الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مجموعة -البطلة لا يجب أن تكون بدينة- لشيرين فتحي عن دار كلمة للنشر والتوزيع بالإسكندرية.

مختار سعد شحاته

2014 / 8 / 28
الادب والفن


البطلة لايجب أن تكون بدينة.. لشيرين فتحي.
قراءة: مختار سعد شحاته "Bo Mima"
الإصدار::
صدرت عن دار كلمة للنشر والتوزيع مجموعة قصصية جديدة معنونة "البطلة لا يجب أن تكون بدينة" للقاصة "شيرين فتحي" بطبعتها الأولى، وهي كتابها الآخر بعد كتابها الأول الصادر عن دار وعد بالقاهرة "رواية خفة روح". المجموعة "91" صفحة من القطع المتوسط، وتتصدرغلاف المجموعة لوحة فنية بديعة للفنانة "داليا نظمي"، وحقيقة جمال الغلاف لا ينفي التورط من شبهة مباشرة، إذ جاء فيها صورة من الخلف لامرأة بدينة. لسنا هنا بصدد الحديث عن مباشرة الغلاف او عمقه وبعده، بقدر ما يعنينا المجموعة وما فيها، وهو –مرة أخرى- لا ينفي جمال اللوحة بالغلاف.
جاءت المجموعة مقسمة إلى ثلاثة أبواب (باب الورق/ باب الهروب/ باب العدم)، ويتصدر كل باب توطئة بجملة مقتبسة، والأبواب رادفة لإهداءين متتاليين أولهما إلى "أمي" –الضمير يعود على القاصة-، والآخر إلى "محمد".
يجيء الباب الأول والمعنون "باب الورق" طافت فيه الكاتبة بالقاريء إلى عالمها الخاص حيث براءة النص المكتوب وطزاجة الفكرة، فتأخذنا إلى عقل الكاتب وكيف يتكون شخوصه وأبطاله على الورق، ويتصدره النص "بطلة القصة.. البطلة لا يجب أن تكون بدينة" وهو نفس عنوان المجموعة، ولعل اختيار اسم النص الأول وتصديره مغامرة محسوبة للكاتبة، ووحدها تتحمل نتيجتها حين صدرت هذا النص في أول المجموعة باسمها (لا يجب أن...) بمغايرة للدارج (يجب ألا...)، وهو ما ينبه الذهن إلى خصيصة للكاتبة تمسكها طوال المجموعة وهي اللغة.
اللغة المستخدمة وسؤال جديد:
تأتي اللغة في المجموعة طيعة وبسيطة، وفيها من التراكيب ما يدهشنا بقدر، ويبشر بجيل جديد من كُتاب جُدد ملكوا ناصية لغتهم الخاصة المعاصرة، ولكن ثمة إشكالية ترمينها إليها لغة المجموعة، وهو ما رأيته ضرورة أن يتضح لكل من يمتهن الكتابة الآن من هذا الجيل، والذي يندهش بما يمكن وصفه بأريحية "موجة صوفية"، فيتوجب عليه الانتباه للتساؤل:
- هل هي كتابة الصوفية؟ أم صوفية الكتابة؟
ولأرجع الحق لآله، فالسؤال هنا يتناص مع سؤال د. محمد سعد شحاته في مقاله عن سيف الرحبي ويفرق فيه بين نثرية الشعر، وشاعرية النثر، وهنا أحيل الكُتاب من هذا الجيل ممن أخذوا السرد جنسًا للكتابة فيه إلى سؤالي، فالبون شاسع بين الأمرين، تماما مثل ما بين السطحي والعميق. وهو ما يقلق قدر ما يُدهش إذ يتسلل إلى الروح ما يمكن اعتباره "موجة كتابية"، وهذا دافعي إلى السؤال عن سمت الكتابة لا جنسها الأدبي.
البراءة لا تدوم:
تنهي الكاتبة بابها الأول بعنوانيين مباشرين للغاية، "الخروج"، و"ولقد ترك سُليمان ملكه"، وهو ما تعزز به الكاتبة موقفها وطرحها في الباب الأول عن براءة هذا العالم وسحره –عالم الكتابة- وإن أثقلته الكاتبة برمزية مفرطة في كثير من نصوصه، بلا في نصوص المجموعة على طولها، وهي رمزية لها دلالتها في بعض النصوص وترقي بالنص، وإن جاءت مباشرة ساذجة في نصوص أخرى لعل أوضحها نص "أربعة" في الباب الأول، ولعل ما حرى بها إلى هذا الإفراط في الرمزية هو قدر مما حاولت ان تفضحه الكاتبة في نصوص مجموعتها، والحديث عن بعض المسكوت عنه في المجتمع ومواقفه "السخيفة" من المرأة لاعتبارات غير إنسانية، لا تشي سوى بمعاناة طاغية للمراة في مجتمعنا –بل العالم كله- هذا الذي غلب عليه سمت الذكورية المفرطة في عمقه وثنياه البعيدة.
قصص قصيرة أم حالات أدبية؟:
تدفع هذه المجموعة بأريحية إلى اعتبارها "حالات أدبية" لنصوص أدبية تحقق في بعضها السمات الكلاسيكية لفن القصة القصيرة، وحملت في بعضها نوعا آخر من الكتابة الحالاتية، والتي ربما كانت السر وراء تساؤلي عن الكتابة والصوفية وموجتها، ولعل ما يزكي ميلي إلى اعتبار بعض نصوص المجموعة "حالات أدبية" –وهو لا يبخس قدرها الأدبي وقدر كاتبتها- هو الكثير من الاستدعاءات التي دفع بها وعي الكاتبة ولاوعيها في آن، فيأتي مرة عن سابق عمد وترصد، وياتي أخرى عفو الخاطر، وهو ما تتلمسه في تناصات مع بعض المقاطع لأغنية مشهورة أو لتيمتها كما في قصة "البطل المراوغ" الباب الأول، حيث يستدعي النص أغنية الفرصة لمحمد منير، كما يستدعي نص قصة "أبيض" حيث تناص مضاد لقصيدة "هكذا يفعل العاشقون" لمحمد سعد شحاته. ربما جاءت كل التناصات والاستدعاءات والاحالات في بعض نصوص المجموعة عفو الخاطر، لكنها تؤكد على الدوام خطورة الكتاب الأول –باعتبار المجموعة كتابها الأول للقصة القصيرة- ومحاولة الكاتب أن يصدر لنا كل ما يدور في داخله، حتى انه يقدمها ببراءة مثلما حدث في نص "هروب" والذي عقبت عليه الكاتبة بأنه مقتبس عن رواية "طيور الحذر" للفلسطيني "إبراهيم نصر الله". جاء الاستدعاء في مثالي الأخير هذا بوعي تام وقدم لنا نصًا بديعا لا غبار عليه، وهو ما يبدو في بعض المقاطع كاملة بنصها وجملها وكلامتها حين يجيء نقلا من روايتها الأولى "خفة روح" وما يثير بعض الاستفهامات عن سر التمسك بتلك المقاطع، والتي –ربما- لدي الكاتبة تفسيرًا مبررًا ولائقًا لها قد نقدره ونعوّل عليه، وقد نستهجنه ونرفضه رفضًا باتًا.
أظن أن سوق النشر العربي قاطبة في حاجة ماسة إلى دار نشر شجاعة تتصدر لفكرة نشر "الحالات الأدبية" أو المسودات الأولى لنصوص ما، وهو ما درجت عليه كثير من دور النشر الكبرى غير العربية، ويلقى رواجًا بين جمهورها.
الحوار الداخلي في المجموعة:
يعتبر الحوار الداخلي الحادث طوال حالات المجموعة الثلاث من أمتع ما جاء فيها، إذ لا تتوقف "شيرين فتحي" عن حواراتها تلك بمباشرة مرة، وبالتفاف مرة أخرى، زاده جمالا ما تضمنه من بلاغة الالتفات والتراكيب غير الدارجة لبنية الجملة والحوار السردي، ولا يخشى على جودته سوي من بعض المباشرة، وإشكالية الأخذ بيد القاريء نحو الحقائق كلها إما بأوصاف عامة مطلقة أو مباشرة، وهو ما يعزي إلى كونها كتابة أولى في القصة القصيرة، ولا يقدح في تمكنها من أدواتها مع الوعي التام لكل ما تكتب وإن صدر عن لاوعيها "النسوي" كثيرا في مجتمع يقدم الرجل على المرأة درجة بل درجات بلا معنى أو سبب، ويأتي نص "أحمد" مثالا حيًا لتلك الدلالة، كما يأتي نص "التركة" –آخر نصوص المجموعة- وهو يدور في هذا الفلك، الذي حصرت الكاتبة نفسها فيها، وتمكنت في آن أن يكون حصرًا ماتعا بقدر ألمه وقهره، وهو ما تدركه بمجرد قراءة الباب الثاني "الهروب" وما به من مباشرة صادمة.
كل هذا القهر:
تفرد الكاتبة في بابها الثالث الأخير مساحة واسعة للقهر الذي ترزخ فيه المرأة في مجتمع مثل مجتمعنا العربي الصلف في كثير من مواقفه وقضايا المرأة، إذ تجعل من "الموت قهرًا" بطلا خفيًا في نصوص الباب الثالث بشكل مبدع ومتقن وغالب، وإن تردد له طيف هنا وهناك في بقية نصوص المجموعة ببابيها الأول والثاني. عمدت شيرين فتحي إلى توريطنا –إنسانيًا- في هذا القهر، وطالبتنا بذكاء ان يحمل كل منا تركته في هذا القهر من خلال نص ماتع "التركة" وجعلته ختامًا لمجموعتها، كانها تخبرنا بأننا مشاركون في تلك التركة ولكل منا نصيبه فيها، ولكن يبقى في النص قلق بسيط تراه في "شُبهة ميكافيلية" ما صدرتها لنا الكاتبة حين جعلت "جورج" ينبح هو الآخر مثل "باتريشيا" الزوجة المغدورة في كل حقوقها الآدمية والمجتمعية.

تعقيب أخير:
حري بالكُتاب الجدد أن يتعرفوا على قارئيهم أكثر، وأنهم لا يحتاجون في كل الأحيان والنصوص إلى مرشد مباشر أو محلل لدراما النص، وأن لعبة الكتابة هي بالأساس لعب بالأدمغة ماتع ومُلهم متى تمكن الكاتب منه، وأن العالم بصراعه الأبدي بين الخير والشر –وهي الحقيقة- سيستمر بلا ميكافيلية مطلقة، وأنه لو تعين عليهم ترك بعض الأفكار حتى "تختمر" لصار صنعة خبزهم الأدبي "أشهى" وأمتع.
تبقى دلالتان عن تلك المجموعة، الأولى عن الكاتبة وضرورة الانتباه لها من نفسها ومن القاريء، والدلاة الأخرى لدار النشر الناشئة –منذ ثلاث سنوات- والتي صدرت لنا مجموعة متميزة من أعمال أدبية وعلمية ماتعة، بعيدًا عن سيطرة دور النشر وسطوتها وتزاوجها مع رأس مال موجه نحو مركزية قُحة صارت لا تثمن ولا تُغني، وتصبح بها "دار كلمة" علامة مضيئة في الإسكندرية التي تستمر تدهش المشهد الثقافي والفني والأدبي بما تنتجه من إبداعات أو بما تقدمه.
مختار سعد شحاته
Bi Mima










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو