الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل وإبان وبعد حرب غزة . وكلاء - المقاومة - : الجدار العنصري ضد القيادة الفلسطينية .

عبدالله عيسى

2014 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة ما يعيد السؤال الفلسطيني بعد حرب غزة هذه إلى معناه الوجودي ، وسط اتساع دوائر حول الدوائر إثر سقوطه في نهر الدم الفلسطيني ، ننحاز لقراءة أولية لصوره وتداعياته ، منذرين. من التعاطي مع هذه القراءة بمواقف مسبقة تندرج في سياق الإمساك بناصية النص لاستدراجه إلى حظيرة " التكفير " أو " الإلغاء والمحو :
أولاً : حروب متعهدي ووكلاء " المقاومة " ، تعسفاً ، على القيادة الفلسطينية وعلى الرئيس محمود عباس خصوصاً ، في كل أوجهها ، لم تكن إلا انسياقاً لنظرة " تحزيب " الدم الفلسطيني ، تمهيداً لخطفه ، و" بيعه " لحلف بايعه هؤلاء وصياً على استحقاقات هذا الدم . فلم تنته الجولة الأولى من الحرب - المجزرة التي أقامها جيش الإحتلال المدجج بكافة أنواع الأسلحة ، أي قبل استراحة التفاوض الأولى في القاهرة ، حتى أمعن هؤلاء ومن والاهم في منح عمامة " المقاومة " على شق ٌ من الفلسطينيين ، وطرح " طربوش " المساومة " على شق ّ آخر . واستقدموا لإطباق مكيدتهم محللين تلمع ربطات أعناقهم ، أو حمرة شفاههن ٌ، على الشاشات ، و غزاويين منكوبين أمام الكاميرات ينذرون الدم الفلسطيني كله وقوداً " للمقاومة " بما يشبه مازوشية مطرقة في ملهاتها ، لتوصيف الشق ّ الآخر دون إعادة تعريف الأولويات : العدو ، نتائج الحرب ، حكومة الائتلاف .. الخ .
لكن " رام الله " التي اتهموها تعسفاً بما لا طاقة لها به ردت كبدهم إلى نحرهم ، بشهداء قضوا ، وآخرين ينتظرون في مظاهرات واشتباكات مع جنود االمحتل ، واعتصامات دعماً لغزة في الحرب عليها - المجزرة التي ينجزها جيش الإحتلال بصورة يومية ، والأهم هو دفاع القيادة الفلسطينية عن غزة ، وتمسكها بالثابت الوطني أولوية ًلإنجاز نصر مكتمل ينهي الإحتلال ، لا أن يجزئ المعركة معه بالحصول على إنجازات سياسية مؤقتة كفتح المعبر وسواه فحسب . فالقضية الفصل : كنس الإحتلال بلا رجعة.
1- تبدت الرؤيا جلية ، في أن القيادة الفلسطينية لا تجزئ المعركة مع الإحتلال بأن تجعل من الأنين الفلسطيني في غزة صدى لشعار سياسي تحقق عبره مكاسب داخلية في مواجهة فصائل أو تيارات أو شخصيات ، أو خارجية في مواجهة أحلاف أو مراكز قوى أو فضائيات . وإذ لم ترفع الغطاء السياسي عن فصائل المقاومة ، وفصائل المنظمة لا شك جزء منها ، لم تترك للإسرائيلي ولما يسمى المجتمع الدولي أن يجعل " مقاومة " الشعب الفلسطيني الإحتلال و" إرهاب " الإحتلال للشعب الفلسطيني بممارساته الإجرامية في مربع واحد . فلم تترك فرصة للإستفراد بمن يدافع عنهم هؤلاء " بالوكالة " بأن شكلت حاضنة سياسية لهم ، أي للمقاومة وفصائلها ودعاتها ، ، في حين أرادوا هم تعسفاً عزل القيادة الفلسطينية عن حاضنتها بكيل اتهامات مسبقة لها ، معدة لها في مراكز قوى إقليمية تخدم مراكز قوى غربية .
2- كان مفهوماً للقيادة الفلسطينية أن هؤلاء الوكلاء ، ومن يقودهم من عواصم عربية هي في أجمل صورها أشبه بظل باهت لسياسات عواصم غربية تقودها تل أبيب في عدوانها الهمجي ضد الجسد والمكات الفلسطينيين ، يسعون لدفن المصالحة التي ولدت متأخرة ، وللحكومة الوطنية في مهدها التي كان من المفترض أن تقود دفّة الأمور في الحرب وفي السلم على حد سواء . وهم بهذا وذاك يتقاطعون مع الموقف الإسرائيلي الذي أطلقه نتنياهو بلا لبس الرافض لحكومة التوافق من أصلها ، والذي ربط بين " المفاوضات " مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس و" تحالفه مع حماس " كما أعلن صراحة . أمر يعيد إلى الأذهان إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه ، والقيادة الفلسطينية نفسها ، ضاربين بعرض الحائط التهديدات الإسرائيلية ذاتها ، على حتمية خوض الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006 بمشاركة حماس ، لمنحها غطاء سياسياً وجعل خطاب المقاومة جزء من المشروع السياسي الفلسطيني . تناساه هؤلاء عمداً ، في حين ذاكرة الشعب الفلسطيني لا ترحم .
3- استثمر هؤلاء الوكلاء الدم الفلسطيني لتصفية حسابات إقليمية مع مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي باتهامه بخنق غزة بإغلاق معبر رفح ، وطرح مبادرة 14 يوليو لوقف الحرب على غزة التي وجدت احتضاناً عربياً ودولياً تساوي بين المقاومة والإحتلال حين تتحدث عن " وقف الأعمال العدائية " بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل . وإذ شن ّ هؤلاء حملة دعاية مسرفة على الرئيس عبد الفتاح السيسي والقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس ربطاً بما أسموه" التواطؤ الفلسطيني " بمجرد قبول المبادرة ، فإنهم تجاهلوا قراءة مبادرة الرئيس المخلوع محمد مرسي عام 2012 التي كالوا لها المديح بالمجان والتي تتطابق بنودها الأربعة الأولى مع بنود مبادرة 2014 ، بما فيها وقف الأعمال العدائية بين طرفي النزاع .
ووقعوا في كبدهم من جديد ،
فطالما أرادوا استثمار المبادرة سعياً لإطالة عمر حملة النيل من مصر السيسي باعتبارها تساوي بين " الضحية " الفلسطيني ، و " القاتل " الإسرائيلي ، فإن المقصد الأساس تجلى كونه استعادة ً لشعار " أخونة " مصر ، عبر " تأليه " مبادرة مصر مرسي ، و " شيطنة " مبادرة السيسي ، بالتوازي مع " تقديس " فصائل " المقاومة وشعارها ، و " تكفير " سواها في المشهد الفلسطيني ، لمنح تيار " الإسلام السياسي " برعاية إقليمية جرعة إضافية قد تقود " لأخونة " فلسطين لاحقاً . لكن رعاة هذا التيار الإقليميين ، أولئك الذين بايعتهم " أبواق المقاومة بالوكالة " أوصياء على الدم الفلسطيني اكتفوا بالانضمام إلى حملة هؤلاء دون أن يقدموا أية مبادرات ، لتدخل في إطار حملة انتخابية في تركيا ، أو في دائرة استعادة دور إقليمي مفقود بعد فشل هكذا سياسيات في ملفات إقليمية أخرى ، وعودة مصر بثقلها العربي .
4- الأولوية لوقف إراقة الدماء والدمار في غزة . الموقف المسؤول الذي انتهجته القيادة الفلسطينية ودعاها للموافقة على المبادرة المصرية . فقد بدا معروفاً ومألوفاً في آن أن يسعى نتنياهو ، كغيره من حكام اسرائيل ، بحمل انتصار إلى إجتماعه الوزاري عبر تنكيل غزة في حروب كثيرة بالدم والدمار ، لدرء عبء أزمات داخلية . لكن الأيام الأولى للحرب ، حتى قبل رفض المبادرة هذه ، جسدت انتصاراً فلسطينياً وهزيمة نكراء لحكومة اسرائيل إعلامياً وعسكرياً وسياسياً بخسائر فلسطينية أقل . الأهم في ذلك تعزيز الوحدة الفلسطينية التي شكلت حاضنة للمطالب الفلسطينية ، ( حتى بعد أن اضطر الجميع، وبتكلفة أعلى من الدم الفلسطيني المراق والدمار الملحق بالبنية التحتية والتجمعات المدنية في غزة ، بعد رفض المبادرة المصرية في أيام الحرب الأولى ، للالتفاف حول طاولة التفاوض في القاهرة بدا عزام الأحمد ، بوصفه ممثلاً للقيادة الفلسطينية ، بتعبيرات بعض قيادات المفاومة أكثر شراسة في رفض الشروط الإسرائيلية والدفاع عن المطالب الفلسطينية ) ، و كذلك محاصرة إسرائيل ، وشركائها أو وكلائها بما فيهم الإقليميون ودعاتهم عن حسن أو سوء نية لافرق ، في سياسة الإستفراد بغزة أو عزل رام الله تمهيداً لتمرير سيناريو تعزيز الإنقسام وتعطيل المفاوضات التي من المفترض أن تلزم اسرائيل بتنفيذ استحقاقات عملية التسوية .
ولتأكيد وحدة المشروع السياسي الفلسطيني ، وفق قراءة رؤيا القيادة الفلسطينية ، لا بد من المضي قدماً في جعل مفاوضات القاهرة حلقة في سلسلة المفاوضات التي تقود لابد إلى إنهاء الإحتلال .
فليس من المنطق ، أو المسؤولية ، والعدالة أيضاً ، أن تخاض ضد غزة بضعة حروب دموية مدمرة ، ذهبت بها وحشية إسرائيل لاستخدام أسلحة محرمة دولياً ، خلال عقد واحد ، أي بعد توقيع اتفاقية أوسلو وتحديداً بعد الإنقسام الفلسطيني المشؤوم عام 2007 ، فيما تبقى المطالب الفلسطينية ذاتها : فتح المعابر ، الميناء ، المطار .. وسواها .
فالقيادة الفلسطينية ، كما يفترض وذهبت إليه ، لا تتفاوض مع اسرائيل على إقامة المطار والميناء ، فقد نصت الاتفاقات بلا لبس عليهما ، بل يتم التفاوض " على آليات تشغيلهما " ، فالمطار الذي شهد افتتاحه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع الرئيس الراحل ياسر عرفات تم قصفه وتدمير مدرجاته بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية ، وتحديداً في عام 2001 . فيما النصوص واضحة أيضاً بشأن المعابر ، والتي تعاطت معها اسرائيل ، وكذا مصر ، بسياسة أشد تعقيدا ً بعد الإنقسام الفلسطيني .لكن ، كان واضحاً من أبسط القراءات السياسية ، أن كلاً من مصر وإسرائيل اللتين تتهمان حماس بالتورط بالإرهاب ، سيما بعد احتضان المبادرة المصرية عربياً ودولياً ورفض حماس لها ، لن تمنحاها أي مكسب سياسي ، بما في ذلك فتح المعابر ، حيث لا بد من عودة فتحها وفق الاتفاقات الموقعة مع السلطة . ما يطرح سؤالاً ضجراً : لماذا الذهاب أبعد في دفع فاتورة الدم والدمار ، طالما الأمر كذلك ؟
ثانياً : يكاد يكون جلياً أن الأطراف هذه كلها امتحنت سياسة عض الأصابع في انتظار ربع الساعة الأخيرة .الصواريخ التي انطلقت من غزة مهددة أمن إسرائيل كانت مفاجئة لا شك ، وأكدت المقولة الفلسطينية الكبرى : أنكم أيها الإسرائيليون لن تحصلوا على أمنكم دون أن يتحقق سلامنا العادل. لكن رفض المبادرة المصرية أطلق يد نتنياهو ، بدعم دولي سيما من تلك العواصم الكبرى التي تتبنى أمن إسرائيل ، في حفر المزيد من القبور وتدمير ما تقع عليه عينه في غزة . لا حصانة بعد هذا ، خاصة بعد رفض دعوات كيري وسواه بالتهدئة ووقف العنف ، حتى للمساجد ومدارس الأونروا وارتكاب مجازر كبرى فيها ، مراهناً على ضرب حاضنة المقاومة الإجتماعية بممارسة حرب إبادة عليها ، فيما ظلت فصائل المقاومة تراهن على صمود الجسد والمكان الفلسطينيين في حرب بدأ ينزوي عنها " الوكلاء " و" متعهدو " ودعاة المقاومة . بينما لا يبدو أن الدولة المصرية بزعامة السيسي ستكتفي بالتوصل إلى هدنة بين حماس واسرائيل ، كما كان في السابق ، بل لاستثمارها لخلق خارطة طريق تقود إلى عملية سياسية تنهي الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر التفاوض ، طالما أن تنظر بعينين مفتوحتين إلى أن ما يحدث في غزة سوف يهدد أمنها القومي عبر تفجيره من خلال بوابة سيناء . وفي أتون هذا كله , وطالما يمكنها وحدها التحدث للجميع من موقع مسؤولياتها وعلاقاتها ، تقبض على الملفات كلها لإعادة ترتيب الأولويات ، والنهوض بالمشروع الفلسطيني إلى حالة هجوم دبلوماسي يحقق انتصارات جديدة على شرعة القتل والدمار التي تنتهجها اسرائيل .بالتمسك بحكومة الوحدة وتوحيد جناحي الوطن ، تمهيداً للعمل على استخدام كافة الأدوات ، بما في ذلك الذهاب للمنظمات الدولية لمحاكمة اسرائيل على جرائم حرب اقترفتها بحق الفلسطينيين ، لإنهاء احتلال الضفة الغربية بدء ً كمنطلق لقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف . ولعل سؤال الرئيس الفلسطيني محمود عباس : هل من حرق الفلسطيني محمد خضير بعد تعذيبه بهذه الصورة الوحشية يرغب أو قادر على السلام و التعايش ؟ سيكون مدخلاً رؤيوياً لذلك عبر محاصرة الخطاب الإسرائيلي ، سيما في الغرب ، والذي يقدم نفسه ضحية لما يسميه " الإرهاب " الفلسطيني ، ويبرر سياساته الوحشية بالدفاع عن أمن المواطن الإسرائيلي " المقدس " .
ثانياً : يحدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام اجتماع القيادة الفلسطينية في22يوليو الفائت ملامح نهج ما أسمّيه " الهجوم الفلسطيني الدبلوماسي القادم " : إن نقطة دم فلسطيني أغلى من أي شيء في العالم ، ولن يحصل أحد في العالم على أمنه دون أن نحصل على حقوقنا الوطنية كاملة ، وأننا سنلاحق الإسرائيليين على جرائمهم بحقنا طال الزمان أم قصر . وأن الحق الفلسطيني أقوى من آلة القتل الإسرائيلية . موقف لم يحد عنه ، والقيادة الفلسطينية معه ، لكنه ذكّر به إن نفعت الذكرى .
وإذ أذكر هنا أن امتناع القيادة الفلسطينية عن الدفع بتقرير غولدستون عام 2009 والقاضي بتقصي حقائق من قبل بعثة الأمم المتحدة لجرائم حرب ارتكبتها اسرائيل وكانت ، ممثلة - أعني القيادة الفلسطينية - أول من بادر لدعمه ، خلافاً لإسرائيل التي امتنعت عنه ، إلى أروقة لجان الدولية ، في أحد أسبابه ، هو التخوف من وقوع حماس ومنظمات فلسطينية مقاومة أخرى تحت طائلة التحقيق ، طالما يشير التقرير إلى هذا صراحة بالتساوي مع اسرائيل . ومع ذلك ، أهال دعاة ووكلاء " المقاومة " ، ومغتنمو الحروب وأحلافها ، حملة انتقادات شعواء على القيادة الفلسطينية آنذاك دون قراءة عميقة .
يتكرر الأمر نفسه بشأن انضمام فلسطين للمحكمة الدولية لمحاسبة اسرائيل على جرائمها في حرب غزة 2014 . هؤلاء أنفسهم يشنون الحملة نفسها . وبإمكاني للمقارنة استقدام عشرات من مقالات وتحليلات هؤلاء.إبان غولدستون ومقالاتهم وتحليلاتهم هذه الأيام لأوكد أنها لا تختلف في شيء حتى بلغتها المألوفة . فلماذا كل هذه الانتقادات طالما لم توقع فصائل المقاومة أسوة بالفصائل الفلسطينية التي وقعت على عريضة انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية في 29 يوليو ، حتى الثلث الأخير من شهر أغسطس ، أي قبل إعلان هدنة القاهرة 27 أغسطس ببضع أيام .
المنهج المؤسساتي الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذاته الذي قاد لإصراره على ضرورة توقيع الفصائل مجتمعة للذهاب إلى المحكمة الدولية . فالمعركة الدبلوماسية في إطار المحكمة الدولية ، وغيرها من المؤسسات الأممية ، مشتركة ، تماماً كما فعل الصمود ومواجهة العدوان في غزة . إضافة إلى وطالما شكلت القيادة الفلسطينية ، انطلاقاً من مسؤولياتها الوطنية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، مظلة سياسية لفصائل المقاومة في غزة إنطلاقاً من رؤيا وحدة الدم والمصير ، حتى لا تستفرد بها اسرائيل تحت زعمها الأرعن بأنها تخوض معركة ضد " الإرهاب " دفاعاً عن " أمن اسرائيل " ، فإنها أرادت وتأسيساً على هذا النهج أن يشترك الجميع بمسؤولياتهم تجاه العمل الوطني المشترك في المؤسسات الدولية ( انضمت فلسطين لأكثر من 15 منظمة منها لمحاكمة اسرائيل على جرائمها ) ، سيما وأن اسرائيل التي لم توقع على اتفاق روما وليست عضواً في المحكمة الدولية قد تقلب مع شركائها ووكلائها الدوليين الأمر ضد فصائل المقاومة باتهامها، بأنها قامت بجرائم حرب أيضا ً نظراً لإطلاقها الصواريخ ضد المدنيين ، وإن كان هذا لا يتطابق مع الحقيقة وفقاً للمادة 31 من قانون المحكمة ، ما يفتح على الفلسطيني النار في جبهة دبلوماسية جديدة ، ويعطل مطالبه الأساسية في تحقيق الدولة والاستقلال النهائي . علماً أن هذه المحكمة عبر تاريخها كانت ترفض كافة الدعاوى الموجهة ضد الولايات المتحدة واسرائيل في كل حروبها السابقة على الفلسطينيين عبر دول عربية وسواها أعضاء فيها داعمة للفلسطينيين ( بحجة أن اسرائيل ليست عضواً وأن فلسطين ليست دولة / قبل أن تصبح عضوا ً مراقباً - الانتصار الفلسطيني الذي قلّل كثير من هؤلاء الوكلاء من أهميته ) ، ولم تقم إلا بمحاكمة دول ضعيفة كالإفريقية خاصة .
ثالثاً : بدا نتنياهو بعد إعلان الهدنة في مؤتمره الصحفي كالمغشي عليه ، مبخوعاً على نفسه ، مؤكداً أن حماس لم تحقق شيئاً من شروطها ، لكنه ، وجيش احتلاله معه ، لم ينل من شروطه إلا قبض ريح . لكن لهجته ، ونبرة وزير دفاعة الذي أكد أنه سيضرب المقاومة يأشكال أخرى ، تحمل على التكهن أنه ، كعادة حكام اسرائيل ، سوف يتهرب من التزاماته تجاه بنود الهدنة واستحقاقات المفاوضات اللاحقة التي من المفترض أن تبدأ بعد شهر ، في حين كانت غزة تحتفل بالانتصار الكبير ، في مشهد تختلط فيها مشاعر نهاية حرب وحشية عليها بحلم فتح المعابر لدخول متطلبات الحياة إليها . لكن نشوة هذا الإنتصار لا ينبغي أن تجعل الأمر ملتبساً :
1- انتصار غزة هو انتصار لفلسطين كلها ، ولا يجب أن يُستجلب إلى محراب " الفصائلية " أو " الحزبية " ، أو الأحلاف " ، طالما أنه تجسّد بوحدة الشعب الفلسطيني كله واحتضانه للمقاومة ، قيادة ومؤسسات وجماهير ، في معركة الدم مقابل السيف ، سيما وأن هذا التلاحم ، خاصة بين فصائل المقاومة والقيادة الفلسطينية بما في ذلك في مفاوضات القاهرة ، كان كفيلاً لتفاعل فعلي المقاومة و الدبلوماسية ، عبر حشد تعاطف دولي من خلال التأكيد على أن المقاومة حق مشروع للفلسطينيين ضد الإحتلال لنسف الخطاب الإسرائيلي ، الأمر الذي منح المقاومة شرعية من قبل السلطة والمنظمة ، وكذلك شحذ كافة الأدوات والعناصر السياسية والدبلوماسية الممكنة للاستعداد لفترة الحرب وما بعدها ، بما في ذلك ترتيب الأوراق بخصوص المعركة السياسية المقبلة مع الإحتلال عبر الإنضمام إلى المحكمة الدولية ودعوة الدول المانحة لإعمار غزة والدعوة لعقد مؤتمر دولي لمحاصرة اسرائيل وغيرها ، ما عزز بالضرورة وضع نهاية للإنقسام وتكريس دور حكومة التوافق ، وتوحيد شقي الوطن ممارسة وخطاباً .
2-كما أن انتصار غزة ليس إلا سلسلة في المعركة الفلسطينية التاريخية ، سيما المعاصرة ، ضد الإحتلال ، ولا ينبغي النظر إليها بوصفها تجب ّ ما قبلها ، كمعركة الكرامة وبيروت وأخواتهما ، والتجربة النضالية لمنظمة التحرير وفصائلها ، بما في ذلك عبر محاولة اسرائيل اغتيال اسرائيل لمثقفين ومبدعين فلسطينيين ظناً منها أنها بهذا تطلق النار على الذاكرة الفلسطينية مثل غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وماجد أبو شرار و ناجي العلي وسواهم الكثيرين ، أوتصفية رموز الثورة الفلسطينية و المقاومة في محاولة لإرهاب الشعب الفلسطيني مثل الراحل ياسر عرفات و خليل الوزير وأبو علي مصطفى ، والشيخ الجليل أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وعياش وسواهم الكثيرين .
4- الانتصار الفلسطيني الحقيقي هو في كنس الإحتلال نهائياً عن أرضنا المحتلة ، ما يقتضي إدراج انتصار غزة في مجرى المشروع الفلسطيني الذاهب إلى إجبار اسرائيل على الإلتزام بكافة
نصوص الاتفاقات الموقعة واستحقاقات عملية السلام التي عطلتها . فليس من المجدي أن تخاض حروب إسرائيلية دموية ومدمرة على غزة ، وبعد كل ّ منها نعلن الهدنة مع اسرائيل على أساس شروط هي أصلاً جزء من استحقاقات الاتفاقات التي يفترض أن تلتزم بها اسرائيل . فالميناء والمطار والمعابر حق فلسطيني وفقاً للنصوص الموقع عليها في هذه الاتفاقات ، ويجب التفاوض مع اسرائيل على إعمالها ، لا على فتحها . ما يعني أن اسرائيل ، وبعد فواتير الدم والدمار الكبيرة التي يدفعها الفلسطينيون ، تعيد المفاوضات إلى مربعها الأول ، وهذا نهج تفاوضي اسرائيلي غدا مكشوفاً ، بالتعاطي مع التفاصيل التي يختبئ فيها شيطانهم ، لا بالجوهر حيث يتجلى الحق الفلسطيني . وفي حطاب نتنياهو بعد إعلان الهدنة ما يشي بأنه سوف يتملص حتى من شروط هذه الهدنة واستحقاقات المفاوضات المقبلة التي يفترض أن تبدأ بعد شهر من بدء الهدنة .
5- انتصار غزة هذا ينبغي أن يقود إلى حل مأساة شعبنا في غزة بصورة نهائية ، بإنهاء الإنقسام وكافة صوره وتداعياته ، عبر حكومة وطنية ، انطلاقاً من وحدة الدم والمصير " تدير وحدها دفة الأمور وتمتلك قرار التفاوض وأشكال المقاومة غبر تضافرهما ، وعدم التفرد باستخدام أحدهما لحيازة انتصارات حزبية أو فصائلية تأتي بنتائج غير محسوبة وأحياناً مدمرة ، كفعل الإنقسام نفسه مثالاً لا حصراً ، وتجبر اسرائيل ، انطلاقاً من توحيد عناصر وآليات الفعل الفلسطيني ، على تنفيذ التزاماتها جميعاً بما فيها المطار والميناء والمعابر ومساحات الصيد البحري ووحدة غزة والضفة جغرافياً وسواها من قضايا المرحلة النهائية .
رابعاً : ينبغي أن لا نتلكأ في ردع الوكلاء هؤلاء ، المرابطين في غرف مكيفة لإعداد خطب ببلاغة مألوفة ، أو بيانات تتناسل في الإعلام وصفحات الحوادث وكأن غزة تقع دائما في حادث سير مفاجئ ، أو أخبار تنتقل من شريط الأخبار السريعة إلى الخبر العاجل ، كي يكفوا عن التحدث بالنيابة عن أطفال غزة وشعبها وشوارعها ومنازلها ، وألا يكتفوا بإغداق المدائح على الأنفاق دون أن ينتبهوا إلى أن الجسد الفلسطيني تحت الطائرات الإسرائيلية يبحث عن ملجأ ليحمي حياته .
إن فعل المواجهة يكون أولاً بحماية الجسد الفلسطيني لا بدفعه ليكون مجرد لقب " شهيد " ما يعطي الفرصة لاتهام الفلسطينيين بأنهم يسوقون أطفالهم دروعاً بشرية .
* شاعر وأكاديمي فلسطيني .مقيم في موسكو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي يجبر سكان أحياء شرق رفح على النزوح نحو وسط


.. عرض عسكري في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة يوم النصر على ألم




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بعد عودة وفد التفاوض الإسرائ


.. مستوطنون يغلقون طريقا بالحجارة لمنع مرور شاحنات المساعدات إل




.. مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يواصل السيطرة على معبر رفح لليوم