الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شهرزاد- الفلسطينية حامية للوطن والهوية

عبد الكريم عليان
(Abdelkarim Elyan)

2014 / 9 / 1
القضية الفلسطينية


"شهرزاد" الفلسطينية حامية للوطن والهوية

الأجيال الفلسطينية السابقة واللاحقة التي ولدت بعد النكبة لا يعرفون منها إلا المفتاح.. مفتاح البيت الذي هاجر منه أبي قسرا وخوفا من البطش والقتل على أمل العودة قريبا.. وهذه الـ "قريبا.." طالت أكثر من نصف قرن مضى، مات أبي وورثني مفتاح الدار وبعضا من الورق البريطاني الذي يثبت ملكيتها.. أما أمي فقد حملت معها كل الموروث الفلسطيني واستمرت بإحيائه والحفاظ عليه رغما من أنها فقدت البيت والحقل اللذان ساهما في إنتاج ذلك الموروث الكبير..
مخيم اللجوء الذي ولدت وكبرت فيه يربض قريبا من الحدود التي تفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية التي اغتصبها الصهاينة الغرباء؛ فظلت عيون اللاجئين ترنو إلى قراهم ومدنهم المغتصبة؛ وقلوبهم تقطر ألما وحنينا وشوقا لبيوتهم ومزارعهم التي سجلوا فيها تاريخهم الأزلي وارثهم الحضاري.. المخيم الكبير الذي بني من قبل الأونروا في ستينيات القرن الماضي ضم في كنفه لاجئين من قرى ومدن فلسطينية شتى.. وبحكم ترابطهم الشديد قسم المخيم إلى حارات حملت نفس أسماء مدنهم وقراهم، مما ساهم في الحفاظ على تقاليدهم وموروثاتهم، فمنهم من استطاع العودة لممارسة أعماله القديمة، فحارة المجادلة (نسبة إلى مدينة المجدل التي اشتهرت في أعمال الحرف وعلى رأسها الغزل والنسيج..) استطاع أهلها إعادة بناء أدوات (النول) في بيوتهم وإنتاج نفس الأزياء التقليدية التي كانوا يلبسونها أهالي القرى والمدن المجاورة لها.. كانوا المجادلة يبيعون نفس القماش الذي كانت نساء القرى المجاورة يصنعن منه أثوابهن المطرزة بالحرير، وألوانه الزاهية.. واستمرت النساء بالتباهي بأسماء الأثواب المجدلية حسب جودة صناعتها وأسعارها، حيث كانت تسمى: ( أبو سبعين، وأبو مائتين، والمجلجل، والبلتاجي، وجنة ونار، والشامي)، تلك هي الأثواب الخام قبل تفصيلها وتطريزها، حيث ابتدعت المرأة الفلسطينية طريقة في التعرف على وطن (القرية أو المدينة التي تنتمي لها) المرأة وحالتها الاجتماعية، فمن خلال الشكل ونوعية التطريز يمكنك التعرف على المرأة من أي قرية أو مدينة فلسطينية هي؟، وكذلك يمكنك أن تعرف إن كانت متزوجة أو غير ذلك..؟
والدي الذي سكن المخيم كان لا يعرف أي عمل سوى الحقل أو البيارة التي تركها يانعة بأشجار الحمضيات.. استطاع أن يستأجر قطعة أرض من أوقاف غزة شرق المخيم ليمارس مهنته وإحياء تراثه الذي امتلكه منذ آلاف السنين.. والدتي التي كانت ترعى البيت لم تتخاذل لحظة في مشاركة أبي بأعمال الحقل الذي زرع بأنواع الخضروات المختلفة كل حسب موسمه الطبيعي، إضافة إلى تربية الماشية التي كانت تمدنا باللبن ومشتقاته، وكذلك اعتنت أمي بتربية الدواجن.. الحياة الفلسطينية لم تمت ولم تتأثر كثيرا رغم النكبة الكبيرة التي حلت بالشعب الفلسطيني ورغم التهجير والتشتت الذي لحق به سواء في الوطن أم في الخارج؛ فـ (أم سعد) عند غسان كنفاني حملت معها عود الدالية إلى المخيم في لبنان أو سوريا لتغرسه هناك.. ليعطي فيما بعد عنبا كثيرا.. أم سعد هي أمي، وكل أم فلسطينية، هي شهرزاد التي حافظت على البقاء.. هي التي ولدت ومازالت تمد الثورة بالأبطال.. أم سعد هي سميرة عزام، وفدوى طوقان، وسلمى الجيوسي.. هي عايدة سعد، ودلال المغربي، وليلى خالد... هي الوطن والهوية...
الماجدات الفلسطينيات لم يهجرن الأسرة الفلسطينية / الوطن، لكن كُثر هم الرجال الذين لجئوا إلى دول أجنبية أو عربية، صحيح أن الرجال بحكم التقليد الشرقي امتلكوا الحرية في التنقل ودفعهم ذلك للزواج من أجنبيات؛ وصحيحا أن الكثير منهم ظلّ محافظا على هويته، لكن الأجيال اللاحقة فيما بعد بحكم المجتمعات التي عاشوا فيها قد أضعفت كثيرا من هويتهم ولغتهم.. أما المرأة الفلسطينية ظلّت في إطار الأسرة الفلسطينية محافظة على الهوية / الوطن الذي ورثته وورثته لأبنائها جيلا بعد جيل... في سبعينيات القرن الماضي، نحن اللاجئون في غزة عندما أتيح لنا الدخول لأراضينا التي هُجّرنا منها والعمل كأجراء عند المحتلين.. استغلت أمي الفرصة لتصطحبنا إلى قريتنا المحتلة المحاذية لحدود قطاع غزة.. أمي التي هاجرت من بلدتها صبية ظلت حافظة لكل حبة رمل في قريتها.. أخذت تشرح لنا عن كل شيء في القرية.. عن البيوت وأصحابها، عن الشوارع وأسمائها، عن الأراضي ومالكيها، عن الأشجار والبيارات، عن أرضنا الموزعة في عدة مناطق في القرية بأسمائها (المنشية والسلاقة وبركة والزيرة والوادي وشنار والبلد والحدب والنهر والبحر...)، عن المعركة وسقوط الطائرة المصرية التي كانت جاثمة على الأرض، وكأن المعركة حدثت بالأمس، عن الجنود المصريين الذين استشهدوا في المعركة، عن الثوار، عن الشهداء والمقبرة... عن المهاجرين من القرى الشمالية والشرقية في طريقهم إلى غزة..
قلة قليلة من النساء اللاجئات كن قد حصلن على التعليم المدرسي قبل عام 1948، وكذلك الرجال إذ أن المدارس فتحت حديثا في القرى الفلسطينية، وإن كان الاهتمام بالتعليم ضئيلا لانشغال الناس بأعمالهم في الحقول والأعمال التقليدية، لكن اللجوء دفعهم جميعا للتعليم وساهمت الأنوروا بذلك مما زاد من تعليم المرأة وإن كانت في بداياتها قد تسربن كثيرات منهن بسب الزواج، إلا أن ذلك ساهم بشكل كبير في تربية أبنائهن فيما بعد.. ومع ذلك تخرجن كثر منهن من الجامعات وحصلن على إجازات عظيمة في شتى المجالات الأكاديمية.. وفيما بعد قد خفت كثيرا ظاهرة التسرب، وأبدعت المرأة الفلسطينية في مجالات كثيرة، وصارت شاعرة وروائية وقاصة وناقدة، وجاء أدبها ونقدها أكثر عمقا وفلسفة وإبداعا من الرجل...
تجارب قاسية مرت بالشعب الفلسطيني من تشريد وقهر واضطهاد وجوع وفقر.. إلا أن المرأة الفلسطينية بقيت الحامية الأولى والحصن الأمين والعقل الرصين لتأخذ أسرتها إلى بر الأمان؛ فإذا ما فقدت الأسرة معيلها لسبب أو لآخر لن تيأس المرأة فتقوم بالعمل بدلا من الزوج لتعيل أسرتها، وهناك حالات كثيرة نجحن فيها النساء الفلسطينيات بنقل أسرهن إلى مستويات أعلى نتيجة فقدان الأسرة للأب أو المعيل.. وفي حالات الفقر كانت المرأة ومازالت هي المبدعة في تدبير شئون بيتها والحفاظ على أولادها وتعليمهم أفضل تعليم.. الحرائر الفلسطينيات حملن التراث والفولكلور الفلسطيني رغما عن ما مر به الشعب الفلسطيني من حرب هوجاء لطمس هذا التراث وسرقته.. فهي التي استمرت في عمل المنمنمات الفلسطينية والأزياء التقليدية، وهي من حفظت الأهازيج والأغاني الفلسطينية سواء التي تتعلق بمواسم الحصاد والبيادر، أو أغاني الأفراح وما يلازمها من طقوس وترتيبات حتى يومنا هذا...
المرأة الفلسطينية في غزة كانت السباقة في استشعار الخطر المحدق بالمجتمع نتيجة للانقسام الذي وقع قبل سبع سنوات.. فقامت بسرعة في التعبير عن رفضها للانقسام والدعوة إلى الوحدة الوطنية، وهي التي بدأت بالتظاهر كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع وعلى مدار سبع سنوات أمام المجلس التشريعي مطالبة بإنهاء الانقسام، رغم ما تعرضت له من اضطهاد وملاحقة من قبل سلطة غزة إلا أن ذلك لم يزعزع من مواقفها المشرفة تجاه القضايا الوطنية، سواء كانت من العدو الخارجي أو العدو الداخلي.. وستبقى هي حامية للوطن والهوية الفلسطينية، وستبقى تدافع عن كينونتها بكل شموخ وكبرياء.. ومهما قدمنا لها من مكافآت فلن نفيها حقها.. ومهما استطعنا أن نحصي ونعدد من حسناتها فلن نقدر أن نعدها جميعها لأنها هي الأساس في بناء المجتمع والحفاظ عليه..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | مختص يحذر من العلاقة بين اللحوم وانتشار البكت


.. معاريف: نتنياهو خائف ومتوتر




.. نشطاء المناخ يقطعون الطرق السريعة في مدينة تورينو الإيطالية


.. بن غفير وسموتريتش يهددان بإسقاط الحكومة في حال عدم اجتياح رف




.. تقديرات تشير إلى أن عمليات إزالة الأنقاض من غزة ستستغرق 14 ع