الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صمت تراكمت فيه الأنا

بيسان سيف

2005 / 8 / 13
الادب والفن


لملمت بقايا صوته في ذاكرتها .. عندما حادثها هذا المساء عبر الهاتف .. محاولاً إقناعها بالعدول عن قرارها ..
" لمَ عليّ الرضوخ لأوامره .. أ لأنه زوجي ، وواجبي طاعته ؟ .. ويقول حكّمي قلبك .. طبعاً .. يعلم أن حبي له نقطة ضعفي .. لكن لا .. لن أضعف .. سأذهب غداً لأقدّم أوراقي للعمل .. خمس سنوات مذ تخرجت ؛ ولم أحصل على وظيفة تناسب تخصصي .. وبعد أن صافح الحظ سنين انتظاري .. يرفض تلك المصافحة .. بكلمة واحدة .. لا .. ما أسهل تلك الكلمة .. عليك .. لكن ما أسهلها أيضاً عليّ .. أنا أيضاً أستطيع قولها .. لا .. سألتحق بالعمل .. سأشقّ طريقي .. اهتممت بك .. بطفلنا .. بالبيت .. تركت طموحي ينتظر موعده .. والآن عليّ الانتباه لنفسي .. "
رفعت لبنى عينيها .. لسكون القمر أمام غيوم عابرة تشاكسه .. لا تدري لمَ شعرت لحظتها بأن زوجها ينظر إليها .. ربمـا القمـر ومشاكسة طيف الغيوم لـه .. ذكّرها بزوجها .. ابتسمت مخفضة عينيها .. كأن من يراها حقاً هو زوجها .
" آه عزيزي عمر .. لمَ قسوتك على من تحب " .. نظرت لساعة يدها .. كانت الواحدة بعد منتصف الليل .. رفعت عينيها لنور القمر مرة أخرى .. تناجي زوجها .. " أظن أن كرى النوم قد تدفأ بين جفنيك الآن .. أم هل تشكو زوجتك للقمر .. "
شعرت لبني أن هناك من يرقبها .. التفتت يمنة .. وجدت والدتها تقف بباب الشرفة .. " ظننتك في غرفتك ؛ ولم أجد سوى ابنك نائماً لوحده .. " تابعت متسائلة .. " ما الذي قررته يا ابنتي ؟ "
السؤال الوحيد .. الذي اختبأ رافضاً اعتناق أي إجابة .. ربما الخـوف من نتائجه ..
أجابت لبنى .. دون أن ترفع بصرها لوالدتها .. " سأذهب غداً لأقدم أوراقي للالتحاق بالعمل "
- هل تودين الخراب لبيتك .. زوجك بمدينة .. وأنت بأخرى ..
ردّت لبنى بعصبية .. " لمَ لا يأتي ليعيش معي هنا .. بإمكانه ذلك .. فالمؤسسة التي يعمل بها .. لديها فرع هنا .. إذن المشكلة هو من أختلقها ولست أنا .."
- يا ابنتي .. زوجك يعمل هناك منذ سنين ، ومن الصعب عليه أن يترك المكان الذي ألفه ..
- وما ذنبي أنا .. أريد أن أصبح شيئاً له قيمة .. لا زوجة وأماً فقط .. أريد أكثر من ذلك .. لمَ درست إذن .. لأجل زوج وطفل فقط ؟ .. استطردت لبنى وكأنها تذكرت شيئاً .. " هنالك حلّ .. نهاية كل أسبوع إمّا أن أذهب عنده .. أو يأتي عمر هنا .. مع إنه حلّ عقيم ومضحك .. "
قاطعتها والدتها غاضبة .. " من المؤكد أنّه حلّ عقيم .. أنسيت الحواجز .. هل ستتحملين سخافة وإجراءات الجنود الصهاينة على كل حاجز ؟ .. وزوجك هل عليه الانتظار ساعات كي يُفتح الحاجز .. هذا لو فُتح يومها ؟ .. ابنك .. ألم تفكري به للحظة فقط .. ما ذنبه .. أم تودين له أن ينتظر على أحد الحواجز ؟ .. ليرى والده ليوم واحد فقط .. فعلاً طموحك سيخرب بيتك .. "
أمسكت لبنى برأسها وكأنها ترفض سماع والدتها .. وكمحاولة لتغيير الموضوع من أصله .. سألت لبنى .. " عندما بحثت عني .. كنت تودين قول شيء .. ما هو ؟ "
اتجهت والدتها نحو الداخل ؛ وصوتها يصل لابنتها .. " آه .. نسيت .. كنت أود القول .. بأنه قد جاء - قبل قليل - خبراً عاجلاً .. في التلفاز .. بأن القوات الإسرائيلية اقتحمت رام الله .. "
غاب صوت والدتها بولوجها للبيت أكثر .. نهضت لبنى هلعة .. دخلت للصالة مسرعة نحو غرفتها حيث يرقد ابنها الصغير الآن .. فتحت باب الغرفة بقوة .. أشعلت نور المصباح .. اتجهت حيث حقيبتها .. أخرجت هاتفها المحمول .. بيدين مرتعشتين .. وقلب مات لحظة سماعها الخبر .. لحظت دخول والدتها .. تململ ابنها من ضوء المصباح والجلبة التي أحدثتها .. طلبت رقمه بأناملها .. الهاتف ملتصق بأذنها .. كأنها تخاف هروب رنّة أو كلمة دون سماعها .. وصلها الرنين .. ارتاحت .. لا مجيب ؟ .. حاولت مرة أخرى .. أيضاً لا مجيب ! .. هرب البريق من وجهها .. اكتسى صفرة أوراق الخريف .. اقتربت والدتها منها .. جلست بجوارها قلقة .. استيقظ ابنها .. نظراته استشعرت خطراً ما ..
ربما أخطأت في رقم ما .. ضغطت بأصابعها على أرقام الهاتف .. وصوتها ينطق كل رقم على حدة .. حتى تتأكد بأنها لـم تخطئ .. رنين .. أيضـاً لا مجيب ! .. نظرت لوالدتها بصوت باكٍ .. " لمَ لا يرد ؟ "
جاءها صوت ابنها كبرودة مياه أنعشت جسداً لسعته حرارة الصيف .. " ربما بابا جعل هاتفه النقال في وضع الاهتزاز .. أنسيتِ .. كان قبل أن ينام يلغي الرنين .. "
فرحت لبنى .. " نعم .. نعم .. كل ليلة يفعل هذا .. لكنني سأطلب رقمه حتى يستيقظ .. "
تساءلت والدتها مستغربة .. " ابنكِ يقول .. لن يسمع زوجكِ الرنين " .. أجابت لبنى بعنادٍ " لن يسمع .. لكن سأكثر من طلبي للرقم .. مع كثرة الاهتزازات سيتحرك الهاتف من مكانه ويقع .. عندها سيعلم أنني أتصل به .. سأحاول حتى أسمع صوته .. "
نهض ابنها من سريره .. اقترب منها قلقاً .. نظــرت إلى عينيه .. أحست بالذنب .. عانق صوته سمعها .. " ماما .. لمَ إصراركِ على الاتصال بهاتفه المحمول .. اتصلي بهاتف البيت .. "
ضربت لبنى رأسها بكفّ يدها .. كيف نسيت أن لديها هاتفاً في البيت .. طلبت الرقم .. ألصقت الهاتف بأذنها .. وصلهــا الرنين .. فرحـت .. الآن سيسمع .. لا .. لا مجيب .. لمْ يرد .. لاحظت اليأس في عيني والدتها .. " هاتف البيت يرن .. لكن لا مجيب .. " ، تطلعت لابنها الصغير مستنجدة .
وقفت تجوب الغرفة .. محاولة طلب الرقم أكثر من مرة .. تارة تطلب زوجها على هاتفه المحمول .. وتارة أخرى تطلبه على هاتف منزلهما .. حتى لربما سمع جيرانهما هناك .. الرنين .
تلاطمت أمواج خوفها ، مرسلة زبدَ قلقها إلى رمال أملها ؛ بأن يكون زوجها بخير .. " يا رب .. طمئن قلبي يا الله .. يا رب " .. نظرت لوالدتها باكية .. لمْ تستطع كبح دموعها وهي تقول .. " مؤكد حدث له مكـروه .. ربما قُصف البيت .. أو ربمـا اعتقلوه .. فرجـل بمفرده في البيت .. يعني للجنـود الصهاينة الكثير .. " ، نهرتها والدتها وكأنها تطلب منها التماسك أمام ابنها .. نظرت لابنها .. ابتسمت له رغماً عنها .. طمأنته قائلة .. " ربما والدك بعيد عن الهاتف الآن .. مؤكد أنه منشغل بكتاباته .. أو ربما هو نائـم .. لا تقلـق صغيري .. " ، أكانت تحاول طمأنة ابنها .. أم طمأنة نفسها .. قررت بينها وبين نفسها .. ما أن تبزغ الشمس حتى تأخذ ابنها وتذهب لزوجها .
طلبت مرة أخرى رقم هاتفه المحمول .. أيضاً لا مجيب .. " هـذه المرة الأخيرة .. سأحاول " .. طلبت .. انتظرت الرنين .. تأخر الرنين .. " لمَ ؟ .. " انتظرت .. فجأة جاءها صوت امرأة تعرفه .. " جوال مرحبا .. الهاتف الذي تطلبه الآن .. مغلق حالياً .. يرجى إعادة الاتصال فيما بعد " .
صرخت لبنى .. فرحة .. أخذت تدور حول نفسها .. " لقد أغلق الهاتف .. لقد أزعج الرنين نومه فأغلق الهاتف .. إنه بخير .. وصله صوت الرنين .. لامست أصابعه هاتفه باحثاً عنه في الظلمة .. أمسكه فأغلقه .. إنه بخير .. بخير .. "
نظرت حولها .. رأت والدتها وابنها وقد استغربا حالتها .. فإذا بابنها يشاكسها مبتسماً .. " وهل ستسكتين له ؟ .. لقد أغلق الهاتف في وجهك ! "
ضحكت لبنى .. احتضنته .. نظرت لوالدتها .. ألفتها مبتسمة .. تغلّف وجهها إشارة استفهام لحالة ابنتها .. قبل .. وبعد ..
تسرّب صوت رنين هاتفها من بين يديها إلى مسامعهم .. هتف ابنها .. " هذا بابا " .. عرف نغمة والده في هاتف والدته ..
أجابت لبنى مكالمة زوجها بلهفة .. " حبيبي .. كيف حالك .. نعم .. نعم .. نحن بخير عمر .. لا تقلق .. لا .. كلنا بخير .. غداً سأقول لك .. ليس الآن .. طبعاً غداً سأكون عندك .. المهم أنك بخير .. لا .. فقط أحببت الاطمئنان عليك .. وأن أقول لك قبل أن تنام .. تصبح على خير .. لا تقلق عزيزي .. أحبك .. "
أنهت لبنى مكالمتها .. جلست على سريرها .. بجوار والدتها .. احتضنتها .. قبّلتها .. أرادت الضحك بأعلى صوتها .. لقد اطمأن قلبها ..
جاءها صوت والدتها بسؤال .. سمعته قبل نصف ساعة .. " ما الذي قررته يا ابنتي ؟ " .. ابتسمت لبنى قائلة " سأرجع إلى زوجي .. لكن هذا لا يعني أنني تخليت عن طموحي .. بل سأبحث عن العمل الذي ينصف تخصصي .. لكن حيث زوجي .. كلّي أمل بأن تتغير الأحوال للأفضل " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع