الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الحرب على غزة.

أحمد سعده
(أيمï آïم)

2014 / 8 / 23
القضية الفلسطينية


مِنْ رَحم الأسطورة تتوالد أساطير سُرعَان ما تنمو وتكبر لتصير قدراً لا مناص منه يَستحوذ على قُلُوب وعُقُول وأرواح البشر المُؤمنين بهذه الأساطير، فتسلب قُدرة أبصَارهم وبَصِيرتهم وبَصَائِرهم على الرؤية الصحيحة بعد أن تُصيبهم بكل أنواع العَمَى والحَوَل فيضربون في صحراء التيه بلا دليل. ولأن الشعب الفلسطيني معنيُّ دائماً بتحرير أراضيه والتخلص من قبضة العدوان الإسرائيلي وحصاره الخانِق ما يستلزم بالطبع مُساندة حقيقية ودعم من الدول العربية وبخاصة دول الجوار، قَفَزت إلي ساحتنا السياسية أسطورة "الوحدة العربية" التي أَغرَقَت شُعوبنا وثقافتنا بشتى أنواع خداع النفس والتضليل حول مستقبل ومسار وصيرُورَة القضية الفلسطينية، ولم تكُن هذه الأسطورة بكل ما تخفيه ورائها من حقائق محض مصادفة بل كان مقصود إليها قصداً.
والمسار الفعلي الحقيقي للقضية الفلسطينية تعلمه أمريكا وإسرائيل وأُورُوبا كما يعلمه حُكَامنا العرب وحتى القيادات الفلسطينية، لكنهم لا يَبُوحُون به، وهو ضم الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة وترحيل السكان، وبنفس الطريقة التي تم بها ضم أراضي الجولان إلى إسرائيل، ولكن "لأن لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت" فإن إسرائيل تنتظر الوقت المناسب لضم هذه الأراضي، خاصة في ظل تعطُشها للأراضي بعدما ضاقت عليها الأرض، ومع الهجرات اليهودية إليها، ما يجعل من التوسُّعِ بالنسبة لها حياة أو موت. وحُكامنا لا يبُوحُون بهذا علناً لتفادي الغضب الشعبي المتوقع، وخداع الشعوب العربية بما تُبدِيه الأسطورة على السطح إلى أن تطفُو الحقائق الجديدة الخَفِّية من تحت السطح كأمرٍ واقع يخضع له الفلسطينيون وسائر الشعوب العربية.
ورغم كل مُحاولات المقاومة في غزة وتضحياتها وبطولاتها، إلا أن الترويج الحماسي لقدرتها في ظل الأوضاع الحالية على إنهاء الحصار لا يعدو أكثر من أن يكون "أسطورة" جديدة ضمن ميثولوجية كاملة من الأساطير يسبح فيها عالمنا العربي، فالمقاومة أضعف من أن تقلب المعادلة رأسا على عقب! ولن يتغير شىء من الواقع في ظل الاختلال الحالي لموازين القوى، ولن تتخلى إسرائيل عن حصارها، وكلامي مرير لكن لا أجد غيره. وهذا بالطبع لا يعنى التسليم بواقع العُدوان وبمعايير قصوى للاحتلال، فالمقاومة مهما كان ضعفها إلا أنها تُحبط وتُربك مخططات إسرائيل التوسعية باستبسالها، وتُؤجِل الأقدار المحتُومة "إلى حين"، كما أن المقاومة بالفعل لا تملك غير أن تدخُل حربها "الدِفَاعِيَّة" وحيدة مسكينة في مأساة حقيقية، فلا ينتهي يوم من الخرابِ والتدمير إلا ويأتي آخر لا يحمل معه أي بشارة بل يأتي بأوجاع وآلام جديدة بعد أن أصبح السكان في غزة يعيشون فَظَاعَة المُعَاناة كل يوم في انتظار "الغد الجميل" الذي لا يأتي أبداً، وهذا الغد الجميل الذي ينام الفلسطينيون يحلمُون به هو تحرير الأرض وإنهاء الحصار، لكن الحلم سُرعان ما ينقلب إلى كابوس، والغد المنتظر يتحول إلى واقع حزين، أيْ واقع الاستيطان، الخراب، التدمير، ورائحة الموت والدم.
ولا يمكن أن نُنكر أن المقاومة قد كسرت أنف إسرائيل التي تُحارِب اليوم من خطوطها الداخلية وهي صاحبة سياسات نقل المعركة إلي أرض العدو. لكن لا يمكن أيضا مقارنة وضع المقاومة الحالي بأوضاع تاريخية تَحرُّرية سابقة كان لها معاييرها وشروطها وسياقها الزمني، فحروب التحرير في فيتنام استطاعت تحقيق النصر والتحرر من براثن أمريكا، بعد أن قدم المزارعون الفيتناميون أكثر من مليون شهيد وثلاثة ملايين من الجرحى مقابل بضعة آلاف من الأمريكيين وأجبروا أمريكا إلى العودة أدراجها، والأمازيغ الجزائريون ضربوا نموذجا في الصمود ضد الاستعمار الفرنسي وقدموا مئات الآلاف من الشهداء من أجل طرد الاستعمار الذي دام 132 عاماً، غير أن اليوم لا يُشبه البَارِحة، فالاستعمار في الجزائر وفي فيتنام وفي ليبيا كان من أجل خلق مستعمرات لاستنزاف مواردها، أما الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين فهو من أجل المأوى، ومن أجل الميعاد. فرنسا وإيطاليا تتأسفان على ما حدث في السابق وتشعران بالذنب تجاه الجزائر وليبيا بل أنهما في الطريق لتعويضهما؛ أما إسرائيل فلم تكن فقط الدوافع الإمبريالية هي السبب الوحيد في اختيار أرض فلسطين لإقامة مشروع دولتها وتفضيلها على الأرجنتين وأنجولا رغم كثافتها السكانية، فإسرائيل لديها ما تُؤمِن به على أرض فلسطين، لديها الأيديولوجيا الدينية والوعود الإلهية التَورَاتِيَّة التي تتمحور حول ثلاثية الإله، الأرض، والشعب، فالإله يحل في أرض الميعاد، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً، ومقدَّساً وأزلياً. وفوق هذا وذاك تلقى مساندة ودعم الغرب الذي تتبع له معظم دولنا العربية إن لم يكن كلها.
وأنا لا أكتب هذا الواقع المرير بقصد زرع الإحباط في النفوس، لكن أكتب بهدف تنشيط التفكير الجاد والتأمُّل الموضُوعي العميق، فلو كان هناك بصيص أمل فلن يدنو إلا بفضل هذا التفكير. وقد قرأت في الفترة السابقة مقالات لكُتَّاب يُركِزُون، مع كل إخلاصهم للقضية الفلسطينية، ومع كل حَصِيلتهم الفكرية، على أُمُور بالغة السلبية والضرر خاصة فيما يَخُص الهُجُوم على المقاومة واختزالها في حركة حماس، بل ولم يَتَفَوَّه بعضهم بكلمة واحدة ضد إسرائيل وما ترتكبه من مذابح إبادة جماعية في غزة، ورَوَّج هؤلاء لأسطورة جديدة حول "قُدرات إلهية" لمصر في وقف العُدوان على غزة، وبالطبع الدفاع عن فشل هذه القُدرات بخلق ترسانة من التبريرات اللاإنسانية لاستمرار العدوان الإسرائيلي كعقاب على رفض المقاومة للمبادرة المصرية الأولى، رغم أن المقاومة قبلت بالمبادرة الثانية وكان جَزَاؤُها جزاء سنمار.
وبنظرة موضُوعية للمشهد الحالي تغدو النتيجة المريرة الحتمِّية بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها وأثقالها هي وللأسف: مزيد من تشديد الرقابة على المعابر، وإحكام الحصار على غزة بعد تدمير القدرة الصاروخية للمقاومة وليس رفع الحصار كما تتوهم المقاومة، ولن تُغَيِّر أي مبادرات عَبَثِّية من الواقع شيئاً بل ستكون بمثابة "صك البراءة" لإسرائيل أمام المجتمع الدولي المُتخاذل من الأساس.
وقد صارَ من أَوجَب الوَاجبات على الشعوب العربية والفلسطينيين بالأَخَّص التَخَلُّص من كل الأساطير، بصفتها حلولاً للقضية، قبل أن تُباغتهم الصدمة الحقيقية الكبرى التي ستقلب نظرتهم عن الموضوع. ما يعني ضرورة التخلي عن الأوهام حول وضع القضية الفلسطينية ومسارها، وأن يكفوا عن تَوقُع خير من الدول العربية أو المجتمع الدولي، حتى لا نستيقظ ذات صباح كئيب على واقع "الضم" وسيناريو "الترحيل". ورغم أني من أشد أنصار فكرة حل الدولتين وإقامة دولة واحدة ثنائية القومية، غير أنني أراه حلا على المدى البعيد. لذا ينبغي على الشعب الفلسطيني أن يضع سياسات للمواجهة بالحقائق وليس بالأوهام، ويتبني استراتيجيات جديدة تنطلق من حلول فعلية وعملية قادرة على صناعة واقع جديد يبدأ بدينامية مركزية ذاتية، تُحَدِد كيف ومتى ينبغي التقدم أو التراجع، وتُقرِر أين ومتى يستخدم السلاح، وغيرها من استراتيجيات بعيداً عن خداع النفس الذي يَقُود الشعب الفلسطيني بسرعة مجنُونة إلى الجحيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال بنظرة مختلفة لكن حقيقية
سامية عزالدين ( 2014 / 8 / 23 - 18:07 )
برافو يا احمد
الوضع فعلا مش هيتغير غير بتغيير ثقافة العرب وسياساتهم
واشكرك انك مش ماشي على الموجة وخلاص
شكرا لثقافتك


2 - مصلحة الفلسطينيين تكمن بمصارحتهم بالحقائق
زرقاء العراق ( 2014 / 8 / 23 - 22:10 )
ان كان كاتب المقالة يريد مصلحة الفلسطينيين فكان من الأفضل ان يصارحهم بأن قرار التقسيم لم يأتي عبثاً وانما تم التقسيم حسب نسبة السكان آنذاك
ألغى العرب التاريخ واقنعوا انفسهم بأن ارض فلسطين تم أغتصابها , وهذا غير صحيح بتاتاً.
الحقيقة بأن العرب بصورة عامة يرفضون تقبل الآخرين, والا كيف تفسر قتل المسيحيين والصابئة وحرق كنائسهم في العراق ومصر وحتى السعودية اللتي لا تسمح لهم ببناء كنيسة والأحتفاظ بنسخة من الأنجيل او الصليب. مع العلم بأن هناك كنيسة أثرية واحدة في السعودية ولكن ممنوع زيارتها بتاتاً لأي من كان
جاء في القرآن الكريم ذكر بني أسرائيل أكثر من ثلاثين مرة ولم يأتي بذكر فلسطين او الفلسطينيين حتى مرة واحدة


3 - مليار -$- قطري والثمن دم الغزاويين
johnhabil ( 2014 / 8 / 25 - 01:13 )
حمد الله على السلامة استاذ أحمد
أبو مازن يمنع مظاهرة في رام الله ضد القصف الإسرائيلي
الحكومة المصرية تدمر 1700 نتفق ( معبر )سيناء جاهزة لعرب غزة ، الجولان السورية
ضُمت وانتهت،السعودية تضع مصر برأس المدفع-- عسكر مصر حماية للسعودية بدل المواجهة - جزر نيجيرية تؤجر للجيش المصري ليضرت المسيحيين في اثيوبيا بحجة سد الثورة المقام...... مؤامرة غربية استعمارية للسطو على غاز غزة ومياه النيل
وكما تقول : لن تُغَيِّر أي مبادرات عَبَثِّية من الواقع شيئاً بل ستكون بمثابة -صك البراءة- لإسرائيل أمام المجتمع الدولي المُتخاذل من الأساس.

اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة