الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغم المتاهة..هناك أمل في الحياة

الطيب طهوري

2014 / 9 / 1
الادب والفن


قراءة في نص (ترجل في المتاهة) للشاعرة الجزائرية المميزة عفراء قمير طالبي

شعر السطحية/ لا البساطة يموت بأحادية دلالته/ فهمه..وحده شعر الأعماق ما يحيا بتعدد دلالاته/ فهومه ويتجدد باستمرارٍ أزمنةً وامكنةً وتعددَ قراء.. النصوص التي تحمل تعددها وتفرض التغلغل فيها لاستخراج لآلئها محدودة في هذا الزمن الذي تتكاثر فيه الطحالب الشعرية التي تتغذى على الكسل الفكري ولغة الخواء .. من تلك القلة ما تبدعه شاعرة الذكاء الحاد والصور المتفردة بخصوصيتها عفراء طالبي قمير..
بين يدي نصها الجديد المعنون بـ ( ترجل في المتهاة)..النص فروسي الأصل ( من الفروسية لا الفُرس)..عنوانه ينبئ بذلك..
يتشكل العنوان من ملفوظين بارزين ولفظ مضمر( فعل وفاعل مضمر وشبه جملة)..الفعل ماض ( ترجل)..كان راكبا ثم نزل من على صهوة فرسه ليسير بها راجلا..هل أحس بتعبها ففعل ذلك؟..هل هناك عامل خارجي ما دفعه إلى الترجل؟..من ذاك المترجل؟..
الترجل كان في المتاهة..المتاهة من التيه/ الضياع.. ..كان يغامر بطلا مغوارا..تلك الفروسية/المغامرة اختفت في الماضي..صار ضائعا..والمترجل كان العربي..فعل ترجل يحيل إليه..الفروسية صفة/ فعل عربي بامتياز كان..ينبئنا العنوان إذن بأن متنه سيحكي عن هذا العربي الذي كان يوما ما موجودا..ثم اختفى..ضاع في المتاهة ولم يعرف طريق الخروج منها حتى الآن.. في المتن تسرد الحكاية هكذا..
1- سار البطل في الخلاء..خلفه سارت فرسه..كانت الأرض حصباء جارحة..نظر إلى فرسه متألما..ذاك سر بطولته الذي كان ..سره الذي يحرص على الاحتفاظ به مذكرا نفسه به وآملا في استرجاعه.. وهنا تحرك القلب..خفق بشدة..الجنوب هو فيه..والشمال بعيد..الجنوب خراب.. أرض لا تلد الحياة.. قلبه مليئ بالحب إذن/ حب الحياة..الحياة في الجهة الأخرى/ شمالا..هناك حضارة العصر..هو في الجهة النقيض/ الجنوب، حيث التخلف وتيه اللامعنى..يحلم بالوصول إليها / الحياة لينجب منها طفله / المستقبل ..الفراش يحيل إلى ما يؤدي إلى الإنجاب/ إنجاب الطفل/ المستقبل..
واصل سيره البطيء..كان الصدى خلفه/ لا الصوت..لم يعد فاعلا..فعله كان صدى يغيبه المكان بعيدا بعيدا.. الفرس/ رمز بطولته وشجاعته/ الدليل عليهما حمحمت حنينا إليه / إلى امتطائه لها..ولم يكن الامتطاء ممكنا أبدا أبدا.. الفرس / البطولة ينزف دم حوافرها .. يلون الحصى ويجعلها تبدو جريحة هي الأخرى..هكذا تفيض الجراح فتصير الفرس جريحة والحصى جريحا..والبطل المترجل أيضا جريحا..هل صار الدم ذاك نهرا / طوفانا..واقع الحال عربيا يقول: نعم..الدم غزير في كل مكان من هذا العالم العربي.. 2- ولأن الدم صار نهرا/ حياتنا نحن العرب..كان لا بد أن يجدف البطل الذي كان ، والواهن الآن يأسا وتعبا ، ويحاول النجاة من غرقه..الأزمة كلها هي هذا التشرذم..هذه الأحادية الحصبائية/ الجفاف الروحي والجمود العقلي وغياب الإنسان..هذه الحمادة الاجتماعية التي لم تعد صالحة للعطاء..النهر ليس نهرا صافيا..النهر دم وجثث ونفايات لا حد لها..النهر اختناق..من هنا ينفث..ينفخ في الريح لعلها تحرك الماء..لعلها تسير به وتنجيه.. .يحيل الفعل ينفث أيضا إلى معنيين متكاملين نسبيا: الشعور بعمق الانكسار نتيجة شدة الهم ، والحقد الشديد على الحياة ..ومن في الحياة..هكذا تترسخ احاديته / تشرذمه..إذ بغير الإنسان فينا لا يمكننا بناء الحياة..الحياة في أساسها جمع تعدد وجود..والأحادية بأي معنى كانت تقتلها..ولأنه متعب جدا جدا باحاديته ، يتمنى لو أن له جناحين ليطير.. إنه متلهف، شديد الشوق ..لكنه لا يمتلك القوة، قوة قراءة الأرض ليعرف اتجاهاتها ويأخذ اتجاهه الصحيح..ويسير ولو بطيئا..الأرض حصباء ،متاهة لا اول لها ولا آخر..والنهر دوامات لا تتوقف عن دوارها أبدا أبدا..والبطل الضائع يضيع اكثر اكثر..
3- يدرك بطلنا المتعب الضائع أنه نازح..بإرادته او بغير إرادته حيث فرض عليه النزوح هو نازح ..ليس مهما.. النازح تعني الهارب من حال لم تعد تسمح بالحياة..بالأمان..بالأمل..حال يكتنفها الخوف اكثر ..بين صحراء الكف وحنائها تشابك كبير..الصحراء رمل/ شبه ملل متواصل ،شبه ممات..والحناء دلالة فرح/عرس/ حياة..بطلنا معلق بين البين..الصحراء هو فيها..والحناء يريدها لها ..بين الواقع والحلم يعيش..لكنه ضائع لا يعرف الطريق ولا كيف يصل إليها..شجت رؤاه..يحدث الشج عادة في الرأس..يفقد الممشوج القدرة على التفكير والتصور ..تصير رؤاه ، أفكاره وأحلامه غامضة..تائهة.. تختلط الأمور عليه فيزداد تيها وضياعا..يصير اكثر غربة عنه وفيه..عن العالم كله..العالم في واد وهو في واد آخر..العالم في واد الحياة..وهو في وادي موت الحياة..رغم الوشمة الزرقاء على زنده.. و.. في عالم عربي بني منطلقا على الترحال( وما زال إنسان حاضره بدوي العقل والسلوك) كان الوشم وسيلة يعرف بها من يضيعه ذاك الترحال..بطلنا أيضا راحل/ ضائع يحتاج إلى من يدله عليه..ا
الوشم أيضا يستعمل في عالمنا العربي - الموبوء بذكوريته وشرفه التي تمثله المرأة عادة - يكتب العاشق الحرف الأول من اسمه والحرف الأول من اسم من يحب على زنده ،دلالة على بقاء ذلك الحب إلى الأبد، خاصة إذا لم ينل المحب من يحب بحكم عادات وتقاليد ما..بطلنا أيضا عاشق..للحياة.. الآخرون يحرصون على حرمانه منها..الآخرون نحن وهم..نحن بأحاديتنا / تخلفنا ..الآخرون بمصالحهم في آنهم ومستقبلهم..مشرد هو إذن..منذ سنوات لا حد لها مشرد..وفي الأفق المرئي مشرد أيضا..إنه النهر/ توامه..لا فرق..النهر عربي..والبطل عربي..والمتاهة واحدة..لكنه يصر على أن يكون ماء..حتى ولو كان ماء آسنا..حتما ستمطر الحياة وتغسل ماءها..الأمل باق..لا يفنى..والحياة لا تعرف المستحيل..والشمس ستبزغ حتما لتريه الطريق..
– لعب الفعل الماضي الدور الأساس في حركة الأحداث..ذاك امر منطقي..العربي لا يعيش في راهنه إلا على الماضي..
في المقطع الأخير انفجر الضمير (أنا ) بقوة..كل الجمل الشعرية فيه حركها الأنا..كأن المتكلم / البطل الواهن يحس باختناقه الشديد..كانه يستجمع قوته ليخرج إلى السطح من قاع النهر..ليفلت من دوران دواماته المدوخة له..لست وحدك أيها النهر موجودا لتتحكم فيَ وتفعل ما تشاء..أنا أيضا موجود..لي إرادتي التي بها أصل إلى ضفة الشمال..هو يحلم..لا شك..لكنها الحياة..
النص مؤلم جدا جدا..
بالسرد القصصي وجموح الخيال تشكل والتأمت اجزاؤه..تلك خاصية فنية مهمة جدا في بناء كل نص حي متحرك ينشد الارتباط العميق بحاضره..
سعدت كثيرا بقراءة نصك عفراء..
شكرا جزيلا لك..
تنبيه لا بد منه:
قراءتي كانت لما وصلني من الشاعرة وهو لا يتجاوز المقاطع الثلاثة..بل توقف عند الجملة (أنا توأمك أيها النّهر!!!)..ما أضافته بعد ذلك يستدعي ربما إعادة نظر في القراءة كلها...العنوان أيضا كان (ترجل في المتاهة )..لكنه في نصها المنشور صار( ارم نردك في المتاهة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية