الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2014 / 8 / 29
الادب والفن


يعجني الصمت، وتستقبلني نسمات حارة ترتطم على خدودي إيذانا بنهاية الصيف، أمتطي الحافلة، أجلس في الصف الثاني، الحافلة تأخذ رحلتها صوب بوزنيقة، على ضفاف الشارع الكبير بمدينة بنسليمان، أمواج بشرية تراوح الهبوط والصعود، على القارعة باعة متجولون، وجموع من المتسولين يربضون قرب المحلات والمساجد، وعلى أبواب الدكاكين أغلبيتهم من النساء الشائخات يحملن على ظهورهن أطفالا، في الصف الأمامي يجلس رجل شائخ يتحدث عن الحرارة المرتفعة التي عمرت بالمدينة في هذه الآونة، يعلن أنها قدر مقدر، وما على الإنسان سوى الاستسلام لمشيئة الإله، يشاطره في الرأي صاحب الحافلة معتبرا أن الإنسان وجد في العالم ليتألم لكي يختبر الإله مدى قدرته على العبادة !!! و يضيف الرجل أن هذه الحرارة ليست سوى جزء ضئيل من حرارة جهنم، وعلى الإنسان أن يستعد لتحمل الحرارة المقبلة، بمعنى أنه محكوم عليه بالألم في كلا العالمين، ويبرر الرجل هذا الزعم بالقول أن الإله قوي، وبالتالي على الإنسان أن يعبده راجيا رحمته !!! لكن كيف يمكن لمن يملك القوة والجبروت والقسوة، و يتسم بالسادية، وأكثر توقا لإذلال عباده أن يكون رحيما ؟؟؟ كيف لمن خلق الحرارة المرتفعة وخلق عبدا غير قادر على مواجهة الحرارة المرتفعة أن يكون رحيما ؟؟؟ أليس من الواجب على الرحمة أن تحاسب هذا الإله القوي الفاقد لكل رحمة ؟؟؟!!
تواصل الحافلة سيرها، ومن حين لآخر تتوقف بالعة بشرا جددا، لكن الذي لفتني هو همجية هذا النوع من البشر، إنه يتصارع من أجل الحصول على مقعد، ومن أجل ذلك تتمزق ملابس، وتتشابك أياد، حتى الزبونية تجد موطئا لها في هذه الحافلة القذرة الموبوءة بالدخان الذي يزكم الأنوف، ويلوث الطبيعة، وينشر السرطان الفتاك في ثنايا المدينة، العديد من الأشخاص يصعدون إلى الحافلة، ويستولون على أكثر من مقعد من أجل أشخاص يعرفونهم، ربما سيصعدون في نقطة أخرى، هذه هي العقلية البريمية التي تعتقد أن المقعد في ملكيتها تعطيه لمن تشاء، إنها عقلية تخشى الذهاب واقفة، فتحرم آخرين من الركوب، ولا تستطيع أن تحتج يوما من أجل حافلة تصون كرامة الراكب، وتضع حدا لسياسة التكديس كأن الحافلة علبة سردين. العقلية السليمانية عقلية انبطاحية، ليس لديها القدرة على النظر إلى الفوق، إنها تخشى ذلك وتحب أن تتلذذ بحقارتها، بل إن هذه الحقارة تقذفها نحو نفسها، ويكفيني أن أذكر العراكات التي تنشب بين العقول السردينية-البريمية داخل الحافلة، والأمر يعود إلى أتفه احتجاج يقع بينها !! فالنعاج تتناطح فيما بينها !!! أغادر الحافلة كمن خرج من السجن، فهي ساخنة كالحمام، مملة كالضجر، وأصوات الرعاع كخوار البقر، لا فرق !! أغادر عالما رعويا، ويستقبلني آخر بغباره الأسود الداكن، أتجول كالتائه، لا أعرف أية وجهة، إنني في السوق بضجيجه المقرف، أحس بعطش جديد، أشتري عصيرا، وأرحل بين الزقاق، يلفتني حذاء، أقتنيه، البائع المغربي يحتاج إلى مفاوضات، فالثمن دائما يتجاوز الحدود، حتى السياح فطنوا إلى هذه المكيدة، لقد قال لي أن ثمن الحذاء هو 200 د، قلت له 80 د، وبعد طول مفاوضات استقر رأيه عند المائة، لكن في الأخير اشتريته بتسعين د، لم يستسغ الأمر، فقال لي :
- أنت شلح !!
بمعنى أنني أمازيغي، فهذا الأخير عند العرب بخيل وشحيح خصوصا أمازيغ سوس الذين يلازمون دكاكينهم من أجل تكديس المال، وكنزه، وفي هذا السياق كثيرا ما نسمع بعض القرويين العرب يقولون أن سواسة (أمازيغ سوس) اقتحموا المقابر بكشافهم الضوئي بحثا عن كنوز التي لطالما كنزها القرويون العرب منذ زمن بعيد في المقابر صونا لها من الجنون أو الكائنات الشريرة في اعتقادهم .
أندس بين الباعة باحثا عن ملابس، لا أعثر على شيء، أشتري محفظة وحذاءا، وأغادر السوق، أتوغل في بوزنيقة، على طول الشارع الرئيسي يلفتني بعض الشباب يمارسون النكان، لكن الفتيات يتأففن رغم رغبتهن في ذلك، أواصل سيري، وفي الأخير أجد نفسي عند نقطة الحافلة، أصادف رجلا يحمل محفظة، يبادرني بالقول :
- ما رقم الحافلة المتوجهة إلى بنسليمان، لقد كثرت علي الأرقام يا ابني ؟؟
رديت عليه قائلا :
- إنني تائه وسط الأرقام، فالإنسان ليس رقما، بل هو كائن ممتلئ بالوعي والحرية والقيمة والكرامة والعاطفة والجنس والحب...، إنه كائن متعدد الأبعاد، لكنه مهدور ومقموع ومختزل، والعيب يعود إلى منظومتنا التنشئوية ...
أعجبته فكرتي، ثم أتمم مضيفا :
- يا ولدي، إن هؤلاء الذين يتحكمون في رقاب هذا الشعب لا يريدون منه أن يعي ويفهم حتى لو أراد هو الفهم، فهم من أجل ذلك يضعون الحواجز و المتاريس، وينظمون المهرجانات والتفاهات من أجل استحماره، فنبركة على سبيل المثال دافع عن الشعب، لكنه هرب من الوطن صحيحا فصيحا، فعاد إليه ذائبا في سائل حمضي (لاصيد)، إن من يعي داخل الجماهير القطيعية، ويسعى لتنويرها تطاله الملاحقة، لأنه خطر على البورجوازية الكمبرادورية التي تأتمر بأمر أمريكا قائدة الرأسمالية العالمية ..غير أن الاستحمار هو استحمارنا، أنظر إلى هذه الدواب التي تتصارع من أجل المقاعد كالحيوانات التي تتصارع على العلف !!

عبد الله عنتار/ بنسليمان - المغرب 28 غشت 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة يحتفل باليوبيل الفضي لتأسيس بيت العود العربي في الق


.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي




.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر


.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1




.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر