الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبيط...الشوك الدامى-الفصل الخامس عشر

أنور مكسيموس

2014 / 8 / 31
الادب والفن


الفصل الخامس عشر
لم ينم بلال ليلتها وظل يتقلب على الفراش طوال الليل وهو يحسب ويعيد حساباته, فهو يريد الامساك بزمام الامور, عن طريق فعلته الشنعاء هذه وقد استمرأها , وفى نفس الوقت يخشى افتضاح أمره, وهو أمر يعلم عاقبتة, وخصوصا من كبير المطاريد, الذى يستطيع تقديم أى خدمة لهمام وبكل الوسائل.
وأحيانا يفكر فى طريقة لابلاغ عبد الرحمن بك بما يدور من حوله, فيمتلأ رعبا من ردة فعله, فيعود الى حله الحالى والذى لا يخلو من مخاطر. فكلما استقر على حل ظهرت أمامه محاذير شتى, حتى أصبح فى شتات من كثرة أفكاره, وأصبح أقل تركيزا وأكثر عصبية وتوتر طول الوقت, وقد لاحظ عليه ذلك عبد الرحمن بك.
وعلى الناحية الآخرى, كانت سيدة تعد العدة لانهاء موضوع حجاج, وزواجه من سوسن بطريقتها التى تخيلتها.
فكانت تستمع لولدها وتعطية النصائح التى ظنت أنها تجعل الفتاه تتعلق به... من المسكنة الزائدة والاحترام المبالغ فيه, واستجداء العطف بفقره وفقر عائلته, والحديث عن ما أوسع الهوة بينه وبين من يحبها!.
وأخيرا خطر لها كيف تسقط الفتاه فى حب حجاج, وتذيب كل العقبات والفواصل بينه وبين سوسن بنت البك المفتش. وهو أن يقبلها وينشئ علاقة فى السر بينه وبينها, ثم تقوم سيدة بنشر الشائعات بحب الفتاه لحجاج وسقوطهما فى العلاقات المحرمة, فيسعى أهل الفتاه ويسرعون – البك المفتش وزوجته فريدة هانم - لاخفاء الفضائح بزواجه من ابنتهم, ويكون همام وزوجته أصحاب فضل عليهم – اى على البك المفتش وفريدة هانم - لانهم قبلوا هذا الزواج!...
وقد ترك همام الامور لزوجته تسيرها كيفما شاءت, فى نهاية الامر سوف يكون هو أبو البك والمهيمن المسيطر على كل شئ, وكل ما حوله, فانصرف الى لعب " السيجة " وشرب الدخان والسهر مع رجال البلدة من شاكلته...
فى الصباح, أيقظت سيدة ولدها حجاج مبكرا جدا, قبل ان يستيقظ همام, وانتحت به جانبا توقظه, وتوقظ ذهنه لما أزمعت أن تنصح به ابنها. وقد اسرت له بأن يتحين الفرصة لتنفيذ خطتها القذرة.
لا يهم اليوم أو غدا أو بعد غد, المهم أن يضع ذلك فى رأسه وفى ذهنه. ويكون فى مكان مستتر بعيد عن العيون والاسماع.
وقد سألته عن أماكن الفيلا التى يمكن أن يتواجد فيها دون لفت للأنظار, واستقر فى رأيها حسبما سمعت من وصف ولدها, أن غرفة الغلال هى أفضل مكان, حيث تمر السيدة فريدة وابنتها فى طريقهما على تلك الغرفة لكن من بعيد!...
وبعد أن خرج همام وحجاج, كل الى عمله, قامت بتنظيف البيت حتى ازف الظهر, فالتفت "ببردتها" وانسلت خارجة الى السوق تقصد شاعر الربابة...
وصلت السوق لتجد كثير من الرجال والصبية والاطفال يتحولقون حول شاعر الربابة...
يحكى لهم نفس الحكايات, ويعلق عليها كل مرة بنفس الطريقة, ويضحكون وكأنهم يسمعونها لاول مرة, وكثير منهم يستلقى على ظهره من شدة الضحك الهستيرى وكأنهم يريدون ان يراهم الآخرون وهم يضحكون...
عندما رأها شاعر الربابة من بعيد أوقف تمثيليته وراح ناحيتها والجميع فى فضول تحركوا بعيونهم نحوه وهو يذهب فى اتجاه سيدة...
أسرت له بأن يذهب اليوم بعد العصر الى ناحية فيلا المفتش عبد الرحمن بك, ويلقى بمواويله هناك.
فهم اللئيم مقصدها بزيادة, وانها مصممة على هدفها, وخصوصا أنه عرف علاقتهم بكبير مطاريد تلك الناحية وأشدهم خطرا وغدرا...
نفحته قرش صاغ, فاندهش من ذلك الكرم الفياض, وأكد لها أنه لا يهتم ولا يخاف البك المفتش أو غيره, وانما رضاها هى عنه.
شكرته وانصرفت, وعاد هو لحلقته, وقد رأى الفضول والغمز واللمز حوله, وقد أسعده ذلك, وقال لهم: عقبال ليلتكم, واختصر وقام باستكمال مواويله...
لكن الشئ الذى لم تعمل سيدة حسابا له, هو أن الوقت الذى يذهب فيه شاعر الربابة هو وقت عودة عبد الرحمن بك, وفترة نومه.
هذا وقد مرت سيدة على السوق, بعد انتهاء مهمتها الرئيسية, واشترت احتياجاتها, وعادت الى البيت.
........................
عاد بلال وهو يلهث خلف عبد الرحمن بك, لهثا شديدا, وقد قال له عبد الرحمن بك: انك اليوم على غير عادتك. اذهب واسترح الآن!...
لم يشأ بلال الذهاب الى المنزل لشدة تعبه وقرر أن يتكوم خلف الفيلا فى أحد الاماكن النظيفة, وراح فى سبات عميق.
ما ان غفا بلال قليلا حتى وصل الى سمعه صوت شاعر الربابة, فطار النوم من عينه وقرر أن يذهب اليه, قبل أن يستيقظ عبد الرحمن بك, ولكن بعد فوات الاوان. فقد استيقظ عبد الرحمن بك, ونادى على الخدم, فهرولوا نحوه, لكنه قرر أولا ان يستمع لما يقوله هذا العجوز. هناك شئ ما غريب!...
بعد أن استمع الى قصة الفارس الفقير والبنت ذات الحسن والجمال بنت ذلك الرجل العجوز والغنى وصاحب الأمر والنهى فى بلدته.
أمر الخدم ان يحضروه اليه, وقد نزل الى باب الفيلا, وفوجئ ببلال يقف خلفه فسأله:
ألم آمرك أن تذهب الى بيتك وتستريح؟
- نعم يا باشا لكننى بقيت لأى أمر تأمر به. هكذا أجاب بنفاق كبير مخفيا دوافعه الحقيقية. واردف قائلا سوف أذهب معاليك لاحضار ذلك المعتوه.
أمره عبد الرحمن بك أن يقف مكانه.
أمسك الخدم بالرجل العجوز, الذى لم يستطيع الهرب منهم, بينما, فر الصبى هاربا, وبقى بعيدا يراقب الموقب فى خوف ورعب شديدين!.
احضروه أمام عبد الرحمن بك وهم موثقين به بشدة, وقد توقع شدة السوء من عبد الرحمن بك, لكنه اطمئن عندما سمع عبد الرحمن بك يأمرهم بأن يتركوه...
حينئذ بدأ تمثيليته, باظهار ضعفه وضعف صحته, واظهار انه رجل عجوز وخرف. اظهر أنه لا يستطيع الوقوف على قدميه وهو يترنح, وأظهر الخرف والعته, وهو يهش على وجهه ويدق على صدره ويكاد يبكى, ويردد سعادة الباشا, سعادة الباشا...
تأمله عبد الرحمن بك, وأمره بالصمت حتى يسأله, فوقف صامتا وهو يمثل الاهتزاز والعته؟!...
حتى سأله عبد الرحمن بك: ألم آمرك من قبل ألا تأتى الى هذه الناحية مرة أخرى؟!...
تمثل الرجل التهته, والضعف وهو يميل للامام والخلف, ينسى أحيانا فيتكلم بطريقة طبيعية ثم يعود لوعيه ويستكمل التمثيل:
سيدى...وسيد كل الناس...أنا...أنا...رجل عجوز...يسحبنى الصبى...حيث يسير اسير معه...وانت يا سيدى أكرم الجميع...يبدو...أن الصبى...لا يزال يذكر كرم سيادتك معنا...
كان الرجل العجوز اللئيم يعلم أن كثير من هؤلاء القوم لا يأذون ولا يظلمون, ولا يأتون بعنف.
وهم من الناحية الأخرى, لا يعرفون كيف هى طباع هؤلاء القوم وكيف يتصرف غالبية الشعب المصرى الفقير, يخدعون ولا يأتمنون حتى بعضهم بعضا.
كان يضع وجهه نحو الأرض, لكنه مثل الذئب, يرفع عينيه دون أن يرفع رأسه كى يرى اثر كلماته وتعبيرات وجه عبد الرحمن بك؟!...
كان عبد الرحمن بك يتأمله, وقد شرد بفكره. قرر أن يستوضح أكثر عن طباع أهل تلك البلدة. فهو لن يصدقه, ولن يكذبه.
كان عبد الرحمن بك, قد كون من خلال تعامله مع عمال التفتيش, ومن خلال ما يسمعه من مشغلى العمال من أفندية ووغيرهم ممن لهم اتصال مباشر بالعمال والزراعين وغيرهم, قد كون أفكارا لا بأس بها, تعينه على ادارة التفتيش بسلاسة غير عادية ومهارة نابهه. وكان أيضا صبورا وهادئا جدا فى وصوله لاهدافه وما يريده من حقائق ومعلومات.
خطر له انه قد يكون هو ذلك الرجل العجوز الذى يتحدث عنه عازف الربابة, لكن من يكون ذلك الصبى الشارد؟!...
كل العاملين عنده تحت امرته, يحركهم كيفما شاء. اذا لا علاقة له بهذا الأمر, فاستبعده من رأسه!...لكن هناك شئ غير عادى؟!...ما هو؟!...
أفاق من تأملاته, ونظر لشاعر الربابة وسأله:
- هل يمكن أن يحدث هذا فى بلادكم؟!.
- اهتز شاعر الربابة اكثر وتهته وترنح بزيادة بين الخوف من أن يكتشف أمره وبين أدائه لدوره التمثيلى وأجاب:
- لست أفهم... ياسيد...الناس!...
- تأمله عبد الرحمن بك قليلا, قبل أن يزيده توضيحا: هل حدث فى بلادكم, أن ولد "فارس "حليوة", لكنه فقير ومعدم وتزوج بنت عمدة أو شيخ بلد, شئ من هذا القبيل؟!...
- أجاب وكأنه يدافع عن نفسه من تلك التهمة التى يروج لها: لالا...لم يحدث هذا, ولم...ولم يسبق لى أن سعمت...
- قاطعه عبد الرحمن بك وقد سئم منظره وتردده فى الرد, وسأله أخيرا:
- لماذا اذا تنشد هذه المواويل أو هذا الشعر...هل يمكن يدفع هذا الذى تقوله, الفقراء والغلابة أن ينحو نحو بطلك هذا؟!...
- لا لا...لا يمكن...هؤلاء يا سيد الناس, يأكلون "المش وسير الملوحة"...وانتبه لنفسه فعاد للتمثيل وهو يكمل:
ثم...ثم يذهبون الى... النوم...فى المساء المبكر...وهم...وهم يحلمون...بكل أطايب ومباهج الحياة, أكل وفحولة ونساء...لا موأخذه يعنى...وراحة وغنى...ثم استدرك نفسه وأكمل يتصنع التردد:
يعشقون...أن يعيشوا...الوهم...دون تعب...يحبون...أن يعيشون بعضهم اسياد بعض...
ظل عبد الرحمن بك يستمع الى ذلك الرجل, وتحليله المنطقى, الذى لا يشى بأنه رجل خرف أو يعانى من عته, ولكنه – أى عبد الرحمن بك - لم يظهر ذلك...
وأخيرا, أمر خدمه كى يتركوه يرحل, دون أن يمنحه شئ, فتركوه, وهمس بعضهم فى أذنه, ألا يأتي هذا المكان مرة أخرى!...
تعجب الرجل العجوز, دون أن يفهم, لماذا لم يمنحه عبد الرحمن بك نقودا, كما فعل من قبل؟!... لكنه أخذ ذلك من مسلمات الأمور وانصرف شاكرا حامدا الله خروجه من ذلك المأزق دون أذية؟!...
ظل عبد الرحمن بك واقفا يفكر, احساسه يقول أنه شئ غير عادى, وانه بطريقة ما, داخل هذا الموضوع الغريب, لكن لا يوجد مبرر عقلانى أو منطقى أو شاهد يؤيد ذلك, ومال الى تحليله العقلانى, فلا شبه بين أوهام وخيالات مواويل هؤلاء التعساء...لكن هناك شئ ما؟!...لماذا يأتى الى هذه الناحية؟!...
كان الخدم قد أفاقوا, واصطفوا خلفه, حتى لا يراهم وهم يتأملونه, وكان بلال خلفه وبجواره, وهو فى حيرة, ماذا يقول لعبد الرحمن بك؟...
كانت عينا عبد الرحمن بك, تتسع عندما يستغرق فى التفكير, وكان يبدوا مخيفا, عندما يكون تفكيره عميقا. كان أيضا حاد النظرات ودقيق الملاحظة جدا...
نظر خلفه, وفاجئ بلال, الذى ارتعب وارتبك جدا وسأله:
ما رأيك فيما رأيت وسمعت؟...أنت أدرى بأهل بلدتك؟!...
كان عبد الرحمن بك متعودا على هذا الخوف والارتباك من بلال عندما يواجهه بأية أسئلة, ولذلك كانت هذه التعبيرات مألوفة لديه, وخصوصا لم يكن بلال بقدر خبث, سيدة أو زوجها, أو شاعر الربابة, وكثير من أهل البلدة ومعظمهم دونه فى المستوى, كلهم صغار جدا, لكنه – أى بلال - أكبر هؤلاء الصغار جدا؟!.
انطلق يتكلم فى كل المواضيع, حتى لا يتوقف, فيستشعر عبد الرحمن بك أن هناك شئ ما, فأسكته. طلب من بلال أن ينبئه بكل همس, أو حديث, أو أى شئ يجد. ربما يكون شئ من هذا القبيل يخصه بصورة ما...
ثم أمره أن يستعد للذهاب الى المكتب, بعد أن ضاعت فرصة راحته فى غفوة العصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل