الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الإسلام والعلمانية – رد متواضع على مقالة الأستاذ صائب خليل

كامل السعدون

2005 / 8 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



الجزء الأول
-1-

أرسل لي احد الأحبة الكتاب العراقيين المتميزين مشكورا ، مقالة الأستاذ صائب خليل الجميلة الرائعة عن العلمانيين والإسلاميين وصعوبة الإلتقاء بينهما ، ثم آرائه اللطيفة بما أوردته في مقالتي الموسومة ( المرأة والحيوان ... الخ ) وقد إستمتعت بمقال الأستاذ كثيرا وتعلمت منها الجديد المفيد وبذات الآن قررت أن أرد عليها ، منافحا عن ما كان واقعا قائما ، وليس فيه من إجتهاد شخصي لي لا سمح الله ، فما أنا إلا قاريء لصفحة غير بهية من صفحات آيديولوجيا قبلية بدوية رجولية ظالمة ، إرتهنت هذه الأمة قرابة الألف واربعمائة عام ، وأوصلتنا إلى هذا الذي وصلنا إليه من خمول العقل وإنتشار الخرافة وغياب الإبداع وهشاشة القيم وكراهية الحياة وبلوغ التناقض بيننا وبين العالم حد الأحتراب الدموي الذي يقوده الجهال المحبطون الناقمون على الحياة .
لا أزعم أني أصبت كبد الحقيقة في كل ما قلت في مقالتي ، لكنني أظن أني كنت على بعض الحق في بعض ما قلت ، ولأجل هذا وددت أن أرد على الكاتب الرقيق المهذب ، وسيكون ردي في حلقات ، ليتسنى لي تغطية الموضوع بأكمله ، مع التأكيد ثانية على أعتزازي وسعادتي بنقد الأستاذ صائب خليل .
كما يقول الصينيون ( ما معناه ) ، في البدء ينبغي تعريف الأشياء ليسهل الوصول إلى رؤية واضحة لكامل القضية ، وإذن فلنتعرف على العلماني والإسلامي وما بينهما :
فمن هو العلماني ؟
___________

لا أضيف جديدا إذا قلت أن العلماني هو من يؤمن بأن قدره الحياتي هو مسؤوليته الشخصية وإن مهمته كفرد هي أن يمتلك هذا القدر بيديه وعقله وأن لا يجيز لأي قوة غيبية ، غير محددة المعالم وليس مؤكد وجودها ( أو على الأقل وجودها بهذا الشكل الذي جاء به بعض الأنبياء ) على أن تستولي على هذا القدر ظلما ، بذات الآن فالعلماني الحقيقي هو من يمتلك البعد الوجودي الوجداني والضميري الذي يجيز له إستيعاب الإختلاف وفهم نوازع الآخر ( ذو الإيمان الحدسي أو الديني ) دون ضرورة الإصطدام معه ، حيث لا يكون الإختلاف بالغا حد التهديد العملي الذي يتجاوز رحابة القانون الوضعي الذي يحمي الجميع ، بل وقد يكون العلماني مؤمنا بقوة ما فوق طبيعية ( إذ ليس هو بالضرورة ملحدا ) ، لكن رؤيته لتلك القوة أكثر رحابة وإختيارية ، حيث لا يراها ( أي العلماني المؤمن ) ، قوة باطشة بالإنسان أو مفرقة للجماعات أو محفزة لنشر الضغينة أو أنها مالكة لأجندات خاصة تنتظر من بعض البشر تنفيذها ولو بالبطش بأخوتهم في الإنسانية .
وهذا البعد الذي ذكرناه هو ما يدعوه الأستاذ الدكتور محمد عبد المطلب الهوني بالبعد الإيماني ، أما البعد الثاني لدى العلماني والذي يسير على سكة واحدة مع الأول فهو البعد الإجتماعي ، بمعنى أن العلماني يؤمن بالمواطنة وقوانين الدولة الوضعية والنضال ضد ذات الدولة عبر رؤية حضارية علمانية واقعية عقلية ، تسعى لربط عجلة الدولة بقوة بالواقع المعاش وإخراجها من عباءة الكهنوت والمنطق الغيبي الذي هو في واقع الحال فخ سياسي تنصبه النخبة المتدينة للأغلبية البائسة المسحوقة التي لا تحسن التعبير عن مصالحها الواقعية فيتم تدجينها دينيا للتوجه صوب مصالح ماورائية لا وجود لها ، في ذات الآن الذي ينتفع فيه القلة من الزعماء الدينيين باللقمة الواقعية العيانية المحسوسة التي هي الثروة المادية والسلطة السياسية والقوة العسكرية ومفاتيح الجنة والنار التي يلوح بها زعماء تلك النخبة أمام عيون تلك الأغلبية المترددة المضطربة .
إذن العلماني مع الدولة والمواطنة والمجتمع العريض الذي تحكمه قوانين عقلانية منطقية عادلة مستوعبة لكل الخصوصيات والفروقات الروحية والطبقية ، قوانين تحمي الجميع وتحتضن خصوصيات الجميع ويقتسم الجميع فيها ثروات الوطن بالعدل والقسطاس ، بذات الآن يشترك الجميع في إداء الواجبات المختلفة تجاه الدولة الممثلة لمجموعهم وتجاه بعضهم البعض .
العلماني بيته الكبير هو الدولة الواقعية العيانية الملموسة ذات الأفق المستقبلي الملموس ،
وقريته الكبرى هي العالم حيث إخوان في الإنسانية في كل مكان ، مهما أختلفوا في الأديان والمعتقدات والآراء والثقافات ، أما مرجعيته فهي حقائق الحياة التي يزكيها العلم والممارسة والتجربة ، وواقعه هو ما تحت قدميه من أرض في لحظة الزمنية المعاشة الملموسة ، دون أن يتنكر للماضي أو المستقبل .
أما الإسلامي ، فهو :
____________

المسلم الدعووي ، الذي يؤمن ليس بالرسالة في محورها الروحي أو العبادي حسب ، بل الرسالة في محورها الجهادي السلطوي السياسي ، بمعنى أنه لا يكتفي بالتعريف العام للمسلم في أنه ذلك الذي يخلص لله ويؤمن بوحدانيته ويستسلم لمشيئته ويخضع في كل أمور حياته له وينقاد لأحكامه الشرعية ، ويؤدي الفروض التي أوجبها الله من شهادة وإقامة للصلاة وإيتاءٍ للزكاة وصيام لرمضان وحج للبيت .
الإسلامي ، مسلم مسيسٌ مرتبط بفترة تاريخية قبلية ماضوية صحراوية . الزمن لديه زمنين فقط ماضي أرضي ومستقبل ما ورائي ، أما الحاضر فمجرد معبر للمستقبل الماورائي ، أو هكذا يقنع الوعاظ أتباعهم ، رغم إنهم يستمتعون بقوة بالواقع الحاضر ويدفعون الناس للموت من أجل أن يؤمنوه لهم ، مقابل أن ينتقلوا هم ( أي الأتباع ) إلى عالم الماوراء .
من خلال هذا التعريف نرى أن :
العلماني ليس ضد الدين ، بل هو مستوعب للمفاهيم الدينية ومحترم لها ، ولكنه يسعى إلى تخليص الدين من الصراعات البشرية لكي ما يكون أكثر صفاء ولكي ما يرفد تيار الحياة بالجميل من القيم الروحية والأخلاقية التي تغني البشرية وتسعد بني الإنسان وتعمر الأرض ، وبذات الآن تسعى لتخليص الصراعات السياسية ذات الطابع المطلبي والواقعي من قبضة رجال الدين المسيسين لكي ما تصل تلك الصراعات إلى بناء الحياة عبر الجدل الذي يقوم على أسس منطقية عقلانية واقعية بنائية لا تهدف إلى تخريب الأرض وما عليها وإذلال عقول البشر وتخريب عواطفهم وتأليبهم على بعضهم على أسس غيبية .
بالتالي فالعلمانية تحمي التناقض والصراع وترعاه وترأف به وتسعى لمنحه ديناميكية ، بتحريره من قبضة الماضي والغيب واللا معنى ، تاركة هذا اللامعنى وذاك الغيب لأهل الغيب شريطة أن لا يفرضوه على أهل الواقع ، طالما هم لا يملكون أدوات إثبات واقعهم ( المتخيل ) المناقض للواقع القائم الذي تزكيه خبرات الحياة .
فهل أن الإثنان لا يلتقيان ؟
الحقيقة ، العلماني الحقيقي ، يفترض كما أسلفت أن يحترم الآخر ويتفهم فكره ويسعى لعدم التصعيد معه بالتركيز على نقاط الإختلاف ، ولنا في العالم الغربي إسوة ، ففي بريطانيا وأمريكا وفرنسا تجد الإسلاميين مستمتعين بإمتيازات عظيمة لا تتسنى لهم في بلدانهم ، وأظن أننا سمعنا وقرأنا ورأينا بأم إعيننا أو عبر التلفاز ، بعض ما ينعم به غلاة الإسلاميين في الغرب ، فهذا الإرهابي بكري وصاحبه المصري ، كانا حتى قبل أيام قلائل يحرضون الناس في مساجد بريطانيا على رفع لواء الإسلام فوق قبة البرلمان وعلى قصر برمنغهام ذاته ، ومع ذلك ما قطعت الكهرباء أو الماء عن شقة الواحد منهما ولا منعا من الصلاة ولا أعتقلا ولا حرما من مخصصات تقتطع من الضريبة التي يدفعها عامل المنجم والممرضة ورجل الإطفاء البريطاني .
لماذا ؟ لأن العلماني البريطاني أو الأمريكي يؤمن بالإختلاف ولا يرى أنه يملك كل الحقيقة ، وليس في الفكر البراجماتي الغربي ما يدعو إلى تسفيه الناس دون ضرورة ، طالما هم في شأنهم وأنت في شأنك ، لكن الحالة طبعا تختلف عندنا نحن المشرقيون فالعلمانية لما تزل لدينا فكرة غائمة ونحن قوم نعاني من قسوة ما أصابنا من الإسلام منذ مئات السنين ، وحيث نرنو إلى بلداننا نجد التخلف والبؤس والخوف والجهل وغياب العدل في توزيع الأرزاق ، فبالتالي من المؤكد أننا لا نستطيع أن نتقبل الآخر بسهولة .
البريطانيون لم يعيشوا خلافة إسلامية ، ولم يعيشوا إنتهاك حرمات بيوتهم ولم يعيشوا إذلال نسائهم وبناتهم ولم يعيشوا حروب أمتهم الظالمة من أجل الوهم ، أما نحن فعشنا هذا كله ، وحيث نرى الإسلامي أو نسمع دعاواه ، يصيبنا الرعب من هذا الذي ينتظرنا فيما لو إنه لا سمح الله إمتلك سلطة .
وكلنا رآى رعب دارفور وفتاوى الأزهر بالتكفير وبؤس اليمن في ظل حركة الإصلاح وقسوة جرائم الإسلاميين في روسيا ، وإعدامات الإمام الخميني في إيران التي أدت إلى هجرة الملايين من بلدهم ، أما عن الحال في السعودية فلا أظنها تشرف أي مواطن هناك حيث عصي شرطة الآداب تلاحق النساء والرجال في الشوارع وحيث نسبة العنوسة في البلد مرعبة جدا وحيث المرأة تعاني من الإحباط النفسي والجنسي بينما ينتشر اللواط والمخدرات بشكل مرعب في هذا البلد وبذات الآن تجد الأمراء الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثة أو الأربعة آلاف يعيشون حياة بالغة الرفاهية والمجون ، ثم أخيرا وليس آخرا هذا الذي هو حاصل الآن في الوسط والجنوب العراقي البائس .
العلمانيون المشرقيون عامة على قلتهم وضعفهم ، لا يطيقون الآخر الإسلامي لأنهم في صميم المعركة من أجل الحياة التي يهددها الآخر ، وأظن أن الغرب بدأ يعي هذا الذي نعيه بمجرد أن حصلت بضعة تفجيرات في لندن ومدريد .
لكن يبقى العلماني قادرا على التمييز بين قدر من الروحانية والإيمان الجميل المسالم غير العدواني والذي يجيز للآخر أن يعيش بكرامة وسلام ، وبين إسلام يأبى إلا أن ينتزع من الآخر حريته وكرامته وإنسانيته وخصوصيته .
بصراحة ، حال علمانيينا اليوم يشبه إلى حد كبير حال علمانيو فرنسا قبل الثورة الفرنسية( عام 1789 ) حيث بلغ الإضطهاد من الإقطاع والإكليروس حدا مرعبا وكان المخاض مؤلمًا عسيرًا، وما كان النصر سهلا ، ولهذا كان رد فعل الثوار عنيفا غاية العنف ، وذاتنا اليوم نعيش هذا المخاض فقد بلغ السيل الزبى ويعدنا الإكليروس الجديد بمستقبل مرعب رهيب ترى بصماته على الوسط والجنوب العراقي بغاية الجلاء ، فهلا نُعذر إذا ما قارعنا الخرافة بالحجة وقرأنا على القوم صحائفهم بعلو الصوت ، وكما يقال من فمك أدينك وتلك أفواههم يا سيدي وليس فاهي لا سمح الله .


-2-

بين عامي 1980 و1988 ، قتل الإمام الخميني وصدام حسين قرابة المليوني مسلم ، وفي بضع سنين قتل الإسلاميون الجزائريون قرابة الربع مليون مسلم موحد .
وفي الأعوام القليلة القادمة سيقتل الإسلاميون منّا ( إن إمتلكت إيران قنبلتها النووية أو سقطت أسرار الذرة في يد بن لادن ) ، ملايين أخرى ، لأن بذرة القتل هي في الإسلام مكان القلب في الجسد .
لسان حالنا وربي كلسان حال بن عربي الجميل إذ يقول :
لقد صار قلـبي قابلاً كل صـورة فـمرعى لغـزلان ودير لرهبـان

وبيت لأوثـان وكعـبة طـائـف وألـواح توراة ومصـحف قـرآن

أديـن بدين الحب أنّى توجّـهـت ركـائـبه فالحب ديـني وإيـماني

لكنهم لا يملكون لنا ولا للحياة حبا ، بل إن كل همهم تلك الآخرة التي ينعمون بها بحور العين .
وأختم مقالي هذا بطرفة من العقد الفريد للجليل بن عبد ربه :
( دخلت أم أوفى العبدية على عائشة بعد وقعة الجمل ، فقالت لها :
يا أم المؤمنين ، ما تقولين في إمرأة قتلت إبنا لها صغيرا ؟
أجابت عائشة : وجبت لها النار ، فقالت المرأة ، فما تقولين في إمرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صعيد واحد ؟
فأنتفضت عائشة وصرخت : خذوا بيد عدوة الله !!!
كنت أتمنى لو إن أحدهم سأل الخميني :
ماذا تقول يا روح الله في من قتل من أشياعه قرابة المليونين ؟

______________________________________________________________

ولا حول ولا قوة إلا بالله في ما فعل بن آمنة بالخلق ، وللحديث صلة .

______________________________________________________________
أوسلو في الحادي عشر من آب 2005









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى سيارة بيك أب بشعبية كبيرة؟ | عالم السرعة


.. -بقنابل أمريكية تزن 2000 رطل-.. شاهد كيف علق حسام زملط على ت




.. عودة مرتقبة لمقتدى الصدر إلى المشهد السياسي| #الظهيرة


.. تقارير عن خطة لإدارة إسرائيلية مدنية لقطاع غزة لمدة قد تصل إ




.. قذائف تطلق من الطائرات المروحية الإسرائيلية على شمال غزة