الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيد القوافي ... وداعاً

سميح مسعود

2014 / 8 / 25
الادب والفن



من الصعب علي الكتابة عن الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم بضمير الغائب بعد أن رحل عن دنيانا إلى هجرة الخلود ... بعد أن قاوم المرض العضال ، بقدرة خارقة ، سخر بها من المرض ومن الألم ومن الموت نفسه ، وعبر عن ذلك في أيامه الأخيرة وهو على فراش الموت بكلمات لم يسبقها مثيل :

أنا لا أُحبّكَ ياموتُ ... لكنني لا أخافُكْ
وأدركُ أن سريرك جسمي ... وروحي لحافُكْ
وأدركُ أنيّ تضيقُ عليَ ضفافُكْ
أنا... لا أحبكَ يا موتُ
لكنني لا أخافُكْ !

كلمات منغمسة بالذات المحاصرة بالمرض والمعاناة والمكابدة ، تحتشد في نسيج لوحة شعرية نادرة بلغة جميلة واضحة ومؤثرة ، تعبر عن آفاق دلالية رحبة للمقاومة والتحدي وعدم الخوف من الموت ، و تؤكد بلا لبس ولا غموض بأن الراحل الكبير ظل وفياً للمقاومة والتحدي ومجابهة الصعاب حتى أخر لحظة في حياته .

وهذا يؤكد على ما تميز به من شجاعة استثنائية طيلة مسيرته الحياتية في التعبير عن مواقفة الوطنية وأفكاره ، و في كل ما كتب من أعمال إبداعية شعرية ونثرية ومسرحية... كان يتوخى فيها دائما مقاومة المحتل والانحياز الكامل للوطن .. وقد ظل من فجر صعوده حتى رحيله في عشق دائم لوطنه ، في صوته اجتمعت كل الأصوات في تمجيد الوطن والتغني به ، وحين رزق بإبنه البكر سماه " وطن " ولقب منذ ذلك الوقت ب " أبو وطن " .

لكن الساحة الحق والأوسع لتعلق شاعرنا الكبير بالوطن إنما كانت بالتصدي عمليا للإحتلال البغيض ، فقد نزل إلى هذه الساحة في مطلع شبابه ، حين رفض التجنيد الذي فرضته اسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها ، وقد اعتقل عدة مرات وفرضت عليه الإقامة الجبرية من قوات الإحتلال بسبب مواقفه الوطنية والقومية .

كان راحلنا وثيق الصلة بالوطن ، بقي فيه لم يخرج منه ، تشبث طيلة عمره بترابه ، جعله المحور الأساسي في تجربته الإبداعية ، مزجه في قوافيه وأشعاره منذ بداية مسيرته وحتى نهاية أيامه ، تمرد من أجله على المحتل الغاصب ، ورفع عالياً راية المقاومة ، حتى أنه في أخر أيامه ظهر في فضاءات عربية وفلسطينية على أثر الحرب على غزة ، وهو يردد بصوته الهادر ، بحس متوقد مشبوب العاطفة بعض قصائده مثل قصيدة : يا عدو الشمس ... " يا عدو الشمس لكن لن أساوم / وإلى أخر نبض في عروقي سأقاوم " .

بدأ صعوده يظهر بوضوح مع بواكير مرحلة " شعر المقاومة " واكبها مع رفاقه من مجايليه : راشد حسين ، و توفيق زياد ، و محمود درويش ، جمعهم مشترك المقاومة الثقافي الوطني ، وانتعشت بهم الحركة الادبية الفلسطينية ، تكاملت أطرافها وعناصرها في الداخل والشتات ، وقدمت للادب العربي الكثير من الخوالد الإبداعية ، الناطقة بالمعاني والدلالات الوطنية ، التي ما زالت محفورة في ذاكرة ووجدان الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم ، ترجمت الى عشرات اللغات العالمية ، و يرددها الصغار والكبار في كل المناسبات .

ليس هناك أكبر من الفراغ الذي يتركه الشعراء الكبار ، والفراغ الذي يتركه غياب شاعرنا الكبير على درجة كبيرة ومؤثرة ... رحيله خسارة جسيمة لفلسطين وللأمة العربية ... وعزاؤنا أن مآئره ستبقى خالدة من بعده ، ستسعفنا أشعاره بقبس من جذوة حضوره ... ستبقى أشعاره من بعده على مدى الأيام ، ستتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل ، ستمدهم بعواطف ومشاعر لا تنضب بحب فلسطين .

و يقيني أن الشعر الذي ردده الشاعر الكبير بنبراته الصوتية المتميزة طيلة حياته مدرعاً بوهج المقاومة ، سوف يتردد صداه في كل المناسبات الفلسطينية في الزمن الحاضر والآتي ، ستردده الحناجر ضد الإحتلال والهيمنة والعنصرية ، ومن أجل العودة والحرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي