الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأديب عز الدين جلاوجي و -العشق المقدنس-.

صفاء الهندي

2014 / 8 / 27
الادب والفن


رغم عدم تخصّصي في الادب والنقد إلا أنني نظرا لأعجابي برواية " العشق المقدنَس" ولأهميّتها الثقافية وبناءا على قراءتي وأطلاعي المستمر للرواية العربية والاجنبية لابد من كلمة ولو موجزة حول رواية العشق المقدنس ومؤلفها الاستاذ البارع الاديب عز الدين جلاوجي:



عندما تنكبْ لايسعك رفعُ رأسك ثانية عن الرواية، لااقول عن القراءة.. بل عن العودة من السفر برفقة "العاشق وهبة" فهُما يأخذانك دون ان تشعر لتعيش معهما كل فصول المغامرة، فصول الخوف تارة، ومشاعر العشق والسعادة الابدية تارة اخرى. ورحلة الاكتشاف القسرية وهما يخوضان بين جنان الله الواسعة في الدنيا، التي جمعت بين الجبل الشاهق والتل الأخضر والسفح المائس والهضبة الخاشعة والروض الأفيح والبستان الوارف وجداول الماء وخرير النهر، وروعة الطبيعة وبلاد غاية في الفتنة والسحر بحثا عن الطائر العجيب. عاشق وحبيبته لا يكادا يخرجان من مصيبة حتى يقعان في مصيبة اخرى فلا يجدان الفرصة في الزواج وتحقيق حلم حياتهما. من حصار الى حصار ومن فتنة الى أخرى غيرها. تارة متّهمان بالعمالة والخيانة لهذه الأمارة او تلك وتارة يكونان رسولَين لهذا الأمير او ذاك. وكل طائفة تدعي أنها على الحق وأنها هي الفرقة الناجية. يطوفان بك بين أمراء وملوك "تيهرت" المدينة الجميلة التي تزدهر بالثقافة والأدب والتجارة. المدينة التي تجمع كل الطوائف والمذاهب الاسلامية والصراع الفكري والمذهبي الأبدي القائم بينها والذي أودى بالأمة نحو التفرّق والتشرذم والانقسام والدماء، طوائف ومذاهب وتيارات تحكمها جاهلية وعصبية مقيتة. الصراع الابدي بين طوائف الاسلام وملله ونحله، حتى تنقبض نفسك من ذلك التأريخ مع انقباض روح العاشِقَين وأشمئزازهما كُلّما عصفت بهما مصيبة جديدة، تعيش معهما حِقب زمنية وتأريخية مرّة أستنطقتها قريحة الكاتب واستحظرتها ببراعة منقطعة النظير، الى ذهن القاريء اليوم حتى يعيش ويُشاهد كل تفاصيله التي تُحاكي مشاهد واحداث واقعية اكثر منها تصويرية روائية. لقد تجاوزت الرواية معنى "الحكاية" المألوفة في السرد القصصي او الروائي الى تصوير تأريخ وتقديمه كما هو حاظر دون رتوش. انها اشبه بدراسة او بحث تأريخي برؤية وحقيقة معاصرة.

حالة تأريخية من الخلاف الفقهي أحيلَت الى اختلاف وتكفير وأبادة طائفية ومذهبية دموية كانت ولازالت الأمة الاسلامية تعاني من هذه التبعات. حيث لايوجد للمصالحة والتسامح أي مكان رغم ما يجمع الجميع العديد من الثوابت الدينية والروابط الانسانية واللغوية والقيم الاجتماعية. وغيرها الكثير من الظواهر والسلوكيات الاخلاقية والعقيدية المنحرفة شخّصتها قريحة الاديب جلاوجي الفذّة من خلال ما يتمتّع به من قراءة تأريخية وفكرية تحليلية ثاقبة. فضلا عن تضمين الروائي جلاوجي الرواية برؤية وقراءة ثقافية تجسدت في "المعصومة" ثقافتها مكتبتها الشهيرة والاجواء السياسية لتلك الحقبة المشحونة بالفتن والتجاذبات الفكرية التي قضت بتلف المكتبة رغم دفاع وتضحية "العميد" و "عمار العاشق" دونها. لقد حاول الاديب عز الدين جلاوجي من خلال هذه الرواية تقديم قراءة تأريخية سياسية واسلامية واجتماعية كانت ولاتزال مشحونة بظواهر تنخر جسد الأمة وأن تأريخنا المعاصر ماهو إلا أنموذج أستمد كل حيثياته وتراكماته السياسية والطائفية والشرعية من ذلك التأريخ.

من خلال قراءتنا رواية "العشق المقدنَس" ومحاولة ملاحقة افكاره نجد من الصعوبة استكناه وسبر تجربة الأديب جلاوجي، فهي ثريَة بالأفكار الموضوعية والمواقف المتجدّدة التي تجعل القاريء دائما منشدا للقراءة، لأن قدرة الاستاذ جلاوجي وامكانيّته على السرد المتدفّق التي يتمتّع بها وتركيزه بنقل الأحداث وتصويرها بحركة وتكثيف ما يجعل القاريء منتبها وهو يحاول ألتهام الرواية، شخصيّا، أعتبر هذا أمرا خاصّا يتميّز به الأديب جلاوجي. كما ان له القدرة على صياغة مفردات لغوية جميلة ثرّة ومتطورة متناسبة ومنسجمة مع ما يتناوله من احداث ويعطيه من وصوفات. فضلا عن وجود مميز آخر أمتاز به الأديب وهو البساطة المستعملة في السرد واللغة دون اللجوء او استعارة الفاض ومفردات فلسفيّة قد تكون بعيدة عن فهم وأستيعاب بعض القرّاء. كذلك ابتعاده عن الاطالة والأسهاب في استعمال الشروحات الاخرى سواء اكانت في نقد الحدث او في وصفيّة المحيط، متعمّدا الاختصار بما يكفي وينسجم مع وصف الحالة. في الختام قد يلمس القاريء كما لمسنا نحن، ان هناك غضب وتشاؤم وثورة عنيفة وحزن وأسى كثيف تختلج في دواخل الاديب قد تكون متأتّية من واقعنا السياسي والاسلامي والاجتماعي اليوم، والذي نطقته روح الاديب جلاوجي وكشفته لنا عبر سطور الرواية. في المجمل: نبخس حق الأدب من جهة. والأديب عز الدين جلاوجي من جهة ثانية. ان لم نعتبر روايته "العُشق المُقدنَس" من روائع الادب العربي.


غلاف الرواية
http://im78.gulfup.com/bFo1Aw.jpg








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا