الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من خيارات الإرهاب إلى المدنية العجوزة..

عادل مرزوق الجمري

2005 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


"لا تتقدم بطريقة حربية، يكفي أن تجمع القوة، وتقوم العدو، وتقضي عليه، ذلك كل ما في الأمر"
صن تسو "فن الحرب"

الصراعات السياسية في المفهوم الحديث لا تتطلب الحسم، لا تحتاج إلى نتائج قطعية ثابته، يتحرك من خلالها المتحاورون السياسيون بحثاً عن بعض التنازلات والمقايضات، بقدر ما تحتاج الحوارات والصراعات السياسية اليوم إلى فلسفة إحتساء الحساء بسكين صغيرة، هذا ما سيجعل من السياسة أكثر إهداراً للوقت من جهة، ومدعاة للمرض والأعياء وإستعجال الشيب من جهة أخرى.
إذن، الفكرة الأولى في هذه القراءة أن السياسة الدولية بعد أحداث سبتمبر لها إستراتيجياتها الجديدة، قد لا تكون هذه الإستراتيجيات جديدة بالفعل، على صعيد الفعل السياسي، إلا أنها اليوم أكثر عمقاً ووضوحاً في منظور العمل السياسي.
هذه الخصائص تتمحور في هذا السرد المقتضب:
أولاً/ سمية الأفكار التقليدية في مستوى الخطاب السياسي الجديد/ والمقصود هو أن قوى السياسة الدولية قد صنعت رأيا عالمياً جديد، بمعنى أن الكثير من الأفكار السياسية التاريخية قد فقدت مضامينها الحقيقية.
"الثورة"، هذه الفكرة أو الإتجاه السياسي، أصبح "إرهاباً" وأصبح الخطاب التعبوي أو الثوري "تحريضاً على الإرهاب"، ورغم أن المجتمع الدولي لم يصل إلى مقررات قانونية تفصل بين الدفاع عن الإحتلال مثلاً وبين ممارسة الإرهاب، فإننا أمام حقيقة قارة، وهي أن الكثير من المفاهيم السياسية التاريخية فقدت مضامينها الزمكانية، وأصبحت ذات دلالات جديدة، وهي ذات مدلولات عكسية في الغالب. إن أي جديد على شاكلة "صلاح الدين الأيوبي" أو "جيفارا" يسعى التيار الإسلامي أو اليسار السياسي إلى إنتاجهما، سيكونان ببساطة "بن لادن" جديد.
ثانياً/ مفهوم الأمن الإقتصادي "عسكرة الإقتصاد"/ وهذا ما يجعل من الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة تعمد إلى توظيف جنرالات الحرب النتقاعدين كإستشاريين عسكريين، معظم الشركات الأمريكية الكبرى اليوم تحمل مجالس إداراتها "خبراء حرب"، ولهم أراء مسموعة ومعتبرة في توجيه الإستثمارات وتنميتها في مناطق من العالم، أو إلغائها وتجميدها في مناطق أخرى.
إن "عسكرة الإقتصاد العالمي" كمتغير سياسي جديد يحمل العديد من المستجدات على صعيد العمل السياسي، إن أي إتجاه نحو الحرب، تدعمه إسثمارات معينة وترفضه أخرى، قد تدعمه "تجمعات إمبراطوريات صناعة السلاح"، إلا أن معظم إستثمارات التنمية البشرية والإقتصادية المنظمة لا تقبل على دخول مثل هذه المناطق المتوترة.
ثالثاً/ السياسة الداخلية بوصفها سياسة خارجية/ لابد من أن ننتهي من المفاهيم السياسية الكلاسيكية، كالفصل بين الشؤون الداخلية للدول والخارجية منها، إذ أن مجمل الإتفاقيات الدولية في هذا الصدد أصبحت "إرثاً تاريخياً" لا أهمية له.
لا تستطيع أي منظومة سياسي اليوم أن تفترض لها "خصوصية" تتذرع بها عن مسايرة الوضع العالمي الجديد، وليس ثمة اليوم من تجارب مغلقة، بل إن الإتصال الإنساني في مفاهيمه الجديدة خطى "عملياً" ما يتخطى منتجنا النظري بمراحل، حتى أصبح أي حديث عن الإتصال بين الشعوب والحضارات مجرد "ترف إعلامي"، لا أكثر ولا أقل.
هناك تداخل حديث في السياسة الدولية أستخلص منه عدة نتائج، إلا أنها في مجملها لا تنفك عن أن أي فعل أو عمل سياسي في الداخل، هو بالضرورة حديث عن الخارج ومصالحه، لا توجد منطقة وسطى حيادية، الدول اليوم تتداخل في حلقة سياسية معقدة، تصبح معها "مناهج التعليم" في دول الشرق الأوسط، مسألة سيادة وبقاء للولايات المتحدة الأمريكية!!.
إن مشروعات الإرادة الدولية المسيطرة كمشروع الشرق الأوسط الكبير، أو مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي دلالات هامة على إنتهاء وتاريخية العديد من المفاهيم السياسية الرائجة، فحين تتعاطى "الدول العربية" مع هذه المشروعات "صاغرة" فهي مطالبة بأن تكف عن إتهام المجموعات المدنية المعارضة بأنها تنزاح أو "تتآمر" مع الخارج في بعض مراحل عملها السياسي.
لابد من ملاحظة هذه المفارقة بعين الإهتمام، وإعطاءها قدرها من الأهمية في توصيف هذا المؤثر السياسي الجديد. إن أي مراوحة في "التعصب" للداخل فقط، هي نزوح مباشر إلى إنتهاج سلوك "بربري" من منظور الشرعية الدولية الجديدة، والتي تقف على هرمها الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعاً/ الخارج بوصفه "سياسة داخلية"/ إذا كان الداخل هو بمثابة سياسة داخلية، فالعكس ممكن وله حضوره في العمل السياسي، "الخارج" اليوم هو تمثيل مباشر لمصالح ومقررات الداخل، الإمبراطوريات العالمية حين أمرت – وكان من مصلحة الحكام العرب القيام بذلك- بدعم الإسلام الأصولي، كانت تمارس سياسة داخلية في الدول المتحالفة معها، وهي اليوم ذاتها، تعدل من خياراتها عبر الدعوة إلى قمع هذه الأصولية وقبرها.
إن الإلتزام بتطبيق "إملاءات الخارج" هو توصيف هام لإستنتاج أن الكثير من ملامح السياسة الداخلية في الدول العربية، هي "خارج"، وكما ذكرت تأتي ظاهرة الدعوة إلى تعديل "المناهج الدراسية" كأهم الصور السياسية في هذا السياق، قس عليها بعض الظواهر الأخرى كتنظيم المدارس الدينية بباكستان، والتعديلات الدستورية الأخيرة بجمهورية مصر العربية، والتعديلات "الإنفكاكات" الشكلية من قبضة "حزب البعث السوري" على العمل والفعل السياسي بسوريا، وقس عليها الإصلاحات السياسية في السعودية وباقي دول الخليج.
خامساً/ التشكيلات الإجتماعية والثقافية الجديدة/ من الملاحظ أن الرباعي الإجتماعي "الأردن، اليمن، سوريا، السعودية" يمثل أوضح الصور في سوء التموضع السياسي المناسب، فالرباعي الآنف الذكر "إجتماعياً" و"ثقافيا" يعيش مشكلة عالمية. وهي نزوح ثقافته وخياراته الإجتماعية إلى التموضع المواجه لما ترفضه المصالح الإستراتيجية للدول المسيطرة على العالم اليوم، وعربياً، ينتمي أكثر من شاركوا في الهجمات الإرهابية في العواخلال السنوات الخمس الماضية لهذه الدول.
الثقافة اليوم، ليست "ترفاً سياسياً"، بقدر ما هي ضرورة ملحة في سياقات العمل السياسي الحديث، وإن البقاء على "قمع" الحراكات الثقافية والإجتماعية في إطاراتها المدنية يتعبر رهان خاسر، وسواء كان إسقاط هذا الرهان من الداخل أو بفعل الخارج، فالنتيجة واحدة.
سادساًً/ ضمور "التكتلات الإقليمية"، ونهوض التكتلات "السيوإقتصادية" / لابد من مطالعة تلك الإختراقات السياسية التي بدأت في الظهور على أجزاء العديد من التكتلات الإقليمية الدولية، هذا ما نلاحظه في التكتل العربي أو الخليجي، أو حتى تكتل دول الكومنولث لما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي، ثمة رؤية جديدة في مفهوم التكتلات السياسية تذهب إلى إعطاء عاملي الإقتصاد والنظام السياسي الأولوية المباشرة، عوضاً عن الأديان او القوميات والأعراق.
التكتلات الدولية الجديدة تتسم بأنها محدودة العدد كبيرة الطيف، عملياً ثمة الأوربي الأمريكي، وثمة التحالف "الروسي الصيني الكوري الشمالي" وثمة التحالف "الأمركي الياباني الشرق أسيوي" ما يتيح ضرورة إيجاد قراءات سياسية جديدة لتوازن القوى والمصالح.
في الحقيقة، إن هذه التجاذبات الجديدة، هي ما يعطي السياسة حقيقتها التاريخية، بأنها مهنة المتاعب والشيخوخة، فعن أي حسم سياسي يتحدث السياسيون، ليست العملية إلا خوضاً في جدلية الدور والتسلسل لدى الفلاسفة، والدور التسلسل لا نهاية له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي