الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟

ناجح شاهين

2014 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



من الغريب أن بيننا من لا يفكر في الانتحار، ومن المدهش أن من يفكرون في الانتحار لا ينتحرون
(طفلة من مخيم الأمعري)

الحياة غريزة قوية لدى أعضاء منتدى الكائنات الحية جميعاً، بوصفهم أفراداً أو جماعات. صدقوني لو لم يكن الأمر كذلك لما بقي فلسطيني واحد على قيد الحياة. كنا قتلنا أنفسنا جميعاً. إذ ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟
بعد "اللي صار، كل اللي صار" تطل علينا من كوكب آخر فروسية أبناء المحاور السعودية والقطرية. طيب يا إخواني الفلسطينيين، وكالات الأنباء تحمل أخباراً مزعجة: يمكن الولايات المتحدة فقدت الأمل في فاعلية الدور القطري، وربما تطلب من قطر العودة إلى بيت الطاعة السعودي. ماذا يفعل عزمي ويوسف وخالد وإسماعيل وبقية الأحبة الذين قفزوا منذ بعض الوقت في إحدى عربات أردوغان وتميم الثورية؟
يمكن ما يظل في تنويعات في المدارس الأمريكية الشرق أوسطية، يعني بصراحة "خايف" ما يظل ألوان من الثورات الأمريكية المتنازعة. ماذا نفعل في تلك الحالة: بمعنى كيف سنجد أسباباً مقنعة للتنازع على من صنع النصر، ومن السبب فيه من الحلفاء التابعين للولايات المتحدة زعيمة الحرية والديمقراطية والديمقراطيين والأحرار؟ مشكلة، لا شك أنها مشكلة برسم البحث عن مخرج. (قال مظفر: يا رب كفى حكاماً قردة...). "بعد اللي صار، كل اللي صار،" الموت والدمار، والصمود والبطولة، المأساة في قمة تجلياتها، يصر هذا وذاك على تحويلنا إلى أضحوكة.
ترى ما الذي يمنع أحدنا من الخروج على الناس شاهراً سيفه؟ وما الذي يبقيه على قيد الحياة؟
الأجهزة التي تتنمر على المواطن في كل مكان، وتنتهك حقوقه ولا تفعل شيئاً تجاه المحتل. كذب توماس هوبز: ليس من مهام الدولة حماية الإقليم وسكانه من العدوان الخارجي. لا نعرف ما هي مهماتها بالضبط، خصوصاً في بلادنا. لكن ماركس على الأرجح وجد طريقة لتطبيق النظرية: إن مهمة الدولة هي أن تحمي نوم الأغنياء من أرق الفقراء. كم يبعد الأمعري عن المصيون؟ بل كم تبعد رام الله عن غزة؟ أمتار تفصل المكان عن المكان، لكن مسافات ضوئية طبقية تفصل السكان عن السكان.
لكن ما مسوغ البحث عن الوطن المفقود؟ هل قال ابن أبي طالب: الفقر في الوطن غربة؟ والغنى في الغربة وطن. مرة أخرى ماركس: رأس المال لا وطن له. شكراً ماركس، نحن في هذه البلاد أكثر من غيرنا نعرف أن رأس المال لا وطن له. وطنه هو الربح حتى لو ضاع الوطن كله أو تفكك أو تمت مصادرته لأغرضا الاستيطان.
هل يوجد بقايا بقعة لإدارة الشركات التي تجني الأرباح من بيع الهواء؟ يوجد؟ شكراً إذن فلتلحق المدن والقرى بأخواتها.
ترى ما الذي يمنع أحدنا من الخروج على الناس شاهراً سيفه أو يبقيه على قيد الحياة؟
ربما المشافي وخدمات الأطباء الذين يطبقون الأغنية الكوميدية الكئيبة: "طبيب جراح، جيوب الناس أفضيها."
قال الدكتور: "هناك بقعة في الصدر، نحتاج إلى مزيد من الصور لكي نتحقق من الوضع." قلت متهكماً: "هل تعتقد أن هناك سرطاناً في رئة الرجل؟" قال بلهجة تصطنع الجد: "كل شيء ممكن." قلت لنفسي (مثلما هو المعتاد في مثل هذه المواقف): "في المال ولا في العيال." على الرغم من أنني كنت متأكداً أنه يسعى إلى انتزاع مائة شيكل أخرى من جيب الرجل. عندما ظهرت النتيجة، قبل أن يخبرني بها قلت له بالإنجليزية التي يعشقونها: lungs are clear (الرئة نظيفة) فابتسم وقال: كيف عرفت؟ تجاهلت السؤال وقلت له: أنا صديقي الدكتور فلان..... فقال: "خلص إذاهيك بلاش ناخذ منك." قلت بسخرية: "كيف يا رجل هو الوقت اللي ضيعناه انت وانا والمريض، وبعدين جرعة الأشعة التي تلقاها جسده دون سبب، يمكن أن تذهب دون ثمن، لا والله لندفعن الأجرة وفوقها بوسة." بدا مرتبكاً ولكنه لم يعتذر. ألم يقسم الطبيب قسماً أخلاقياً عند مزاولته المهنة؟ بلى، ولكنه يقول لنفسه: "كلهم يخون الأمانة فلماذا أنا من دون الناس لا أخونها؟"
هل نتحدث عن المؤسسات العلمية العامة والأهلية والرشاوى والفساد وغياب الكفاءة والمحسوبية في التعيين والبيروقراطية الشكلية القاتلة التي تنشغل بكل شيء ما عدا العمل الأساس الذي يجب أن تنشغل به. مرة أخرى لا بد من إزعاج ماركس: إن البيروقراطية عندما لا يكون لديها عمل، تنشغل بالناس، وتشغلهم، فتخترع تفاصيل لا تفيد في شيء، بل تقتل الرغبة في الإبداع، والرغبة في الفعل، بل الرغبة في الحياة ذاتها. من الصعب للأسف إقناع البيروقراطي أن تفاصيله التافهة تافهة. فهو يظنها السبب في الاختراعات العظيمة كلها منذ النار والعجلة والهجاء، وحتى الذرة، والإلكترون، والإنترنت. البيروقراطي قادر على الانخراط في التفاصيل التي تحتاج ساعة من الوقت، مدة سنوات. ويستطيع أن يقتل الوقت، ويقتل الحماسة، بل ويقتل الوطن كله ببلادته وبطئه، وعدم حساسيته ويقظته تجاه القضايا الأكثر أهمية.
همسة ناعمة: البيروقراطية في بلادنا ليست سمة القطاع "العام" فحسب، فهي موجودة في القطاع الأهلي، والجامعة، والمشفى، وأينما ذهبتم.
ترى ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟
هل تصدقون أن أهلي من مدينة القدس الذين يتعلمون –لحسن الحظ أم لسوئه؟- من المحتل احترام النظام، والانضباط...الخ يتركون كل ذلك خلفهم، ساعة وصولهم حاجز قلنديا فينقلبون عرباً أقحاح خارجين من الصحراء تواً. فيقومون بالموبقات كلها في شوارع رام الله مستشعرين قوة معينة كونهم يحملون بطاقات زرقاء ونمراً صفراء، حتى أن البعض يقول مداعباً: ما الذي يمنع شرطة رام الله من منعهم من الدخول إلى البلد مثلما تقوم "إسرائيل" بمنع سيارات الضفة من الدخول إلى أرض 1948؟ هههههههه أمر مضحك، ربما، ولكن السائل يفكر: كم مرة في اليوم في ذهابه إلى عمله وعودته في مسافة لا تزيد عن سبعة كيلومترات يتعرض لمخالفات أبناء شعبنا المقدسيين؟
أشياء، وأشياء، وأشياء ..........
رأيت أماً في أواخر العمر تبكي أمام مدير المدرسة، وترجوه أن لا يرسب ابنها في الصف، لأن ذلك لن يفيد الطفل في شيء، وسوف يدمره، ويدفعه إلى ترك المدرسة، وربما يتحول إلى مجرم. يا الله ما أذكى هذه المرأة، كأنها عالم نفس تربوي. لكن المدير أصر: ابنك يا أختي تيس (تيس كلمة لطيفة شائعة في المدارس) والموضوع طلع من ايدي." ظلت الأم تبكي، وأشار المدير بطرف عينه ساخراً من غباء الأم التي لا تقدر على فهم الحكمة العميقة لنظام التعليم الفلسطيني الذي كان يمكن لهذا الطفل أن يكون رائعاً فيه لو أنه حفظ بضعة أسطر تافهة، أو حتى لو أنه قام بنقل الإجابة عن زميله أو عن الكتاب. لا فائدة، لا فائدة.
قبل أيام نشرت جريدة القدس المقدسية خبراً فحواه أن دولة عربية شقيقة (من هي؟ بجد لم أعرف. ربما قطر أو الإمارات) اشتكت من أن امتحان التوظيف للتعاقد مع معلمين من فلسطين اعتوره أعمال غش من جانب المعلمين طوال الوقت. ولكن الأشد مرارة أن نسبة الرسوب بين المعلمين –بعد ذلك الغش كله- كانت عالية جداً.
شكراً للنظام التعليمي الذي يواصل تقديس الامتحان، وتحويل الناس إلى ماكينات غبية تحفظ بغرض بث المحفوظات لحظة أن يكبس أحدهم على الزر، مع التقدير الخالص للقتل المنظم لذكاء الأطفال وقدراتهم الفطرية على التفكير.
ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟ شهوة للعيش لا يطفئها البطش والظلم والغباء وعدوان العدو والغريب والقريب؟ ربما، ولكن موجهة طوفان الفساد، والتردي، والغباء، وعدم المسؤولية الذي يجتاح ميادين حياتنا كلها يحتاج إلى قرع الجدران، ثم قرعها، ثم ثقبها إن تطلب الأمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل
عذري مازغ ( 2014 / 9 / 3 - 21:20 )
موضوع جميل وشيق
تحياتي

اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة