الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل عاطفي

حسن البوهي

2014 / 8 / 26
الادب والفن


فشل عاطفي
مرة أخرى جلس أمام الحاسوب، لكي يُسوّد بياض صفحاته الرقمية، بحلقة جديدة من حلقات مسلسل فشله العاطفي، فافتتح بوحه للحاسوب بقولة "كريستيان بوبان" " الحب هو ما نعانيه دائما، حتى حينما نعتقد أننا لا نعاني شيئا".. مرة أخرى، وجد نفسه يجر ذيول الخيبة، مطأطأ الرأس، منكسر الوجدان، محطم الفؤاد.. مرة أخرى وجد نفسه هائما في يم الحيرة حيث تتلاطمه أمواج أسئلة لامتناهية حول سر الخذلان والخداع.
أحس فور سماعه نبأ خيانة "ليلاه" التي كانت تشكل حتى عهد قريب نبراسه المنير لعتمة حياته الرتيبة، بأن سهما قاتلا ينغرز في فؤاده على حين غرة وبدون سابق إنذار، شلّ كل حركاته وأرداه جريحا طريحا في عمق سحيق لا يكاد يسمع فيه صوت غير صوت البوم المشؤوم والغربان، ف"ليلاه" التي أقسمت بعذوبة ابتسامته وبريق عينيه أنها تتنفس عشقا بوجوده، وأن الحياة بدونه انتحار.. وبأغلظ ايمانها حلفت أن هُنيهات بُعدها عنه ضرب من ضروب العبث الوجودي، ولولا خوفها من الشرك بالواحد الأحد لقالت أنها "تعبده"، اكتشف أنها ممثلة من الطراز الأول لا تضاهيها نجمات سينما هوليود وبوليود أداءا وتشخيصا، صفق لها في لحظات شروده لإتقانها دور العاشقة المتيمة، فصدّق لسذاجته اعترافاتها الكاذبة، ورقّ قلبه لدموعها المخاتلة التي كانت تستدعيها بمهارة بالغة عندما تتعارض سلوكاتها مع منطوق لسانها، فكانت تنتحب أمامه وتجهش بالبكاء كطفل بريء أتى فعلا لم يدرك عواقبه، ولضعفه أمام دموعها التي تستعيرها من التماسيح كان يكفكف دمعها ويحتضنها في صمت، ثم يهمس في أذنها "لا أريد أن تكوني عابرة سبيل على مملكة قلبي ولا عابرة سرير..لهذا أتعمّد محاسبتكي والخوض في بعض الجزئيات..دموعكي غالية يا جميلتي.."
احتجب لمدة لا يدري إن كانت قصيرة أم طويلة اختلطت فيها عليه أيام الأسبوع، قاطعا صلته بالعالم الخارجي، واستغرق يستعيد نوسالجيا ذكرياته الواهمة مع "ليلاه" لعله يستوعب صدمة الخيانة التي أتلفت بوصلة حياته اليومية، لكن، عبثا يجد نفسه في نقطة الصفر عند كل محاولة، فأضناه سهد الليالي وقرر أن يعود إلى عالمه المحسوس ويتعايش مع آلامه وإخفاقه العاطفي، مستعدا للصفح عن معشوقته فور أول اتصال أو اعتذار منها، لكن توالت الدقائق، الساعات، والأيام ...من دون أن تمد حبل الوصال، فتأكد أنه أضحى خردة ذكريات أرشيفها المنسي.
بين شك منشود ويقين مفقود، كانت الصدفة التي لا سلطان للمرء عليها أبدا" الحد الفيصل بين الحقيقة والخيال، بين الشك واليقين، عندما قادته عيناه المكتحلتان بمكحل الضياع والخواء وهو ينتظر مع المنتظرين بداية عرض مسرحي بدار الثقافة إلى الصفوف الأمامية للمسرح، حيث التقت عيناه ب"ليلاه" التي كانت برفقة شخص آخر تظهر عليه آثار الغنى ورغد العيش، أنيق الملبس، جميل المحيا، يضع في معصمه ساعة من الطراز الفاخر.. قادته الغيرة والخيبة في الآن نفسه إلى الاقتراب منهما أكثر، واستراق كلمات عابرة ونظرات خاطفة لإشباع فضوله الطفولي واستقبال رصاصة الصدمة الأخيرة، وهو في مسعاه ذاك التقت عيناه بعينيها، اضطربت بعض الشيء، لكن سرعان ما اصطنعت نظرة باردة تنم عن اللامبالاة وعدم الاكتراث، بدأ العرض المسرحي، غير أن العرض الحقيقي الذي تابعه عاشقنا هو: حركات، وضحكات، وهمسات الثنائي الذي يوجد على بعد مقعد واحد منه، أحس بقمة الانهيار وبارتعاش قدميه ويديه، لم يقو على المزيد من الصدمات والوخزات التي تخز دواخله.. تحامل على جسده، ثم غادر قاعة العرض مشتت الذهن خائر القوى.. في خطوة يائسة ركّب رقم هاتفها الذي لم تستطع ذاكرته أن تتخلص منه.. ضل الهاتف يرن من دون أن تجيب، وفي المحاولة الثالثة تركت خط الاتصال مفتوحا، فسمع غريمه صاحب المظهر الأنيق يسألها: من المتصل؟ أجابته مُتعمدة أن يصل صدى صوتها للمتصل: صديقة مزعجة من زمن الأخطاء.
امتقع لونه وتجمدت أوصاله لدى سماعه لهذا الرد.. مُعتقدا أنه يحلم، ولابد له أن يستيقظ من نومه ليطرد عنه هذه الكوابيس المزعجة، لكن لحظات شكه هذه سرعان ما أعقبها يقين مطلق، بعد تفحصه لما حوله، فتأكد أنه يعيش فصلا أخر من فصول إخفاقاته العاطفية المريرة، عندئذ سمع صوت شخص "بوهالي" مر بجانبه محدودبا مستندا على عكاز، كان قد رآه هائما على وجهه بين أزقة ودروب المدينة العتيقة، يُردّد بصوت مبحوح "الحبيب اللي ما عندو فلوس كلامو مسّوس... والمحبة للي راس مالها قليل.. ما يدور عليها الليل..حيييييي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل