الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن الواقع والانسان في رواية ريم وعيون الاخرين

مؤيد عليوي

2014 / 9 / 6
الادب والفن


الفن – الواقع والإنسان
في رواية "ريم وعيون الآخرين" *




صورة الروائي عباس الحداد


مؤيد عليوي
ريم وعيون الآخرين " للروائي عباس الحداد، ارتكنت في هندسة البناء على الشخصيات (ريم ، سرحان ، إسماعيل ...) التي حلت محل عناوين الفصول ، بمعنى أن الحدث الروائي قائم كلياً على الشخصية،وليس الحدث كاشفاً للشخصيات وملامحها عبر المألوف الروائي إلا بعض الروايات العربية والعراقية، وقد خلت هذه الرواية من التمهيد في جرأة أخذت مكانها الصحيح ، إذ أحداث الرواية واقعية ليست ببعيدة عنا زمكانياً، ومن جهة ثانية ارتكان البناء الروائي على الشخصيات لا يحتاج إلى تمهيد حيث بالإمكان تعويضه في مواقف الشخصيات من الحدث الرئيس في الرواية
فقد نقل عباس الحداد بروايته ( ريم وعيون الآخرين) تلك المواقف والأحداث الجزئية اليومية ، بفنيّة عالية ضمن مدرسته الروائية التي ينتمي:الواقعية الاشتراكية ، ينظر: الدكتور علي إبراهيم -1- ، إذ جمع الروائي كلَّ الزمان المُباد للحظة واحدة في خطوة واحدة باتجاه التل على لسان شخصية صائب:( الأمر ما عاد بيني وبينك يا أبي ، ولا بيني وبين ريم ، الأمر أكبر من هذا ..) ليخطو خطوته الأولى باتجاه التل متُحدياً الخرافة التي صنعها الانتهازي القاتل الشيخ سرحان الذي يلبس مع كل نظام ثوباً منذ العهد المَلكي حين كان إقطاعيا ،إلى الجمهورية الأولى بعد ثورة 14تموز1958 ، ثم جمهورية الخوف، الخوف: الفوبيا هذه المفردة الملازمة للمتن الروائي والتي تغلغلت في حوارات وتساؤلات الشخصيات : ( عبيد وإسماعيل و.. من جهة ، وسرحان والأستاذ و.. من جهة ثانية ) الخوف هذه الظاهرة النفسية الاجتماعية التي تسيدت واقع العراق اليومي أيام سلطة الدكتاتورية ، شكلت عنصراً مهماً في الواقع الفني، بل تتحكم بسير الأحداث وفعل وردة فعل الشخصيات الروائية عموماً، تلك المفردة الفوبيا التي مازال بعض أثرها يعمل حتى بعد زوال مَن فعّلها في عقول وقلوب العراقيين، كما كانت الانتهازية والتقلب واللعب على حبال سيرك السياسية والكذب والمتاجرة بدماء العراقيين، تنز من السرد لتفضح من قريب أو بعيد واقع سياسة المحاصصة للكتل الكبيرة بين قوسين في يومنا هذا إلى حدٍ فاق الكيل بكثيرٍ، وربما سؤال: بماذا اختلفتم عن الماضي القريب إذ كانت ذات القيم تتحكم بكم ؟! الأنانية والنفعية الفئوية
وربما لهذا السبب جاء الإهداء :( إلى القادم من الأيام . حتماً سيكون أكثر أماناً ومحبة) كما نحبّ ونفكر لوطننا الحبيب وهي أمنية مخبوءة في سطور الرواية إذا لو كان الحاضر فيه أمانا لما استدعى ذلك القول .
أن رواية " ريم وعيون الآخرين" وشخصياتها تروي الأحداث في سرد ممتع متصل في تواشج عبر لغة روائية محكمة ذات الإبعاد الأربعة : الفكرة ، الشخصية، الحدث ، التصوير الفني، في فضاء زماني متحرك وفضاءٍ مكاني لمسرح الحدث المهم : التل في قرية من قرى الحلة ، التل الذي يظنه المتلقي للوهلة الأولى تلاً للآثار العراقية ،المنهوبة في الماضي والحاضر من أفراد السلطة الحاكمة وزمرها الاجتماعية النفعية:( الشيخ سرحان وسيد هاشم و....)،وبسببهم استشهد الشخصية الرئيسة الحاضرة ، الغائبة ، (الفلّاح هادي الصالح ، والد ريم، وريم المرأة ، القضية التي تعتبر امتدادا حيا لوالدها ، وربما هي الشخصية الرئيسية في الرواية ، إذ ابتدأ بها سرد الرواية وانتهى معها . أما المكان ، التل الذي نكتشف أنه مقبرة جماعية هذه المفاجئة في نهاية الرواية مما تجعل الصدمة أقوى على القارئ، لتكون الرواية وثيقة كشف أدبية للواقع ولوضاعة وخسة ما قام به القاتل الشيخ سرحان الإقطاعي الأصل،والقطب الأبرز في طرفي الصراع الطبقي حيث الطرف المقابل له ندّياً الشهيد هادي الصالح ،نداً وخصماً عتيداً بفكره ورجاحة عقله وشجاعته، فقد ظلتْ أفكاره برأس أبنته الوحيدة لترث شجاعته وعناده ضد النظام السابق الذي مثّله الشيخ سرحان وأعوانه ( سيد هاشم ومختار القرية و...)، ولا نغفل أفكار هادي الصالح في رأس ولسان أهل القرية من المضطهدين ،بل صار اسمه علامة فارقة لإزعاج الشيخ سرحان وأعوانه كلما ذُكر أمامهم، في هذا الصراع ضمن منطقة الحدث الروائي على لسان الشخصيات تنز المعاناة والألم والتجربة الحياتية اليومية الحقة كما هي دون رتوش الأدب لأبطاله فالشخصيات الايجابية (هادي الصالح وابنته ريم وعبيد وإسماعيل وسعيد وصائب وأم ريم) كانوا عراقيين بالمعاناة والشجاعة والألم والخوف أيضاً وقلة الحيلة اتجاه مصائرهم المجهولة بيد دكتاتورية قاهرة،حيث سبّب إعدام (هادي الصالح) -لاكتشافه سر التل- صدمة خوف مريعة لجميع القرية، ولكن على الرغم من ذلك وما بقي في عقولهم وعلى ألسنتهم هو من بعض أفكاره التي سمعوها منه، ورغم ذلك وعلى قناعتهم بأن أفكاره هي الصحيحة وهي الصائبة والتي ترفع عنهم الظلم لم يسيروا معه باتجاه التل عندما أوجد هادي الصالح حجةً : دفن أخيه في التل ليلاً ،بل ظلوا منتظرين لما يحدث باستثناء( ريم وصائب وعبيد ) ،ولكنهم أي غالبية أهل القرية بعد استشهاد هادي الصالح ظلوا يرْون بطولته التي عجزوا عنها ،وأظن أن هذه المشكلة الاجتماعية- السياسية ملازمة للعراقيين منذ مئات السنين بسبب الاقتصاد ألريعي ، المُخدر للعقول والمهبط للهمم ، فالعقل يتطور وينتج المواقف الصحيحة عندما تعمل اليد في الصناعة أي على آلة كما يقول توماس الأكويني - 2-، أضف إلى ذلك طريقة تفكير القرية والقبيلة القابعة في شخصية اغلب أهل القرية حتى مَن تمدّن منهم وحمل أفكار هادي الصالح من مثل صهره ( إسماعيل المحامي ) وهنا أتذكر القول المشهور للدكتور علي الوردي في ازدواجية الشخصية العراقية .
هذه الطريقة من التفكير التي يُفضل الإنسان فيها أن يكون مراقباً للحدث غير مشارك فيه خوفاً من خرافة أو نظام، وغير واثق بما يتحرك أمام عينيه (هادي الصالح وريم وصائب وعبيد ) ، ثم بعدها يأخذ أهلُ القرية دور الراوي للحدث ويعظّمون الشهيد هادي الصالح بل يكاد يكون كارزمة محركة لهم بعد رحيله ولم يكونوا معه أو مساندين له وهو بين ظهرانيهم وأمام أعينهم يكشف زيف الخرافة التي صنعها الإقطاعي الشيخ سرحان وسيد هاشم وأعوانهم ،ومع سطوة قهر النظام السابق وألاعيبه وقصديته على تعزيز طريقة التفكير (القروية – القبلية ) في أسلوب الحكم والمجتمع وشراء ذمم أغلب شيوخ العشائر ،هذا مما أل الأمر أن لا يسقط الصنم إلا بدبابة أمريكية بغيةً لمصالح تلك الدبابة التي جاءت بالصنم وعبّاده منذ 1963، لذا نسمع صوت هادي الصالح بعد أن تخلت الحكومة الأمريكية عن الشعب العراقي عام 1991 : ( وفي زمن الدينار والتهليل لكل ما هو رديء ، وفاسد ،زمن الحروب، الحصار والدكتاتوريات ، زمن الكمبيوتر والانترنيت والعولمة، وان بلداً مثل أمريكا ، أمريكا لا غيرها، تطالب بتطبيق الديمقراطية والتعددية ، تصور !! / إنها مأساة . هل أنت معي في هذا ؟ ) ، وهنا يكون أدب الرواية قد أظهر واقع شخصياته في المجتمع العراقي أيام حكم الدكتاتور صدام،بكل دقة من جميع الوجوه التي نقرأها بايجابية (هادي الصالح، وريم وصائب و...) ،والسلبية ( الشيخ سرحان وسيد هاشم ) ، ضمن تفاصيل الرواية ،بلغة فنية في الأحداث التي ترويها الشخصيات جميعها بشكل دراماتيكي يجعلك تحث الخطى لتواصل القراءة بشغفٍ ونهمٍ

........................................................................................
* رواية "ريم وعيون الآخرين" ، عباس الحداد ، مطبعة تموز- دمشق ، 2011 .
1 – ينظر: مقدمة بحث ( مخلوقات، شخصيات، أصوات الرواية (ريم وعيون الآخرين) أنموذجاً) ،أ. م د علي إبراهيم محمد ، 2012 .
2 – ينظر : ضرورة الفن ، ارنست فشر ، تر: أسعد حليم ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971 ،: ص 23 – 30








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي