الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة الركن الاساس لبناء المجتمع وتنميته..

محمد حدوي

2014 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تحكي كتب التاريخ انه قبل الف سنة ،وفي القرن الرابع الهجري بالضبط، كان هناك رجل فقير يكسب قوته من عمل بسيط ويخدم قضاة قرطبة في الاندلس عصر ازدهارها ، وهذا الرجل إسمه ابن السقا.وكان هذا الرجل يخفي ما في باطنه من مساوىء أخلاقية، اي هو من طينة ماسماهم القرآن الكريم بالمنفاقين، فارتقى الرجل بنفاقه وشطارته اعلى المناصب في الدولة واصبح يشرف على بيت المال فظهر على حقيقته ومد يده الى الخراج ينفقه على متعه الخاص ومع من يريد، فاغتيل ابن السقا وكانت نهايته..الى حد كتابة هذه السطور، لازالت القصة عادية ، فحتى في زماننا هذا، وعبر تاريخنا الحديث، نحن نرى ونسمع ايضا عن اشخاص متلونين على شاكلة ابن السقا ، اشخاص وصلوا بالتحايل الى البلديات والجماعات المحلية وحتى الوزارات ،أشخاص صعدوا من القاع ومن المجهول وهم يدعون ما يدعون من مكارم الاخلاق ،وماإن ترقوا الى مراكز المسؤولية حيث سلطة الاشراف على صرف الميزانيات الضخمة المرصودة لتدبير القطاعات الموكول اليهم تدبيرشؤونها، حتى شرعوا في التحايل على تلك الميزانيات ،بحيث يتم تحويل اجزاء مهمة منها بشتى الوان فنون التحايل الى جيوبهم الخاصة وتراهم بسرعة البرق قد اكتسبوا العضوية في نادي الاثرياء الكبار ولا أحد يسألهم «من اين لكم هذا؟».
وبالعودة الى قصة ابن السقا، فالجانب العجيب والمدهش في قصته والذي جعلني اصوغ هذه المقالة ، هو يوم موته .ففي ذلك اليوم ،اجتمع القضاة في قرطبة ايام كان للقضاء هيبته ، اجتمع القضاة برئاسة قاضي يدعى سراج بن عبد الله،وتأكد لهم ان ابن السقا لم يكن يملك شروى نقير وبعد وفاته خلف لأهله تركة طائلة، وراعهم ان التركة جُمعت من مال حرام ونُهبت من أموال الشعب فأجمع الفقهاء على بطلان وصيته، وأن تؤول جميع الأموال الى بيت المال، أي الى وزارة المالية في وقتنا الحاضر. وهكذا سبقت الدولة الاسلامية في الأندلس عصر ازدهارها وعظمتها دول العالم بإقرار مبدأ وقانون «من أين لك هذا؟»، الذي لم يعرفه العالم المتقدم الا في العصر الحديث.وبسبب هذا القانون وحده –قانون من اين لك هذا؟-وضع المسلمون انذاك وبعدهم الغرب عجلات حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على السكة الصحيحة لمحاربة امثال ابن السقا ومن يسير على منواله في الأحزاب والبلديات والجماعات والجمعيات والوزارات ...إلخ ،حتى لاينتشر وباء الفساد الذي اينما حل كالطاعون وإلا وأذن بخراب العمران البشري كما قال ابن خلدون في كتابة الشهير"المقدمة".
لاشك اليوم، ونحن في زماننا هذا ايضا، ان الكل يعرف ان الفساد أو سوء الادارة الحكومية تعاني منه جميع دول العالم المعاصرة، الفقيرة والغنية على السواء، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن ما لايعرفه الكثير هو ان الحكومات الجيدة هي تلك التي تحيل مرتكبي الفساد أو المتهمين به الى ساحة العدالة والقضاء،وهنا اتحدث عن القضاء النزيه وليس القضاء المسيس الموجه سياسيا عن بعد بالتليكومند، وشتان بين هذين النوعين من القضاء ياسادة.
العدالة هي الركن الأساس الذي تعتمد عليه عملية بناء المجتمعات وتنمينها ومن دونه يغط المجتمع في الفوضى، والحاجة إلى العدالة والتنمية ،ولاأقصد هنا الحزب الحاكم في البلاد او في تركيا ،وإنما اقصد العدالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتحقيق رفاهية المواطنين وضمان الحقوق كان السبب في نشوء الحكومات كما يقول الدارسون، حين تفشّى الظلم و نهب الحقوق على يد الأقوياء منذ أن عرف الإنسان الزراعة وامتهنها وصار هناك جهد يبذله الأفراد لأجل تحصيل القوت.. فقد يأتي من يأتي ليجني في نهاية الحصاد جهود الآخرين بقوة الذراع او الحيلة تحت مسميات واهية شتى. إن الجهاز القضائي أحد أهم الأجهزة في الدولة، بلا مؤسسة قضائية جيدة ونزيهة و بعيدة عن التأثر بسلطات أخرى يصعب القول إن هناك دولة تضمن حقوق مواطنيها خاصة إذا كثر في الدولة رجال من طينة ابن السقا وما أكثرهم بيننا في عالم اليوم في بلادنا..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر