الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باستيل دموي بمقاس غزة!

عديد نصار

2014 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية




" بعد 45 يوما من الحرب على غزة
اصبح القصف عاديا
هدم البيوت عاديا
قتل الاطفال عاديا
اصبحنا نعد القتلى والجرحى... كأننا نعد النجوم.. الدقة غير مطلوبة!
غزة مدينة الفقراء الرخيصة ارواحهم ومعاناتهم." (جنين مصطفى: على صفحتها على الفايسبوك)

عندما قرّرَ آرييل شارون رئيسُ الوزراء الاسرائيليّ الأسبق، تفكيكَ المستوطناتِ جميعِها في قطاعِ غزةَ والانسحابَ النهائيَّ مِنها، لم يكن في واردِ تركِ الشّعبِ الفلسطينيّ، المكتضِّ فيها، للحريةِ والعيشِ بسلام.
فغزةُ التي تعد من أكثر مناطق العالم كثافةً سُكّانيةً، لن تغرقَ في البحر كما تمنّى اسحق رابين رئيسُ وزراءِ العدوِ الأسبق، كما لم يكن بالامكان إغراقُها بالاستيطان كما رغب بذلك كبارُ القادة الصهاينة. وظلّت المستوطناتُ السبعةَ عشْرةَ التي أنشئتْ في غزةَ على مدى ثمانٍ وثلاثين سنة، والتي لم تكن تشبه الا الثكناتِ العسكرية، محاصرةً بالعمليات الفدائيةِ التي أنهكتْها وأنهكتْ معها قدرةَ الاحتلال على تفادي تلك العمليات.
من هنا كان قرارُ شارون ، الانسحابُ الكامل من قطاع غزة، بما في ذلك تفكيكُ جميعِ المستوطنات هناك وبعد أقلّ من خمس سنوات على الانسحاب المُهينِ من جنوبيّ لبنان، قراراً فوجِئَ به العالم. وأُعطيَ الكثيرَ من التفسيرات والتبريرات.
ومعروفٌ أن شارون أحدُ كبارِ مجرمي الحربِ الصهيونية على العرب، في فلسطين كما في لبنان. لذلك لا يمكن أن يُلبسَ لِباسَ رجلِ السلام أو أن تُعتبرَ خطوتُه مؤشّرا على نوايا صادقةٍ حيالَ السّلام مع الشعب الفلسطيني بعد مقاومةِ عقودٍ وصراعٍ مديدٍ وانتفاضتين مَشهودتين لم تكسرْهما كلُّ محاولات الالتفافِ والتطويقِ بأشكالِ وألوانِ التفاوضِ غيرِ المُجدي، رُغمَ انْحدارِ القوى الفلسطينية الرئيسية في منظمة التحرير إلى هذا الدِّرْكِ ورُغْمَ انتظاراتٍ حكمتْ بعضَ المُترددين حيال خياراتِ الثورة والمقاومة في ظلّ حصارِ الأنظمة العربية والقوى الدولية وتزايدٍ ملحوظٍ لِقوى الإسلام السياسيّ والجهاديّ لمَلء الفراغِ الناشئِ عن تراجعِ دورِ القوى الوطنية الفلسطينية (العلمانيّة) في المقاومة المسلّحة والمَدنية، والتي ذهبتْ باتّجاهِ البحثِ عن سلطة موعودة موهومة، جنباً إلى جنب مع، بل تحتَ جناح الاحتلال.
اذٍ، لماذا كان الانسحابُ وتفكيكُ المستوطنات من غزة؟
تؤكد لنا الوقائعُ خلال السّنوات التسعةِ المنصرمةِ أنّ الهدفَ من هذا الانسحاب لم يكن الا لتحويلِ غزةَ الى باستيل كبير تحت حصارٍ تامّ يتحكم فيه الاحتلال الذي يُديرُ معابر التنفّسِ التي تفصل غزة عن سائر فلسطين، وبحيث يكون وضعُ معبرِ رفح الذي يصِل القطاعَ بمصرَ تماما كوضعِ معبر كرم أبو سالم مثلا الذي يصِل القطاعَ بفلسطينَ المحتلة. أي تحكمُه نفس شروط الاحتلال ومصالحُه.
وعليه كان المطلوبُ من خطة شارونَ التخلّصُ من التواجد الدائم في القطاع كي يُمكِنَ الاطباقُ عليه والتضييق التامّ على المقيمين فيه إضافةً طبعاً إلى جعلِه عُرْضةً للحربِ الدائمة التي تتصعّدُ بينَ وقتٍ وآخرَ ليصبحَ القطاعُ مكاناً غيرَ صالحٍ للعيش!
فالصّراع في غزةَ ليس صراعاً على أرضٍ ولا على موقعٍ استراتيجيّ ولا على ثروات، ولكنّه حربٌ صهيونية الهدفُ منها جعلُ الفلسطينيين المقيمين في غزةَ عاجزين عن الاستمرار.
وقد جاء الانقسام السياسي بين سلطة أوسلو برئاسة محمود عباس وبين حركة حماس التي سيطرت على القطاع ليحققَ للاحتلال هدفاً كبيراً في تسهيلِ فَصْلِ القطاع عن باقي فلسطين وبالتحديد عن الضفة الغربية سياسياً بعد أن تمّ عزلُه جغرافيا.
وبعد أن تفاقمت أزمة كلٍّ من سلطة محمود عباس في الضفة الغربية وسلطةِ حماس في غزةَ، كان شرطُ التوافقِ على "إنهاء الانقسام" والعمل على تشكيل حكومة موحّدة ضرورياً لكلا الطرفين، ولكنّه كان أمراً يتهدد خطةَ الاحتلال في تأبيد الانفصالِ بين الضفة والقطاع. فكيف تجلّى التوافقُ المُعلَنُ في ظل الحرب الأخيرة التي تُشنّ على غزةَ إثرَ ذلك التوافق؟ وماذا قدّمتْ سلطة أوسلو للمقاومة الفلسطينية التي تواجه الدمارَ الشاملَ على أيدي قوات الاحتلال هناك؟ هل تخلّت عن التنسيق الأمني مع الاحتلال؟ هل دافعت عن الحراكِ الشبابيّ والشعبيّ في الضفة الغربية الذي يُحاول إشغالَ المحتلّ، في تضامنه مع غزة؟ هل واجهت قطعانَ المستوطنين الذين يواصلون تحرّشهم واعتداءاتهم على الشباب الفلسطيني الذي يحاول إطلاق انتفاضة جديدة تحرج الاحتلال؟
لم تكن مظاهرُ قمعِ المتظاهرين الفلسطينيين على أيدي أجهزة سلطة أوسلو مستبعدةً طالما أن التنسيقَ الأمني مع المحتل لا يزال قائماً وطالما نعرف لأي هدف أنشئت تلك الأجهزة ودُرّبَت.
وليس غريبا أن تُمارسَ السّلطة التي يتزعمُها محمود عباس دورَ الوسيطِ بدلَ أن تمارس دورَ المقاوم المدافع عن الشعب الفلسطيني الذي يتكرّر العدوان الهمجيّ عليه في غزة، وتُدمّرُ المباني فوق رؤوسِه بما في ذلك مدارسُ الأنوروا التابعة للأمم المتحدة.
ولا أخفي أن توقّعي لانتفاضة في الداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948 وبمشاركةٍ يهودية واسعة كان أكبر من توقعي لانتفاضة مؤثرة تحصل في الضفة الغربية نتيجة الظروف السياسية وخاصة الأمنية (التنسيق الأمني). من هنا كانت الدعوة الى أن لا يتّخذَ الصراعُ بين المقاومة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني المُحتل طابعاٌ طائفياً أو دينياً أو قومياً ضدّ اليهود لأن تفكيكَ الكيان الصهيونيّ كدولة عنصرية مُحتلة لن يكون إلا بمساهمة فِعلية من المقيمين اليهود أنفسهم، وتحديداً تلك الطبقات أو الشرائح التي تكتشف يوماً بعد يوم حقيقةَ هذا الكيان ووظيفته.
أما قطاعُ غزة، السّجنُ الكبير الذي فرضه الاحتلال على الشعب الفلسطيني المقيم هناك، بالنسبة للدولة الصهيونية ينبغي أن يلعب دورَ بُؤرةِ التوترِ الدائم والفزاعةِ الأبدية للمقيمين اليهود في الداخل الفلسطيني كي يستمروا في لعب دورِ الوقود للوظيفة العدوانية الدائمة لهذا الكيان.
ولكن المقاومة في غزةَ تستمرّ وتتطور رغماً عن كل ذلك، وعليها أن تتطورَ باتجاه دفعِ مزيدٍ من اليهود للتحرّر من العُقدة الصهيونية العنصرية وباتجاه الانقلاب على الكيان العنصري الذي لن يؤمّن لهؤلاء اليهود لا الأمنَ ولا السلام.
وفي ظل الهدنة التي استجدت اليوم أقول:
السّلام لذكرى من سقطوا والتأسّي والعزاء لغزةَ الجريحة، والمجد للمقاومة الثورية الحرّة!
أما موضوع التفاوضِ المُرتقب فلنا في هذا المجال تجاربُ معروفة مع الكيان الغاصب.
لن يتحرّر القطاعُ الا بتحرير كاملِ فلسطين. فلتكن استراتيجية المقاومة بمقاسِ كلّ فلسطين، وليس بمقاسِ فتح معبر من هنا وتسوّلِ سلطةٍ مُرتهنة من هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة وزراء إيطاليا في ليبيا لبحث التعاون المشترك بين البلدي


.. العراق.. زفاف بلوغر بالقصر العباسي التراثي يثير استفزاز البع




.. المخاوف تتزايد في رفح من عملية برية إسرائيلية مع نزوح جديد ل


.. الجيش الإسرائيلي يعلن أنه شن غارات على أهداف لحزب الله في 6




.. إنشاء خمسة أرصفة بحرية في العراق لاستقبال السفن التجارية الخ