الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وليمة لذئاب حرب الإرهاب

بدر الدين شنن

2014 / 9 / 1
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لم تعد حرب الإرهاب الدولية ، التي تضرب بوحشية ، في بلدان عربية في المشرق والمغرب ، وفي أوربا ، وأفريقيا , وشرق آسيا ، لم تعد مجهولة الترابط بين قياداتها ومسارح عمليا تها في مختلف القارات ، ولم تعد مجهولة النسب ، أو مجهولة الموجه والممول ، إن من موه سياسياً وإعلامياً ليغطي حقيقتها البشعة ، طوال السنوات الماضية ، لم يعد قادراً ، بعد أن تجلوزت حرب الإرهاب الحدود الدولية والأخلاقية ، وتفشت وحشيتها ، ورجعيتها ، وعنصريتها كالوباء ، لم يعد قادراً على متابعة التمويه . وبدأ نفاقاٌ ونخوفاً ، يحاول التنصل من علاقته بها ومن مسؤولية جرائمها .
وانكشف المشهد الدولي والإقليمي مؤكداً ، على ان هذه الحرب هي حرب واحدة في مسارح متعددة ، وعلى أن صاحب المصلحة الرئيس والقائد الفعلي في هذه الحرب ، في مختلف ميادينها ، هو نفسه ، وأن الأهداف الكبرى المنشودة فيها هي أهدافه ،
ومع استمرار هذه الحرب القذرة ، التي يتساقط فيها ملايين الضحايا ، وتدمر مدن ، وتهجر شعوب ، وتسحق حضارات ، وتباد أقليات ، وتدفع الشعوب الضعيفة إلى مقبرة التاريخ الجماعية ، تتجلى فيها حقيقة المخطط الامبريالي الجشع وغاياته القبيحة العليا ، لامتلاك العالم جغرافياً وبشرياً ومادياً .

هذه هي الحقيقة ، التي يجمع عليها كل ذوي العقول المنفتحة ، وكل المطلعين الموضوعيين ، وأغلب المتضررين من مفاعيلها المدمرة . فقط أصحاب المصلحة ، والمأجورين ، والأغبياء ، هم الذين يراوغون ولايصدقون .
لاأحد يمتلك الجواب على سؤال : متى تتوقف الحرب , حتى سادة النظام الدولي السائد لايعرفون . فحسب قوانين التنافس كمحفز ومحرك لاقتصاد السوق ، بين الاحتكارات العملاقة ، والدول التي تمثلها ، للسيطرة على مصاردر الثروة ، والأسواق ، وانتزاع فائض القيمة من ناتج المجتمعات البشرية ، لن تتوقف ، إلاّ بانتهاء النظام القائم على التنافس والاستغلال ، الذي تولد طبيعته الحاجة للحروب العظمى والصغرى ، كلما دعت ازماته ضوروة إعادة تقاسم النفوذ والمصالح مع شركاء برهنوا على استحقاقهم رفع نسبة نصيبهم إلى مستوى جديد .

* * *

مع ازدياد وتوسع حقائق ومعطيات حرب الإرهاب الدولية ، يصبح من السذاجة ، تصور ، توقف هذه الحرب دون ربطها بأسبابها وأهدافها التي حركتها . وإذا سلمنا جدلاً بالرغبات البريئة ، فإن ذلك يعني ، أنه يمكن ، أن تتوقف مصانع اسلاح ، تلقائياً ، عن إنتاج آليات الحرب والقتل ، وأن تكف الآحتكارات اللئيمة الجشعة ، مجاناً ، عن التآمر والخداع وإثارة الحروب ، للاستحواذ على الثروات الطبيعية بالسلب أو بأبخس الأثمان ، وأن تتوقف قيادات أركان جيوش الدول العظمى ، إنسانياً ، عن التخطيط والتنفيذ ، لعمليات العدوان على الشعوب ، لفرض هيمنة السلطات السياسية في بلدانها على العالم . لكن للأسف لامكان للرغبات البريئة في عالم الطغاة .

كما يعني ، أن دعاء أصحاب النوايا الحسنة ، لله وملائكته ، أن يعم السلام على الأرذض خوفاً من الله ، أو نتيجة صحوة ضمير ، لاينفع بشيء . إذ لايوجد أي إله في النظام الرأسمالي ، سوى الرأسمال ، ولايجد مكان للمشاعر النبيلة ، وإنما توجد معادلات اقتصاد السوق الشبيهة بمعادلات عالم الغاب المتوحشة .
ولذلك لايمكن للشعوب ، أن تستسلم للأقدار الاستعمارية الكونية ، وأن تعتبر الخضوع لشروطها أمر لابد منه . فليس لمطامع ومظالم سادة الاحتكارات الدولية حدود . بل إن نهب الشعوب المستضعفة سيزداد مع تواتر الأزمات الرأسمالية . واللعب بحياة الشعوب ، لتشغيل مصانع الأسلحة لن يتوقف . وآلية الفرز الاجتماعي الطبقي ستكون أكثر عمقاً واتساعاً ، حيث ستؤدي إلى دفع مليارات متزايدة من البشر إلى تحت خط الفقر ، وإلى مكابدة الجوع والعطش وأوبئة الموت الشامل .

* * *

قادة الاستعمار الجديد الكبار ، الذين خططوا للهيمنة على العالم ، كانوا يدركون أن رأس جسر هذه الهيمنة ، هو السيطرة على الشرق الأوسط ، بمختلف تنوعاته ، العربية ، والتركية ، والإيرانية ، وفي السيطرة على شمال أفريقيا ببعديه العربي والأفريقي . وذلك لما تحتويه هذه المناطق على مخزون هائل من الطاقة ، زائد طموح إيران النووي ،,ولما تضمه من مواقع جيو سياسية هامة ، المتمثلة بمضيق جبل طارق ، وباب المندب ، وقناة السويس ، ومضيق هرمز .
ولتحقيق هذه الهيمنة ، وضعوا كافة التنوعات التاريخية ، الدينية ، والقومية ، والمذهبية ، وكافة حساسيتها الموروثة والراهنة ، كعوامل مساعدة في إنجاح ما يخططون . وما اتضح حتى الآن ، في التنفيذ العملي لهذا المخطط ، أن المستعمرين الجدد ، لم يكن يهمهم بشيء ، الخسائر المادية والبشرية والروحية ، التي ستلحق بشعوب البلدان المستهدفة ، وإنما يبدو ، مما هو قد وقع .. ويقع .. ومن المتوقع أن يقع .. من خسائر ، كان مطلوباً ، لإفراغ هذه ابلدان من معظم المقومات المادية والبشرية ، التي تساعدها على مقاومة الهجوم على كياناتها ووجودها .

إن قراءة موضوضوعية ، لما ألحق ، أو سيلحق ، بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، من خسائر مباشرة وغير مباشرة ، ولاسيما في العراق وسوريا وليبيا ، منذ أن وضع مخطط الهيمنة قيد التنفذ حتى الآن ، وإلى أجل غير معروف ، تؤكد على أن ذلك ، ليس مجرد نتائج عادية لاحتجاجات محلية ، أو لمجريات حرب تقليدية ، وإنما هو أمر مخطط ، ومتعمد الوقوع ، بل ، وبأبشع وأقذر الوسائل . وذلك باستخدام الخونة ، والمعارضات المحلية الانتهازية في مخطط الاسقاط الشامل للدولة . وباستقدام تنظيمات إرهابية وإجرامية من مختلف مناطق العالم ، وكأنها وليمة ذئاب لافتراس غنيمة مستباحة . ومن الجدير ذكره ، أن " داعش " لوحده في سوريا فقط يضم خمسين ألف مسلح معظمهم من الأجانب ، وكذلك الحال في التنظيمات الإرهابية الأخرى ، وبمنح التمويل والتسليح الأقوى للتيارات الدينية التكفيرية الهيستيرية ، لتمارس دور تدمير الكيانات الوطنية ، بذريعة إقامة دولة " الخلافة " للإجهاز على نهائياً على أية
مشاريع نهضة وطنية وقومية .

* * *

لم يجر التطبيق العملي لحرب الإرهاب الدولية دفعة واحدة ، مثل اجتياحات المغول والتتار ، وإنما قسم إلى مرحلتين . المرحلة الأولى ، كانت لتوزيع الأسماء والأنساب للمجموعات المسلحة ، واعتبارها .. ثورة .. معارضة .. حمالة حقوق إنسان وديمقراطية . حيث اعتبر مايقوم به المسلحون المرتبطون علناً بالدول الرجعية والاستعمارية ، من آثام وجرائم وتدمير ولصوصية ، هو فعل ثوري مقدس .. ونشاط المعارضة المتحالفة مع أعداء الوطن نضال مشروع . وقد مرت سوريا واليمن ومصر وليبيا في هذه المرحلة ، واستغرقت سنوات قبل أن تظهر الأمور على حقيقتها وتسمى بأسمائها .

أما المرحلة الثانية ، فكانت لتوزيع الأدوار في العدوان الإرهابي على الشعوب والتعامل معها . حيث تشتبك مجموعات مسلحة متفرقة من قوى أمن الأنظمة ـ وتطاول عدداً من المحتجين وتحرق مقرات ومراكز خدمية وتطالب بإسقاط النظام . ثم تأتي اميركا وحلفاؤها بذريعة حماية ضحايا القمع للتدخل في الشؤون الداخلية وإصدار الإملاءات ، وتشجع على إسقاط النظام .. أو تترك البلد تحت الابتزاز ، من خلال تبرير عبث الإرهاب بمقدرات البلاد .
ثم ما لبثت هذه الحرب في مرحلتها الثانية ، أن انكشفت . لاسيما في ليبيا . إذ من سوء حظ الليبيين ، أن تمارس اللعبة بمرحلتيها الأولى والثانية في تزامن متسارع ، فانضم " حلف الأطلسي " إلى " الثورة " لإنجاز مخطط لإسقاط النظام واستلاب السيادة الليبية ، وذبح معمرالقذافي . أما في العراق ، فقد استخمت أميركا وحلفاؤها المرحلة الثانية مباشرة ، باسم إنقاذ العراق من حكامه ، ثم يأتون الآن لانقاذه ممن أرسلوهم هم لإرهاب العراق المتمثلون ب " داعش " للقيام بابتزازه وإعادة احتلاله .

الجديد الآن ، هو إدراك صانعي الإرهاب الدولي ن أن الشكل الذي طبقت فيه الحرب الإرهابية ، لم يحظ بالاحتضان الشعبي ، الذي كان مأمولاً ، عبر خديعة .. أن الإرهاب جلاب الديمقراطية .. وأن حلف الأطلسي نصير للحرية . . ولم يتحقق التغيير المستقر المطلوب في أي بلد استباحها الإرهاب . إن الذي تحقق هو ، أن التيارات الآسلامية المتطرفة المرفوضة من معظم الشعب ، قد قفزت عبر ألاعيب انتخابية إلى السلطة ، في تونس ، ومصر ن وليبيا ، كما تحقق وهو الأهم ند، التدمير المروع .. والقتل البشع .. وانتشار الفكر الديني الدموي المتخلف ، ما أدى إلى نفور شعبي واسع من هذه الحرب ، وإلى تحول في الاصطفافات السياسية بصورة معاكسة لمخططات الحرب وأهدافها ، وإلى خسارات هامة في مجال الحواضن الشعبية للمسلحين ـ التي كان معولاً عليها أن تكون احتياطاً لاينضب للتنظيمات الإرهابية . الجديد أيضاً ، هو انتقال أولي المر في حرب الإرهاب الدولية ، إلى دخول مسرح العمليات مباشرة ، " كمقذ " !!؟ .. من شطط الإرهابيين في هذه الحرب ، وطرح المرحلة الثالثة في الحرب على حساب الشعوب المنكوبة بالإرهاب وعلى حساب بعض التنظيمات معاً ، لفرض الهيمنة العاجلة على البلدان التي ستنطلي عليها الخديعة الجديدة .

وقد تم توظيف مجلس الأمن الدولي ، لتغطية المرحلة الثالثة ، تحت الفصل السابع ، بزعم التخلص من داعش وجبهة النصرة . وبحركة سياسية فورية قامت أميركا بجولة مشاورات مع الدول المعنية بالحرب ، وبدون تفويض من الأمم المتحدة ، أعلنت عزمها على توجيه ضربات جوية لداعش والنصرة في سوريا كما شرعت منذ أسابيع تفعل في العراق .

لقد بدأت مرحلة جديدة من حرب الإرهاب الدولية ، بتدويل التعامل معها عبرمجلس الأمن تحت الفصل السابع ، وتبذل أميركا قصارى جهدها ، لدعوة ذئاب العالم مرة أخرى لتشكيل تحاف دولي مطاوع لها تحت عنوان محاربة الإرهاب ، حسب مفاهيمها هي عن الإرهاب ، وفي أي أمكنة وأوقات تحددها هي لحركة هذا التحالف ، في كل الأحوال ، ليس كل ماتنطوي عليه هذه المرحلة مبشرأً . وليس كل ما تضمنه القرار ( 2170 ) مطمئناً . وليس كل ما يحمله جون كيري له صلة بمقتضيات قرار مجلس الأمن الحرفية ، أو برغبات الشعوب العربية المقاومة للإرهاب .. الطامحة إلى التحرر من الإرهاب ،، والعيش بأمان وسلام وكرامة وحرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح