الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة -الاعتماد في البقاء-!

جواد البشيتي

2014 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



السياسة (الدولية على وجه الخصوص) في عالَمِها الواقعي تَعْمَل بمبدأ "الاعتماد لا الانتماء"، والذي، على ما يتَّضِح من ممارسته وتجربته العملية، لا يَكْتَرِث أصحابه، والعامِلون به، كثيراً للمُعْتَقدات والأفكار والمشاعر ما دام صاحبها (أكان من الأفراد أم من الجماعات والدول) يتَّصَرف ويَعْمَل بما يُوافِق مصالحهم، ويخدم مآربهم؛ وهذه الظاهرة السياسية العالمية لا تعليل، ولا تفسير، لها إلاَّ اعتماد طرفٍ ما على غيره، في البقاء، وفي تلبية حاجاته الأَوَّلية؛ فالقوى الغربية، وفي مقدَّمِها القوَّة العظمى في العالَم، أيْ الولايات المتحدة، تؤسِّس لصلةٍ مع دولٍ، في هذه الصلة، وبها، تَعْتَمِد هذه الدول (اعتماداً قوياً ومتزايداً) في مُقَوِّمات عيشها ووجودها عليها، ولا تستطيع، من ثمَّ، إلاَّ العيش السياسي في طريقة يتأكَّد فيها، في استمرار، أو على وجه العموم، الانفصال بين "القول" و"الفعل"، أو "انتهازيتها السياسية"؛ فإنَّ "الانتهازي" لا يكون بتغيير "المُعْتَقَد"، وإنَّما بَجَعْل "المُمارَسة" و"المُعْتَقَد" على طرفيِّ نقيض.
إنَّ كل دولة ينبغي لها، أوَّلاً، أنْ تَسْتَقِلَّ بمقوِّمات عيشها ووجودها، وأنْ تنأى بها عن غيرها من الدول؛ ثمَّ ينبغي لها، ومهما ارتفع منسوب العولمة الاقتصادية، وازداد الاقتصادي العالمي تشابُكاً وتداخلاً، أنْ تؤسِّس، وأنْ تجتهد في التأسيس، لعلاقة "اعتماد متبادَل (متكافئ، أو يزداد تكافؤاً مع مرور الوقت)"؛ لكن ما نراه هو أنَّ القوى الغربية، وفي مقدَّمها الولايات المتحدة، تسعى وتُصارِع، في استمرار، من أجل تجريد بعض الدول (التي لها مصلحة استراتيجية في إلحاقها بها) من مصادِر وموارد قوَّتها الذاتية، ومن كل ما يُمَكِّنها من أنْ تلبِّي بنفسها حاجاتها الأّوَّلية؛ فمن طريق ذلك يصبح في مقدورها جَعْل هذه الدولة تَعْتَمِد (اعتماداً متزايداً) في مقوِّمات عيشها ووجودها عليها، أو على دولٍ أخرى غنية بمواردها الطبيعية، وتَنْعُم بفوائض نقدية هائلة؛ لكنَّها تَعْتَمِد في أمنها واستقرارها على تلك القوى.
حتى تنظيماً كتنظيم "الدولة الإسلامية (داعش)" يَكْتَسب النفوذ (ويسيطر، ويُحْكِم سيطرته) في الطريقة نفسها؛ فهو ما أنْ يستولي على مدينة (في سورية أو العراق) حتى يَضَع يده على مَصَادِر العيش اليومي لسكانها، أيْ على كل ما من طريقه يُلَبُّون حاجاتهم الأَوَّلية (الغذاء والماء والطاقة والوقود..).
"الأمن (والأمان والاستقرار)" هو حاجة لكل مجتمع؛ فإذا فُقِدَ، أو إذا ما توفَّرت قوَّة ما على إفقاد المجتمع أمنه، تتقبَّل غالبية الناس، عندئذٍ، سلطة مَنْ يعيد الأمن إلى المجتمع، ولو كانت كارهة له مِنْ قَبْل؛ ولقد استطاعت الولايات المتحدة، مثلاً، أنْ تستعيد كثيراً من شعبيتها المفقودة في العراق عندما قادت الحرب على "داعش" الذي أفْزَع وأرعب العراقيين جميعاً.
وفي الأردن، استشعر الناس خطر انقطاع إمدادهم، وإمداد منشآتهم لتوليد الطاقة الكهربائية، بالغاز المصري؛ فتهيَّأ كثيرٌ منهم لتقبُّل أنْ يعتمد الأردن، في هذا المُقوِّم من مقوِّمات حياته، على الغاز الإسرائيلي (الذي سيُنْقَل إليه بأنبوب).
وذات مرَّة، رَفَضَ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أنْ تعتمد سورية، في مياه الشُّرْب، على أنبوب مائي تركي، مُمْتَد إقليمياً، قائلاً إنَّه قد يسمح بمروره بالأراضي السورية؛ لكنه لن يقبل أبداً أنْ يعتمد السوريون عليه في مياه الشُّرب.
جاء في المثل الشعبي العربي: "مَنْ لا يأكل من فأسه (أو مَنْ لقمته ليست من فأسه) لا يكون رأيه من رأسه"؛ و"لقمة العيش"، عربياً، هي الآن، وفي المقام الأوَّل، القمح، وسائر الحبوب، ومواد الغذاء الأساسية، والماء الصالح للشرب الآدمي، والكافي للريِّ الزراعي، والطاقة. من قبل، كان لدينا "الفأس"، فَنُنْتِج به "لقمة عيشنا"؛ أمَّا الآن فأدخلوا في رؤوسنا من "ثقافة الاستثمار" ما عاد بالنفع والفائدة على مصلحتهم في انتزاع "الفأس" من يدنا، وفي مسخ وتشويه حياتنا الاقتصادية؛ طائعون، أو مُكْرهون، أخذوا مِنَّا "الفأس"، ثمَّ حالوا بيننا وبين استعادته، فتحكَّموا في "لقمة عيشنا"؛ فحلَّ بنا ما حلَّ بكل مَنْ يتوهَّم أنَّ منتوجه الفكري والثقافي والروحي لا شأن له بـ "الفأس" و"لقمة العيش" المتأتية منه، أو أنَّ في مقدوره أن يحيا حياةً فكرية وثقافية وروحية مستقلة وهو يعيش في تبعية لغيره، تشمل مقوِّمات عيشه ووجوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟