الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة ارث الفاشية في العراق، مسؤولية مَن؟

شاكر الناصري

2014 / 9 / 1
حقوق الانسان


يبدو أن قضيّة الملفات التي يكرّرها السّاسة ويتخذونها حجة لتهديد بعضهم بعضا، نوري المالكي مثلا، ليست لعبة تخص هؤلاء وحدهم، بل هي، أيضًا، لعبة تخصّ الكتاب والمثقفين الذين يدورون في فلك السّلطة ويدافعون عنها وعن ممارساتها؛ كونها تتماهى مع توجهاتهم وآمالهم الطائفيّة المقيتة ويرونها سلطة طائفتهم. ولذلك نراهم يسارعون للإقدام على خلق الأزمات وإثارة الزوابع في الوسط الثقافي العراقي مستغلين ما انفتح أمامهم من إمكانات إعلامية تسهّل عليهم إطلاق زوابعهم المريضة، التي تستند إلى مبدأ الثأر والتسقيط السّياسي والثقافي والنميمة وتأليب الرأي العام ضد مجموعة من الكتّاب والمثقفين ممن يحسبون على النظام الدكتاتوري البائد.

فما بين فترة وأخرى تعمل جهة مجهولة على إطلاق قائمة معيّنة، مرّة بإسم "قوائم العار" وأخرى بإسم "القائمة السوداء" بحق من كتبوا ومجدّوا صدام حسين ونظامه وتغنّوا بالموت وبالحرب وبالدّمار الذي لحق بالمجتمع وبالإنسان في العراق وجملوه بأبشع الأوصاف والقصائد والرّوايات والقصص، وأوغلوا كثيرًا حين سوغوا افعالهم تلك، بأنّ ما كتبوه كان للعراق وليس لصدّام حسين! غير أنًّ من يصدر هذه القوائم يضيف لها بعض الأسماء من الذين لم يكتبوا حرفًا واحدًا يمجّد صدّام حسين لكنهم يختلفون، وهو الاهم الان، مع نظام المحاصصة الطائفية القائم في العراق ومع إيغاله في الفساد ونهب المال العام وكبت الحرّيات الفرديّة والمدنيّة والإستئثار بالسّلطة. وهناك نماذج وأسماء كثيرة وضعت في خانة من يستحق العقاب أو التشهير، د.حيدر سعيد على سبيل المثال لا الحصر.

الجهات المجهولة أو العلنيّة التي تصدر هذه القوائم أو تعيد نشر القديم منها تعمل على وقع الأزمة التي يعيشها صاحب السّلطة الباذخ في العطاء وشراء الذّمم. فما أن تحدث أزمة بين المالكي والأطراف السّياسية الأخرى حتى يسارع أتباعه من كتاب وصحف ومواقع انترنيت وقنوات فضائيّة لتدبيج مقالات التشهير والتخوين والإتهام بالعمالة ضد كلّ من يخالفه أو ينتقد ممارساته ونهجه الذي أوصل العراق إلى أزمة مريعة لايمكن الفكاك منها بسهولة. وليس هناك من تهمة أسهل من تمجيد البعث وصدّام حسين والتبعية له ومعاداة التجربة الديمقراطية في العراق الجديد!

لم تهدأ الضجة التي أحدثتها “قائمة العار” التي صدرت قبل شهر تقريبًا، بعد، حتى قام أحد الكتاب بنشر قائمة "بأسماء من طبل للدكتاتور صدّام حسين" وتمّ تداولها عبر مواقع التواصل الإجتماعي على شبكة الإنترنيت وهذه القائمة لا تختلف عن القائمة التي أصدرها “ساهر فاضل الهاشمي” قبل عدّة سنوات، والتي إعتمدت في مجملها، الأسماء والمعلومات، على ما تمّ نشره في كتاب"ثقافة العنف في العراق" للرّوائي والناقد سلام عبود وكتاب "الخاكية: من أوراق الجريمة الثقافية في العراق" للروائي العراقي عباس خضير، وكذلك على كتابات الشاعر "نبيل ياسين" بهذا الخصوص ولكنها تختلف مع الجميع في نواحٍ كثيرة بإعتمادها مبدأ التشهير وإثارة الرّأي العام ضدّ من شملتهم. فأصبحت هذه القوائم أداة مسلطة بيد المليشيات المسلحة ضد الكثير من الأسماء التي وردت فيها.

شخصيًا لي حكاية مع هذه القوائم، فقد ورد إسم”شاكر الناصري” في قائمة "هؤلاء مدحوا الطاغية: أسماء في الذاكرة العراقية" التي كتبها ساهر فاضل الهاشمي” نشرت حينها في مواقع "الحوار المتمدن" حيث كنت أعمل عضوًا في هيئة تحريره وكذلك في موقع "أرض السواد" ولم أكن معنيًا بهذا الإسم ولا أعرف صاحبه لأني كنت أكتب وأنشر بأسم"فهد ناصر"، وهو الأسم الحركي والحزبي الذي عرفت به منذ 1991 وحتى تموز 2006، حيث بدأت باستخدام إسمي الحقيقي مع اللقب الذي استمده من مدينتي "الناصرية". وقد استضافتني قناة الفيحاء في أحد برامجها "جسور" الذي كان يعدّه ويقدّمه "هاشم العقابي" للحديث عن هذه القائمة وقد كان إسم العقابي في القائمة إياها.

إنَّ محاكمة ومحاسبة الارث الثقافي المنحاز للدكتاتوريّة البعثيّة والممّجد لفاشيتها، وبالاخص ارث تلك الأسماء التي تصدّرت المشهد الثقافي في العراق، وتحوّلت إلى سلطة تمارس الرّقابة وكتابة التقارير الأمنية ضدّ الكتّاب والمثقفين والتجييش وشراء الذّمم، عبد الرزاق عبد الواحد، سامي مهدي، عبد الأمير معله، علي الحلي، حميد سعيد... وغيرهم كثير من الذين إرتقت كتاباتهم ومنجزهم الى مصاف يستحق أن نقول عنه أنّهم كتّاب الفاشية البعثيّة بجدارة منقطعة النظير، وتشريحه وفق معايير نقدية وثقافية وإجتماعية علميّة رصينة لا تخضع لمنطق العاطفة أو الانحياز الشخصي، هو من الضروريّات الهامّة التي يجب الاقدام عليها من أجل قطع إرث تاريخ القمع والاستبداد الأسود الذي وشم حياتنا بالموت والخراب، وجعل من الثقافة والنتاج الابداعي في العراق في صورة ثقافة السلطة المكتوبة بدم العراقيين وآلامهم وجحيمهم.

ولكن من يستطيع القيام بهذه المهمة الحاسمة والضروريّة؟ قطعًا لا يمكن لأي شخص كان القيام بها وانجاز مهمة عسيرة كهذه، ولذلك فإنَ الدولة ومؤسّساتها المعنية هي الوحيدة القادرة على إعادة قراءة كل ما كتب في مديح وتمجيد صدّام حسين ونظامه وحزبه وإعادة تعريف أولئك الكتّاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة


.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر




.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ