الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب ينظر إلينا بعين واحدة

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2014 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية




عقدة الفوقية والدونية بين العرب والغرب ما تزال قائمة وفاعلة، على الأقل من ناحية الغربيين أنفسهم. فهم يتعاطون دائما معنا من زاوية الفوقية، أي أننا ما زلنا قاصرين وغير ناضجين ونحتاج للتوجيه والرعاية الأبوية الغربية ولو تطلب الأمر استخدام القوة والنهر والتوبيخ والعقاب الجسدي. جلبوا لنا كل المآسي منذ بدايات القرن المنصرم إلى يوم الناس هذا ومع ذلك ويعتبروننا نحن المسئولين عما آلت إليه أحوالنا المزرية وما يترتب عليها من عواقب وتداعيات ومخاطر. وآخر مثال، وليس الأخير بالطبع، هو ظهور فزاعة دولة الخلافة الإسلامية، التي باتت فجأة تهدد الغرب في عقر داره كما يدعون، في حين أنها لحد الآن لم تتسبب سوى في تدمير البشر والحجر في العالم الإسلامي ومنه بطبيعة الحال العالم العربي. فالغربيون هم الذين خلقوا مسخ الإرهاب الإسلاموي التكفيري المتمثل برأس الأفعى المسمى القاعدة في سبعينات القرن المنصرم في أفغانستان، وتفرعاته الأخرى كداعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية والجيش الإسلامي وجيش محمد إلى آخر قائمة العناوين وتسميات ما أنزل الله بها من سلطان ، ويتهموننا بتصدير هذا الوحش الكاسر لهم. فهاهو رئيس جمهورية فرنسا فرانسوا هولاند يجتمع كما هو التقليد السنوي، بسفراء بلده سنويا ليطلعهم على التوجهات العامة والخطوط الرئيسية للدبلوماسية الفرنسية ولسياسة فرنسا الخارجية ، يصف لهم داعش بأنها "خطر ماحق" ويحذر العالم بأسره من تصاعد وتفاقم الإرهاب القادم من الشرق الأوسط ويتأسف لغياب التعبئة الدولية اللازمة لحسم الأزمة السورية كما يتمناها هو وعرابه الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، ويهيب بمجلس الأمن بالتحرك الجدي والفاعل والخروج بقرارات دولية ملزمة من منظمة الأمم المتحدة وذراعها القسري مجلس الأمن الدولي، لأن غياب التنسيق كما يتصور ، هو الذي قادنا إلى مثل هذا الوضع الخطير، أي تنامي قوة الجهاديين الإسلامويين التكفيريين في سوريا وهيمنتهم على ميدان الصراع المسلح مما مكنهم من العبور إلى العراق والسيطرة على أكثر من ثلث أراضيه في شماله وغربه وتهديدهم للكثير من الدول الأخرى بعد إحكام السيطرة على ليبيا وجزء من دول أفريقيا واليمن واقترابهم من المنطقة المحظورة أي منطقة الخليج التي تمثل الكنز الذي يغرفون منهم ما يحتاجونه من طاقة ووقود لتشغيل آلتهم العسكرية والصناعية وتوفير احتياجات مجتمعاتهم من الطاقة والوقود. نفس الخطاب قيل ونشر على ألسنة قادة أوروبيين مثل دافيد كامرون رئيس وزراء بريطانيا وأنجيلا ميركل المستشارة الألمانية وبالتأكيد على لسان رئيس أكبر قوة غربية متغطرسة وهو باراك أوباما. وتعهد الرئيس الفرنسي أمام سفراءه بأن بلدهم سوف يتحمل مسؤولياته في مواجهة الإرهاب الإسلاموي والحد من زحف هذا الخطر، ومن ثم القضاء عليه، وهو يعني بذلك الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة عند العرب باسم داعش. ولكن كيف؟ وما هي السبل التي سيتبعها الغرب لتحقيق هذه الغاية؟ يعتقد فرانسوا هولاند بأنه لابد من توفير بعض الشروط التمهيدية قبل البدء بالهجوم على داعش وتدميرها. أول هذه الشروط هو أن يتحد العراقيون بكل مكوناتهم ويتفقوا على صيغة ترضي الجميع وتشكيل حكومة شراكة وطنية يتمثل فيها الجميع، وهو لايفقه شيئا عن طبيعة القوى والصراعات والتباينات التي تغلي على الساحة العراقية. ثم يطرح الشرط الثاني ألا وهو تسليح المعارضة السورية بسلاح حديث ومتطور وفعال وإلزام كافة الدول بهذا المنهج إذا ما قرروا بالفعل مكافحة الإرهاب الدولي الذي تمثل رأس الحربة فيه الدولة الإسلامية في العراق والشام. المقلق في الأمر أن بقية زعماء الدول الغربية يشاطرونه هذه الرؤية الساذجة التي ترى نصف الحقيقة وتتغاضى عمداً عن النصف الآخر، رغم التناقض الواضح ، والمفارقة الأليمة الناجمة عن ذلك. فماذا يعني تسليح المعارضة السورية؟ ومن هي هذه المعارضة المسلحة؟ إنها القاعدة وفرعها السوري الذي تمثلهجبهة النصرة. وهي كذلك الجبهة الإسلامية التي تضم بضعة تنظيمات مسلحة إسلاموية يشرف عليها بشكل أو بآخر تنظيم الإخوان المسلمين . وهي كذلك داعش التي خرجت من رحم القاعدة ولاتختلف عنها بشيء سوى بدرجة القسوة والوحشية ومستوى التدمير وفضاعة الجرائم والمذابح التي ترتكبها ضد المدنيين والأقليات الدينية والعرقية والطائفية والتي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية . وإلى جانبهم بضعة تشكيلات بائسة من ما يسمى بالجيش الحر الذي انشق عن الجيش النظامي من أجل المال والسلطة والذي لم يتمكن حتى الآن من الاحتفاظ بأية منطقة خارجة عن سيطرة النظام ليبقيها تحت نفوذه فسرعان ما تنقض عليه وحوش الجهاديين الإسلامويين للفتك بعناصره وسلبهم أسلحتهم ومناطقهم، مما يعني في المحصلة النهائية أن الأسلحة التي تسعى دول الغرب لتسليمها للمعارضة السورية المسلحة ستصل حتماً إلى أيدي داعش وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها، أليس هذا غباء وغياب بصيرة؟ وهكذا يدعو أوباما وهولاند وكاميرون وغيرهم إلى عقد مؤتمر دولي ضد داعش في باريس ، بمجرد الانتهاء من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لكنهم أعلنوا معارضتهم لأي تعاون أو تنسيق مع نظام بشار الأسد الذي يقاتل التنظيمات الإرهابية الإسلاموية المسلحة على أراضيه. ولقد عارضت روسيا والصين هذه الاستراتيجية الغربية العرجاء التي تنظر للواقع بنظرة عوراء أو بعين واحدة. فكيف يمكنهم محاربة داعش فقط في العراق، في حين أن ثقلها الرئيسي اليوم هو في سوريا في المنطقة المتاخمة للحدود العراقية والممتدة إلى مساحات شاسعة داخل الأراضي السورية ومنطقة الجزيرة وتصل الى مدن سورية رئيسية مهمة مثل حلب وحمص وحماه وأدلب ومدن تحاذي الحدود الأردنية بل وحتى إلى داخل الضواحي الدمشقية، مثلما وصلت قبل أسابيع إلى ضواحي بغداد وهددت باقتحام العاصمة العراقية. ولقد أصابت روسيا على لسان وزير خارجيتها لافروف حين وسمت الرؤية الغربية بسياسة ازدواجية المعايير الغبية عند الغربيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس