن يدرس قواعد اللغة وآدابها، لن يحفظ جدول الجمع والطرح و الضرب، لن يغوص في أعماق التاريخ كما انه لن يسافر على تضاريس الجغرافيا بمرتفعاتها و منخفضاتها. لن يقوم بتجارب الكيمياء ولن يهتم بحل أحجيات علم الفيزياء و اسراره.

عندما غادر يونس بلجيكا، مات الطفل فيه وولد من أشلائه مسخ. مسخ يتعلم في سوريا كيف يصبح كارها للآخر وقاتلا له. مسخ يحتقر المرأة ويرى فيها إناء لا تصلح إلا لإشباع غريزته الجنسية. سوف يتعلم يونس كيف تُسبى النساء و سوف يُزرع في رأسه أن كل سافرة عاهرة. سوف يُعطى مجاهدة أو أكثر لتلبية رغباته الجنسية على الأرض وعددا لا يحصى من الحوريات في الجنة. سوف يتعلم قطع الرؤوس وتهجير الناس من منازلهم. سوف يتعلم أن كل من خالفه الرأي كافر وأن القتل أفضل علاج للكافر. سوف يتعلم رجم الزانية و قطع يد السارق.

في سوريا سوف يخلو قاموس يونس من مفردات مثل الحرية والتسامح و الرحمة. الحروف والكلمات والجمل والأسطر في كتاب يونس لن تُكتب بالحبر بل بدماء ضحاياه. لن يتعلم يونس فنون الرسم. لن يخطر على باله رسم بحر أو شجرة أو جبل أو طفل، بل جل ما يستطيع رسمه هو رأس رجل مقطوع تسيل منه الدماء. لن يتقن يونس فنون الموسيقى لأن أذنه لم تتدرب إلا على صوت السكين يحز في رقاب ضحاياه. والحوار الوحيد الذي سوف يتقنه يونس سوف يكون حوار البندقية والرصاص. في سوريا سوف ينسى يونس لغة فولتير وفكتور هوغو وراسين (من أشهر الكتاب الفرنسيين) ليتقن لغة الدماء. سوف ينسى يونس مبادئ كرة القدم التي تعلمها على ملاعب بلجيكا، أو ربما لا، بل هو سوف يمارسها برؤوس ضحاياه.
ولد يونس طفلا شأنه شأن كل أطفال الأرض. في طفولته ضحك مثل كل الأطفال و ودبدب مثلهم وبكى مثلهم. لا شك انه في طفولته لعب مع أطفال بلجيكيين يختلفون عنه في اللون و الدين والعرق ولم ير في ذلك ضيما له. لكن يونس نما و انحرف. انحراف يونس ليس وليد الصدفة و لا هو تصرف آنيّ، بل هو نتيجة تربية منزلية ملأت رأسه الصغير بكراهية الآخر و تربية دينية علمته تكفير الآخر وتربية اجتماعية أقنعته أنه أفضل من الآخر.

ترى كيف تتصرف بلجيكا حيال ملف يونس؟ هل تنتظر ان يعود اليها حيا فتلقي القبض عليه أم أنها لن تستطيع القبض عليه إذ قد يعود إليها جثة هامدة أو لا يعود؟ ليس المهم عودة يونس بقدر ما يهم معالجة الاسباب التي أدت الى موت يونس الطفل وولادة يونس المسخ. قبل ان تلقي بلجيكا القبض على يونس عليها أن تتعامل مع فكر تكفيري يعشش في منازل الكثيرين من المهاجرين اليها و دعاة تكفيريين استفادوا من الحرية المعطاة لهم ليبثوا سم حقدهم و كراهيتهم للآخر.

اليوم يعود الكثير من الاطفال الى مقاعد الدراسة ليتعلموا ثقافة الحياة، فيما يتجه يونس البلجيكي الى سوريا لينشر ثقافة الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم