الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاشية فى الجنوب المعاصر

سمير أمين

2020 / 12 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


اعتمد اندماج أمريكا اللاتينية فى الرأسمالية المعولمة فى القرن التاسع عشر على استغلال الفلاحين، الذين تراجعت مكانتهم إلى مستوى عمال السخرة، وتعرضوا لممارسات وحشية من كبار ملاك الأراضى. ونجم عن تعزيز هذا التكامل فى القرن العشرين ظاهرة «تحديث الفقر». كما أدت الهجرة السريعة من الريف إلى أشكال جديدة من الفقر فى الأحياء الحضرية الفقيرة المعاصرة، جاءت لتحل محل الأشكال القديمة من الفقر الريفى. وفى نفس الوقت، تم تحديث أشكال السيطرة السياسية على الجماهير عبر إقامة الديكتاتوريات، وإلغاء الديمقراطية الانتخابية، وحظر الأحزاب والنقابات، ومنح المؤسسات الأمنية «الحديثة» جميع حقوق الاعتقال والتعذيب، من خلال أساليبهم الاستخبارية. وخدمت دكتاتوريات أمريكا اللاتينية فى القرن العشرين الكتلة الرجعية المحلية (كبار ملاك الأراضى، البرجوازية الكومبرادورية، والطبقات المتوسطة أحيانا التى استفادت من هذا النوع من التنمية الرثة)، ولكنها خدمت، قبل كل شيء، رأس المال الأجنبى المسيطر، وتحديدا رأس المال الأمريكى، الذى، لهذا السبب، قام بدعم هذه الدكتاتوريات، إلى أن أطيح بها خلال تفجر الحركات الشعبية، مؤخرا.


وبداية من الثمانينيات، حلت التنمية الرثة كإحدى سمات انتشار الرأسمالية الاحتكارية، محل النظم الوطنية الشعبوية فى عصر باندونج (1955ــ1980) فى آسيا وأفريقيا. واتخذت هذه التنمية الرثة أيضا أشكال أقرب إلى كل من تحديث الفقر وتحديث العنف القمعى. وتقدم تجاوزات نظم ما بعد الناصرية والبعثية فى العالم العربى أمثلة جيدة على ذلك. ولا ينبغى لنا أن نجمع فى خانة واحدة بين الأنظمة الشعبوية القومية فى عصر باندونج، والأنظمة التى خلفتها وقفزت إلى قطار النيوليبرالية المعولمة، بدعوى أنها جميعا نظم «غير ديمقراطية». فعلى الرغم من الممارسات السياسية الاستبدادية، استفادت نظم عصر عدم الانحياز، من الشرعية الشعبية التى تحققت لها بسبب كل من إنجازاتها الفعلية، التى أفادت غالبية العمال، وكذلك مواقفها المعادية للامبريالية. وسرعان ما فقدت الديكتاتوريات، التى خلفتها، هذه الشرعية عندما قبلت الخضوع للنموذج النيوليبرالى المعولم وما صاحبها من تنمية رثة. وأتاحت السلطة الشعبية والوطنية، وإن لم تكن ديمقراطية، الفرصة لعنف الشرطة كذلك، فى خدمة المشروع النيوليبرالى، ومكافحة المشروع الشعبى، والمشروع الوطنى.

وقد أثارت الانتفاضات الشعبية الأخيرة، ابتداء من عام 2011، المطاعن والشكوك فى الديكتاتوريات. ولن يتمكن أى بديل من تحقيق الاستقرار إلا إذا نجح فى الجمع بين الأهداف الثلاثة التى اندلعت من أجلها الثورات: استمرار تطبيق الديمقراطية فى المجتمع والسياسة، واتخاذ خطوات اجتماعية تقدمية، وتأكيد السيادة الوطنية.

ونحن لا نزال بعيدين عن ذلك. ولهذا السبب، هناك بدائل متعددة ممكنة منظورة على المدى القصير. فهل يمكن أن تكون هناك إمكانية لعودة نموذج وطنى شعبوى كما كان الحال فى عهد باندونج، ربما مع لمحة ديمقراطية؟ أو تبلور أكثر وضوحا للجبهة الديمقراطية، والشعبية، والوطنية؟ أو الانغماس فى الوهم المتخلف، الذى يتخذ فى هذا السياق، شكل «أسلمة» السياسة والمجتمع؟


وفى إطار الصراع المشوش إلى حد كبير حول الاستجابات الثلاث الممكنة لهذا التحدى، كان اختيار القوى الغربية، الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، هو تقديم الدعم التفضيلى إلى جماعة الإخوان المسلمين و/أو غيرها من منظمات الإسلام السياسى. ولا شك أن السبب فى ذلك بسيط وواضح وهو أن هذه القوى السياسية الرجعية تقبل ممارسة السلطة فى إطار النيوليبرالية المعولمة (وبالتالى التخلى عن أى احتمال لتحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى). وهذا هو الهدف الوحيد الذى تسعى إليه قوى الإمبريالية.

وبالتالى ينتمى برنامج الإسلام السياسى إلى نوع الفاشية الموجود فى المجتمعات التابعة. وهو يشترك مع جميع أشكال الفاشية فى اثنتين من الخصائص الأساسية:

عدم تحدى جوانب أساسية من النظام الرأسمالى (وفى هذا السياق لا يرقى إلى تحدى نموذج التنمية الرثة المرتبط بانتشار الرأسمالية النيوليبرالية المعولمة).

اختيار أشكال الدولة البوليسية المناهضة للديمقرطية، فى الإدارة السياسية (مثل حظر الأحزاب والتنظبمات، وفرض الأسلمة القسرية على القيم الأخلاقية).

وهنا يتقبل خيار معاداة الديمقراطية الذى تتخذه القوى الإمبريالية (بينما تطرح كذبا الخطاب المؤيد للديمقراطية، وسط طوفان الدعاية التى نتعرض لها) «التجاوزات» المحتملة من الأنظمة الإسلامية. وهذه التجاوزات محفورة فى «جينات» وسائط تفكير هذه النظم، مثلها مثل غيرها من أنواع الفاشية، وذلك للأسباب نفسها: الطاعة العمياء للقادة، والالتزام المتعصب بدين الدولة، وتشكيل قوات قمع تستخدم لإخضاع المواطنين.

ففى الواقع، وهذا يمكن ملاحظته بالفعل، لا يحقق برنامج «الإسلاميين» تقدما إلا فى سياق حرب أهلية (بين، السنة والشيعة، على سبيل المثال) ولا ينجم عن ذلك غير الفوضى الدائمة. من ثم، فهذا النوع من السلطة الاسلامية، ضمانة لأن تظل المجتمعات المعنية عاجزة تماما عن إثبات نفسها على الساحة العالمية. فمن الواضح أن الولايات المتحدة تخلت عن سعيها للحصول على شىء أفضل «حكومة محلية مستقرة وخاضعة لها» لصالح «ثانى أفضل الخيارات».

وتجرى هناك تطورات وخيارات مماثلة، خارج العالم العربى المسلم، كما هو الحال فى الهند على سبيل المثال مع الحكومة الجديدة المنتمية لحزب بهاراتيا جاناتا.



والخلاصة، أن الفاشية عادت إلى الغرب والشرق، والجنوب؛ ومن الطبيعى أن ترتبط هذه العودة بانتشار الأزمة النظامية للرأسمالية الاحتكارية. ويستلزم لجوء المراكز المهيمنة على هذا النظام المعرض للضغط، لخدمات الحركة الفاشية سواء كان اللجوء فعليا أو محتملا قدرا أعظم من اليقظة، من جانبنا. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الأزمة، وبالتالى، يصبح التهديد باللجوء إلى الحلول الفاشية خطرا حقيقيا. كما أن تأييد هيلارى كلينتون لدعوات الحرب الأمريكية لا يبشر بالخير بالنسبة للمستقبل القريب.

2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرأسمالية
فؤاد النمري ( 2014 / 9 / 1 - 19:19 )
قبل أية تنظيرات تنطلق أساسا من النظام الرأسمالي يترتب على سمير أمين أن يبرهن على أن تحديد سعر عملات الدول الخمسة الرأسمالية الغتية من خارج السوق كما نص إعلان رامبوييه 1975 لن يسد دورة الإنتاج الرأسمالي ولن يعطلها

هذا مسألة أولية لا يجوز تجاوزها


2 - الإستاذ النمري
عبد الحسين سلمان ( 2014 / 9 / 2 - 11:40 )
الإستاذ النمري
تحية
1. ماذا تقصد بدورة الإنتاج الرأسمالي؟

2. وهل لسعر العملات دوراً في دورة الإنتاج الرأسمالي؟

مع الشكر


3 - قيمة النقد
فؤاد النمري ( 2014 / 9 / 2 - 19:24 )
ما يكفل قيمة التقد هو الذهب أو الإنتاج من البضاعة
دورة الإنتاج الرأسمالي عبر عنها ماركس بدورة (نقد ـ بضاعة ـ نقد )
وهذا يعني أن النقد الذي وظفه الرأسمالي عادل البضاعة التي أنتجها
ثم البضاعة بدووها تعادل النقد العائد إلى الرأسمالي(مع إغفال فائض القيمة
هذا يعني أن قيمة النقد تتحدد في السوق منسوباً إلى قيمة البضاعة

أما أن تعلن الدول الرأسمالية الخمسة الكبرى تحديد قيمة نقودها دون غطاء وخارج السوق وهو ما يؤدي بالطبع إلى سد وتعطيل دورة الإنتاج الرأسمالي


4 - نقد - بضاعة - نقد ؟ ؟
عبد الحسين سلمان ( 2014 / 9 / 3 - 02:05 )
الإستاذ النمري
تحياتي الحارة
دورة الإنتاج الرأسمالي عبر عنها ماركس بدورة (نقد ـ بضاعة ـ نقد )
هل أنت متأكد تماماً أن دورة الإنتاج الرأسمالي عبر عنها ماركس هي
نقد - بضاعة - نقد ؟ ؟ فقط ؟
هذه الدورة أي شخص يعمل في الصناعة او في السوق او اقتصادي مبتدئ يعرفها .
لكن ما الذي أضاف ماركس لهذه الدورة؟
مع الشكر


5 - إلى الزيرجاوي
فؤاد النمري ( 2014 / 9 / 3 - 08:19 )
إذا كنت تعرف الدورة للإقتصاد الرأسمالي (نقد - بضاعة - نقد) فذلك يعني أنك تعرف أن قيمة النقد تحدده قيمة البضاعة وليس قراراً من زعماء الخمسة الأغنيا
وهو ما يكفي لموضوعنا


6 - نقد - بضاعة - نقد ؟
عبد الحسين سلمان ( 2014 / 9 / 3 - 08:38 )
إستاذي الكريم
شكراً لك على الجواب.

لكن سؤالي هو:
هل أنت متأكد تماماً أن دورة الإنتاج الرأسمالي عبر عنها ماركس هي
نقد - بضاعة - نقد ؟
فقط هذه الدورة؟
أم هناك دورات أخرى؟


7 - للزيرجاوي
فؤاد النمري ( 2014 / 9 / 3 - 13:15 )
لعلك تريد أن تبحث قضايا أخرى لا تتعلق بموضوعنا وهو ما لا أريده، لا أريد الخروج عن الموضوع
أما إن علمت بأن البضاعة تحدد قيمة النقد فهذا أكثر من كاف لموضوعنا
تحديد قيمة النقد بعيداً عن قيمة البضاعة كفيل بانهيار النظام الرأسمالي
من لا يقر بذلك فهو لا علاقة له بالماركسية ولا بعلوم الإقتصاد


8 - جرد أحزابا شيوعية في المنطقة من شيوعيتها وثوريتها
طلال الربيعي ( 2020 / 12 / 28 - 22:54 )
مقال ممتاز يعري بكل علمية مشروع العولمة النيوليبرالي الذي جرد أحزابا شيوعية في المنطقة من شيوعيتها وثوريتها وأحالها الى قطع شطرنج تحركها الإمبريالية والصهيونية والرجعية كما تريد وكيفما تشاء. واحد الأمثلة هو الحزب الشيوعي العراقي الذي دخل مجلس حكم الاحتلال برئاسة اللص الدولي الكبير بول بريمر
So, Mr Bremer, where did all the money go?
https://www.theguardian.com/world/2005/jul/07/iraq.features11
وكذلك تحالفه مع الإسلام السياسي الفاشي في سائرون او قاعدون او هامدون.


9 - تعليق متأخر كثيرا لكن لا بد من تسجيله
محمد البدري ( 2020 / 12 / 31 - 02:04 )
فليرقد العظيم سمير امين في مثواه بجانب عمالقة

نظم الوطنية الشعبوية فى عصر باندونج (1955ــ1980) فى آسيا وأفريقيا. واتخذت هذه التنمية الرثة أيضا أشكال أقرب إلى كل من تحديث الفقر وتحديث العنف القمعى. وتقدم تجاوزات نظم ما بعد الناصرية والبعثية فى العالم العربى أمثلة جيدة على ذلك. ولا ينبغى لنا أن نجمع فى خانة واحدة بين الأنظمة الشعبوية القومية فى عصر باندونج، والأنظمة التى خلفتها وقفزت إلى قطار النيوليبرالية المعولمة

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية