الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الهوية القومية والهوية الفردية

علاء عبد الهادي

2014 / 9 / 3
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في الهوية القومية والهوية الفردية
دكتور علاء عبد الهادي*

بداية‏,‏ أنتج النظام الرأسمالي في العصر الحديث‏,‏ مفاهيم ارتبطت به‏,‏ ودعم انتشارها العالمي عبر الإعلام المنظم‏,‏ مثل مفاهيمه عن الديمقراطية‏,‏ أو الحرية‏...‏إلخ‏.‏ ويتمثل أعظم انتصار أحرزه هذا الإعلام في‏ ‏ الاستفادة من الظروف التاريخية الخاصة للتطور الغربي‏,‏ من أجل تعريف محدد للحرية قد صيغ في عبارات تتسم بالنزعة الفردية‏ ..‏

يشير عدد من المفكرين الغربيين إلي الصلة القائمة‏ ‏ بين نزع مركزية التراكم العالمي‏,‏ وتفتت الهويات‏ ,‏ حيث قام التشجيع العالمي للفردية‏,‏ مجتمعا من التعددات الثقافية الهائلة‏,‏ وذلك بسبب مجموعة متضافرة من العوامل مثل الهجرات الواسعة‏,‏ والشتات السكاني‏,‏ وضعف الروابط القومية‏,‏ والانفتاح المرئي‏,‏ وغيرها‏,‏ وهي عوامل كانت حاسمة في التحرك نحو ظرف صناعة واسعة للآخر علي مستويات عديدة بدءا من الآخر المحلي إلي الآخر الشرقي‏,‏ والغربي‏,‏ والأسود‏,‏ والأصفر‏,‏ والعربي‏,‏ والمسلم‏...‏إلخ‏.‏

ربما نتفق فيما يرتبط بمحيطنا العربي‏,‏ علي أن جزءا من التطور اللاحق للعولمة‏--;--‏ ذلك الجزء المتعلق بأمريكا‏,‏ وحلفائها الغربيين بخاصة‏,‏ كان راجعا إلي فقدان أمريكا لصورة الآخر بعد انتهاء الحرب الباردة‏,‏ وربما يرجع هذا إلي أن أمريكا قد فقدت جزءا من التحامها المرتبط بهويتها الذي كان يرعاه وجود أخر في صورة تهديد أو عداء‏, ‏ فكان أن خلقت عدوا جديدا هو العالم الثالث‏ ,‏ علي حد تعبير نوم تشومسكي‏(1928),‏ فاستبدلت بالصراعات ذات الطابع الاقتصادي السياسي‏,‏ الصراعات ذات الطابع الاقتصادي الثقافي‏,‏ بحيث أصبحت الثقافة ساحة نزال أيديولوجي للنظام الرأسمالي العالمي الجديد‏.‏

كما لعب‏_‏ في الآن ذاته‏-‏ ما يطلق عليه الاحتفال للهوية الفردية الذاتية‏,‏ المرتبط ضمنا بالتنظيم الاجتماعي العقلاني في الدولة الحديثة‏,‏ دورا رئيسا في التأسيس العالمي لشكول متنوعة من الأقليات ذات الهويات المحدودة‏,‏ فردية كانت‏,‏ أو جماعية‏.‏ فلم يعد في مكنة أية دولة احتكار عملية التنشئتين الاجتماعية‏,‏ والثقافية‏,‏ كما كانت من قبل‏,‏ حيث تواجه دبلوماسية الدول الآن‏,‏ تنظيمات عالمية‏,‏ وشبكات دولية‏,‏ يحل فيها العمل الفردي محل النظام المؤسسي‏,‏ هذا فضلا عن أن تنوع الإغراءات الدولية‏,‏ التي يتعرض إليها الأفراد‏,‏ وتعددها‏,‏ يحررهم جزئيا من وصاية الدولة‏ ,‏ علي نحو يدعم الهوية الفردية في ارتباطها باليومي المعيش‏,‏ وفي تخليها التدريجي عن رابطها القومي‏,‏ أو المجتمعي‏.‏

ربما نتفق‏-‏ إذا ما نظرنا إلي الفردية من الجانب الفكري الحديث‏-‏ علي أن‏ ‏ الفردية هي الأساس الخلقي الجماعي للمجتمعات الحديثة‏ ,‏ كما يذهب إلي ذلك إميل دوركايم‏(1858-1917).‏ وبالرغم من اعتقادنا في أن الانتماء الفردي‏,‏ أو الانتماء الجزئي القائم علي الولاءات المختلفة إلي جماعات جزئية‏,‏ أو فرعية عديدة‏,‏ لا يفضي بالضرورة إلي التعصب ضد الهوية القومية‏,‏ فإننا نشهد الآن انهيارات مؤثرة في الثبات الذي تمتعت به طويلا الهويات الثقافية الوطنية في تاريخها الممتد‏,‏ وذلك بصفتها معتقدا اجتماعيا‏,‏ وسياسيا‏,‏ ذلك بعد أن قام الاهتمام المعاصر بالهويات الفردية‏,‏ والهويات الجزئية‏,‏ بنقل مختلف تجليات الهويات العالمية وآدابها وثقافاتها‏,‏ اتفاقا واختلافا‏,‏ تباينا واندغاما‏,‏ إلي مختلف أرجاء البسيطة‏,‏ من خلال تدفقات هائلة‏,‏ وشديدة التفاوت والاختلاف في آن‏,‏

علي نحو تغيرت فيها الثوابت القديمة لمفهوم الهوية‏,‏ ففي سياقات الهويات الفردية المنفصلة‏,‏ تصبح لكل ثقافة هوية‏,‏ بعد أن أصبح الاختيار الذي يمكن أن يتبناه المرء لمتخيله عن هويته أكثر اتساعا بما لا يقارن‏,‏ بذي قبل‏,‏ فنتاج التدفق الثقافي الهائل بين الثقافات‏,‏ نتاج رحب‏ ,‏ معبأ بفضاءات لانهائية هجينة‏,‏ تتنامي علي نحو حاد‏,‏ وتضاعف علي الدوام قيام الهويات الفردية‏,‏ في داخل الهويات القومية‏,‏ بصفتها هويات مرتبطة باختيارات أفراد‏,‏ أو بانتماءات محدودة إلي جماعات نوعية‏,‏ أو مجموعات صغيرة‏,‏ وذلك وفق ما يرتضيه كل فرد لنفسه من ثقافات متداخلة‏,‏ وهو ما أضعف من قوة الرابطة المشتركة بين الفرد‏,‏ وبين مختلف أفراد مجتمعه الوطني‏,‏ أو القومي‏,‏ فأصبحت مساحة الآخرية متسعة إلي حد بات يقرب الأنا القومية في تعدداتها ذات الثوابت المشتركة‏,‏ إبان سيادة الدولة القومية‏,‏ إلي من تسميه‏ ‏ آخر‏ .‏ ربما كانت أحداث‏,‏ مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر الأخيرة‏,‏ دليلا علي مانذهب إليه علي المستوي العربي‏,‏ وربما كانت أحداث العنف المتكررة بين مشجعي مباريات الزمالك والأهلي دليلا آخر علي المستوي القومي‏..‏

هكذا‏,‏ واجهت النزعة القومية في العقود الثلاثة الأخيرة‏,‏ تحديات متزايدة‏,‏ تتمثل هذه التحديات في ميل الهوية الآن إلي الارتباط بالانتماءات ذات النطاق الضيق‏,‏ أو المحدود‏,‏ سواء علي المستوي الإقليمي‏,‏ أو غير الإقليمي‏,‏ وذلك في ظل تقلص فعالية القدرة التكاملية للدولة‏,‏ وهذا ما أفقدها جزءا من معناها في النهاية‏.‏

علي الجانب الآخر‏,‏ أشعل الخوف علي الهوية‏,‏ حدة الدعوات المطالبة بالتمسك بها‏,‏ والقانون الذي نؤكده هنا هو أنه كلما تناقصت ثوابت متخيلنا عن هويتنا القومية زاد عدد أعضائها‏,‏ وذلك علي الرغم مما يبدو من الوهلة الأولي من أن قلة ثوابت هوية ما قد تسير بنا في اتجاه التجزئة‏,‏ فالأمر علي خلاف ذلك تماما‏,‏ ذلك لأن هذه الثوابت القليلة ستضم فضاء اوسع من الهويات علي المستوي الكلي‏,‏ ويظل موضوع الحفاظ علي الهوية القومية في عصر العولمة وتحديات ظرفنا الحضاري المعيش‏,‏ رهين سياسات المقاومة‏,‏ ورهين قدرتها علي التأثير علي ثقافة المركز‏,‏ والحد من هيمنتها علي الفضاءات الثقافية الدولية بخاصة‏.‏

من خلال هذا الطرح يصبح التساؤل عن ثوابت ما قليلة تتسع لمتخيل هوية عربية يمكن رسم حدودها‏,‏ واستثمارها‏,‏ علي المستوي السياسي بخاصة‏,‏ تساؤلا مهما يحتاج إلي إجابة‏,‏ وهذا ما قد يدفع بمفهوم الهوية إلي بعده المرتبط بالتوظيف والفائدة‏,‏ وذلك من خلال رحلة البحث في الفضاءات الممكنة التي يمكن فيها توظيف هذا المتخيل‏(‏ الهوية‏)‏ علي الجانب الاجتماعي من جهة‏,‏ ثم استثماره علي المستوي الدولي من جهة أخري‏,‏ وذلك إذا ما سعت مجموعة من التكتلات القومية الكبري مثل‏ ‏ العرب‏,‏ والهند‏,‏ والصين‏ ...‏إلخ‏.‏ لإنجاز توازن في الخطابين الثقافي والعلمي المعاصرين‏,‏ من أجل تفكيك مركزيته الغربية‏,‏ وهو ما يصعب تحقيقه إلا من خلال اشتراك أكبر عدد من الخبرات الإنسانية والتاريخية المختلفة فيه‏,‏

من أجل هذا جاءت إشارتنا إلي أهمية البعد القومي العربي التكاملي‏,‏ وأهمية توظيفه‏_‏ علي المستوي البراجماتي‏-‏ في علاقته بمتخيل الهوية‏,‏ ففي ظل عولمة تنتمي سياساتها إلي ثقافة لها أصول غربية متقاربة‏,‏ تقوم‏-‏ بشراسة‏-‏ بفرض هيمنتها علي الثقافات الأخري‏,‏ يصبح البحث في علاقة الثقافة بالهوية ضرورة‏.‏ ربما كان الاختيار الصحيح الآن قوميا‏,‏ ولا يرجع ذ لك في رأيي إلي أسباب عقدية بقدر ما يرجع إلي فهم ضروري لطبيعة الحراك العالمي الآن‏,‏ الذي لاوجود فيه إلا للتكتلات الكبري‏,‏ فالانتماء إلي الخيار القومي انتقل الآن من دافعه العقدي إلي دافعه البراجماتي‏.‏

يقول ابن عربي‏ ‏ إذا فرقت الأشياء تمايزت‏,‏ ولا تمتاز إلا بخواصها‏,‏ وخاصية كل شيء أحديته‏,‏ فبالواحد تجتمع الأشياء‏,‏ وبه تفترق‏ ,‏ فالواحد أو الفرد هو الذي يضع المسافات‏,‏ ويزيلها‏,‏ ذلك لأن المسافة التي تفصل بيني وبينك‏,‏ هي ذاتها التي تفتح طريقا بيننا‏,‏ وأجمل من هذا كله ما يعبر عنه المثل الشعبي العربي عن الفرق بين حمل الفرد‏,‏ وحمل الجماعة‏,‏ حين يقول‏--;-- ‏ حمل الجماعة ريش‏ .

*(شاعر ومفكر مصري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: ألبانيا تصدم كرواتيا بتعادل متأخر 2-2 وتعقد


.. فصائل مسلحة عراقية تطالب بانسحاب القوات الأميركية | #الظهيرة




.. القائم بأعمال الخارجية الإيرانية يلتقي رئيس المكتب السياسي ل


.. رئيس شركة بوينغ يواجه استجوابا بشأن راتبه وشفافية معلومات إد




.. أصوات من غزة| الحرب غيرت حياتهم.. أطفال غزة يعملون لإعالة أس