الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيقاع في قصيدة النثر 1 /3

علاء عبد الهادي

2014 / 8 / 28
الادب والفن


الإيقاع في قصيدة النثر (1)/ (3)

دكتور علاء عبد الهادي*

مما لا شك فيه أن ما يسمى بالنثر الفني كان سببًا في اضطراب الآراء حول الشعر والنثر والعلاقة بينهما، ومثل هذا الفهم للعلاقة بين الشعر والنثر, يتيح لنا أن ننظر بطريقة جدلية إلى المشكلات الخاصة بالحدود الفاصلة بينهما، وكذلك النظر إلى الطبيعة الجمالية للأشكال الأدبية المتماسة، كما هو الحال – مثلاً– في قضية كقضية قصيدة النثر، وهنا تبدو لنا مفارقة تثير الفضول، ذلك أن النظر إلى الشعر والنثر بوصفهما بناءين مستقلين تماما, قابلين للوصف دون الإشارة إلى أية علاقة متبادلة بينهما، فنعتُ الشعر بأنه الكلام الموزون المرتب على نسق ما، ونعتُ النثر بأنه الكلام العادي, يُفضي –على غير المتوقع– إلى استحالة تخطيط الحدود بين هاتين الظاهرتين، إذ إن الباحث حين يصطدم بوفرة الأشكال الفنية المتوسطة بين طرفي الشعر والنثر, يكون مضطرًا إلى أن يستنتج أن إقامة حدود معينة بينهما, أمر غير ممكن على وجه العموم.
ذكرت في أكثر من دراسة, إنني أنْظُر إلى قصيدة التفعيلة بوصفها شكلاً معاصرًا لقصيدة العمود, تحمل تراثَ القصيدة العمودية الإيقاعي, وتحافظ عليه. فلا يمكننا الدخول إلى قصيدة التفعيلة دون معرفة جيدة بالثقافة العروضية, أي بكل عناصر الشعر القديم على المستوى البنائي, من هنا كانت شرعيتها السريعة, وإمكانية تجاوزها السريع أيضًا! ويتفق الكثيرون معي في أنه للبيئة الثقافية التي خرج منها العروض العربي إيقاعاتها النفسية المختلفة عن غيرها من الأمم من جهة, وعن إيقاعات حياتنا المعيشة -هنا والآن- من جهة ثانية. وقد عبَّرت هذه الإيقاعات التراثية -في وقتها- عن روح زمانها, أما ما يجاهد الشعراء والنقاد السلفيون من أجل تحقيقه, فهو استدامة هذه الروح الإيقاعية –دون الالتفات إلى شروط إنتاجها- بعد أن حاولوا تأبيدها بوصفها جوهرًا, لا نتاجًا تاريخيًّا لمرحلة ثقافية وجمالية ولَّت, ولبيئة ثقافية انقضت. إن العروض العربي التقليدي لا يزود العمل الشعري -في بيئته الثقافية الحالية- إلا بإيقاع شكلي من خارج روح القصيدة, ولا أغالي إذا قلت إنه من خارج روح الشاعر أيضًا, هذا إذا اتفقنا على أن للإيقاع الفني علاقة وطيدة بالزمان وبالمكان اللذين ظهر فيهما. إن الشعر الحديث, كما قال فلوبير, بصدد حديثه عن بودلير قد أضحى "قوة ضد هرطقات الرومانسيين والواقعيين, وضد ما يلزم عن ذلك من هرطقات الانحياز, وإدعاء احتكار الحقيقة والأخلاق". كان رد فعل فلوبير عميقا ضد كل ما يسمى أدب النوع, وضد الأعمال التي تتملق الجمهور بأن ترد له صورته الخاصة في شكل أبطال ذوي نفسيات منسوحة مباشرة من الحياة اليومية, معاديًا الطفح العاطفي, والقوالب الأسلوبية السهلة للنزعة الرومانسية, وشعر الدعاية الاجتماعية, ونزعة تقديس الإيقاع. وهذا قريب مما تتوخاه جماليات قصيدة النثر المعاصرة, وهي قصيدة اصبحت مهيمنة الآن على مشهد الشعر المعاصر, كمًّا وكيفًا, وتمثل مرحلة تاريخية أخرى من مراحل تطور الشعر العربي, سيتم تجاوزها, على نحو أكيد!
قَالَ أبو عابد الكرخي "النثر أصل الكلام, والنظم فرعه, والأصل أشرفُ من الفرعِ". وهناك من ربط جماليات النثر بالشعر, قال بن سيرين: "الشعر كلام عقد بالقوافي, فما حسن في الكلام حسن في الشعر, وكذلك ما قبح منه", أما نزع الشعرية عن النثر وكأن الشعر أشرف, كأن الشعر موجود طبيعي له جوهر مثلُ الحديد أوالنحاس, فحكم يتسم بالجهل تارة, وتسييس الأدب تارة أخرى, ويقوم على احتراب كاذب, وذلك لعدد من الأسباب منها؛ أن قصيدة النثر ليست في حاجة الآن إلى الاعتراف, بل هي التي تمنح الاعتراف–لو كان هناك اعتراف أصلاً- "فالفن هو كل ما يسميه الانسان فنًّا, والجميل هو كل ما يسميه الانسان جميلاً, والضفدع جميل في عين الضفدعة", كما يقول أُمبرتو إكو, وهذا ما ينطبق على قصيدة التفعيلة وقصيدة العمود, كما ينطبق على قصيدة النثر أيضًا, وعلى قضية الاعتراف بها ونسبيته, وأريد أن أرجع في هذا السياق, إلى أبي العتاهية حين أشار إلى حد مهمٍّ في الشعر, لم ينتبه إليه الكثيرون حين قال "إن أكثر الناس يتكلمون بالشعر وهم لا يعلمون, ولو أحسنوا تأليفه, لكانوا شعراءَ كلّهم", فإذا أولنا هذه العبارة يمكننا أن نقول إن النثرية حد في الشعر من بدايته على مستويي المنطق واللغة. وأذهب إلى أن العبارة النثرية أو اليومية لا تتميز عن العبارة الشعرية المعاصرة كثيرًا, فالمجموع الشعري هو الذي يمنح العبارة على نحو ما قوتها الشعرية, إن التوقف أمام السياق, ونحو الخطاب الشعري, أهم كثيرًا من التوقف عند تخوم العبارة, ونحوها, وبلاغتها الجزئية, فعوالم الشعر الممكنة -في النص الشعري المعاصر- لم تعد تتشكل من نحو القصيدة, أو نحو العبارة, بل أضحت تتشكل من نحو الخطاب. بل إن جزءًا كبيرًا من الشعر المعاصر لم يعد يتخلق من شعرية الجملة, بل أضحى يَصدر من شعريةPoetic الخطاب, من قصديةٍ شعرية ما مستبطنة, لها أدواتها التي تقصدها المبدع في أثناء الكتابة, وقد أشار إلى هذه القصدية في ذكاء ابن رشيق القيرواني حين ذهب إلى أن "الشعر يقوم بعد النية من أربعة أشياء وهي اللفظ والوزن, والمعنى, والقافية", إن النيةَ إذًا شيءٌ أساسي في العملية الشعرية, فهي التي تحدد الفضاء البلاغي الذي سيحلق فيه النص, ارتباطًا بشعريةٍ Poetics ما.

* (شاعر ومفكر مصري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة