الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بين الأخذ والرد
في السنوات الأولى من الاستقلال، انفجرت صراعات كبيرة بفعل تباين المواقف والمنطلقات والأهداف والمرجعيات الفكرية والحزبية. وقد طُبعت التجربة المغربية بمرارات وتصفيات ومآسي. إلا أنها، حسب العديد من المتتبعين، مكّنت البلاد من الخروج من عنق الزجاجة بخصوص قضية جمع السلاح رغم الخسائر البشرية.
جاءت عملية إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية وإدارة الأمن و إدارة السجون في ظرف دقيق مطبوع بتعرض المقاومين للانتكاسات بدأ بتشتيت الصفوف إلى ضرب جانب بجانب آخر، ، إلى الاختطاف والتصفية ، وهي عمليات بدأت في واقع الأمر ، منذ الشروع في مفاوضات "إكس ليبان" واشتراط فرنسا إيقاف عمليات المقاومة وحل جيش التحرير. ثم توسعت هذه الممارسات وتنوعت أساليبها مباشرة بعد الإعلان عن الاستقلال . وقد اشتهر الغزاوي ، مدير الأمن الوطني آنذاك ، بالوقوف وراء العديد من العمليات من هذا القبيل .
وتمهيدا لبلوغ غاية إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية، قام الحسن الثاني ( ولي العهد وقتئذ ) بجولة في مختلف مناطق الريف رفقة حسن اليوسي (وزير الداخلية آنذاك ) ومحمد أوفقير وعبد الكريم الخطيب والحسن برادة. وقتئذ كان الحسن الثاني يشرف متخفيا على أمر إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة حديثة العهد.
كان الحسن الثاني يلقي خطابا في الناس في أي مكان حل به بمناطق الريف ، ويحث أعضاء جيش التحرير على الانضمام للجيش الملكي.
ويجتمع في كل قيادة مع ممثلي المناطق تحضيرا لاجتماع في العاصمة ،الرباط ، بعد إنهاء الجولة .
الحل
في شهر فبراير 1960 حصلت اعتقالات واسعة النطاق طالت كبار المقاومين ، كما طالت جيش التحرير الذي كان يعمل آنذاك في الصحراء ( الساقية الحمراء ووادي الذهب) وفي الصحراء الشرقية بتافيلالت، وصدر الأمر بحله واستغل في ذلك زلزال مدينة أكادير يوم 29 فبراير 1960 . وذلك بعد أن بلغ التضييق عليه مداه. آنذاك كان جيش التحرير قد نجح في تحرير الساقية الحمراء كلها ولم يبقى فيها للجيش الإسباني وجود إلا في بعض الجيوب البحرية. وقتئذ كانت وجهت تهمة اغتيال ولي العهد للمقاومين المعتقلين آنذاك، ذكرت جريدة "ليفار" التي كان يصدرها احمد رضا كديرة ، مدير ديوان ولي العهد ، أن " عضوا من أعضاء المقاومة تقدم إلى الدرك الملكي وكشف عن مؤامرة أعدت بإحكام لاغتيال ولي العهد ، كما أخبر بمكان وزمان تنفيذها" . لكن لم يتم الكشف عن هذا المخبر، ولم تتم أية مواجهة بينه وبين المعتقلين على ذمة هذه القضية كما انه لم يرد ذكره في أية مرحلة من مراحل التقصي والبحث والتحقيق.
وكان صك الاتهام الموجه ضد المقاومين المعتقلين يتألف من أربع تهم ثقيلة جدا هي :
"المس بسلامة الدولة، مؤامرة تستهدف اغتيال ولي العهد ، التملك غير الشرعي للسلاح وتأسيس عصابة للإجرام ".
والغريب في الأمر، أنها نفس التهم (بالحرف تقريبا) التي تم توجيهها للبصري واليوسفي . إن هذه التهم وجهت إلى كبار المقاومين المعروفين الذين كانوا على اتصال مع الملك محمد الخامس، وهم أنفسهم الذين بلغوا الملك محمد الخامس أنهم لا يثقون إلا به وحده دون سواه وان ولائهم له وليس لأي أحد غيره".
وكان الفقيه البصري والدكتور عبد اللطيف بن جلون من هؤلاء .
أثار اعتقال المقاومين واتهامهم بتلك التهم الغليظة ردود فعل ساخطة ، خصوصا في صفوف زملائهم المقاومين ، ومنهم حوادث بني ملال . لم يتمالك القائد البشير (قائد بني ملال) نفسه حين تعرض للاستفزاز من طرف عميد شرطة معروف بماضيه سيئ السمعة، واشتهر مسدسه وهما في حالة شجار انتهى بسقوط العميد تحت وقع طلقات مسدس.
فاعتصم القائد البشير بجبل بضواحي بني ملال والتحق به آخرون . كما اعتصم بالجبل بمراكش الشافعي والبشير المطاعي وحسن الروداني ، ولاحقتهم فرقة من القوات المسلحة الملكية وتمكنت من تصفيتهم . كما دعا الإتحاد المغربي للشغل إلى إضراب شامل يوم 25 مارس 1960 .
لقد بدت بجلاء مخاطر اختلاف سيناريو مؤامرة " محاولة اغتيال ولي العهد " .
آنذاك حقق الملك محمد الخامس في الأمر بنفسه، إذ استدعى وزير العدل وسأله : " هل صحيح أنه كانت هناك مؤامرة علي" سمية سيدي.(ولي العهد )؟
فكان جواب الوزير بالنفي دون تردد . حينها قرر الملك محمد الخامس وضع حد للقضية. اغتنم محمد الخامس فرصة عيد الأضحى (3 يونيو 1960) لإطلاق سراح المتهمين و إقفال ملف قضية المؤامرة على ولي العهد . لكن مدبري سيناريو هذه المؤامرة لم يستسلموا، فقد كانوا غير قادرين على ثني محمد الخامس عن قراره ، فإنهم عملوا ما في وسعهم لإعدام حكومة عبد الله إبراهيم حتى لا يظهر أن المقاومة و الاتحاديين انتصروا على ولي العهد و فريقه. و في هذا السياق يحكى أن محمد باحنيني ، أحد قيدومي دار المخزن قال لولي العهد : " افعل كما كان أجدادك يفعلون . اسجد أمام والدك و امسك بقدميه تقبلها و لا ترفع رأسك إلا حين يعدك بتلبية مطلبك ( إقالة حكومة عبد الله إبراهيم)" . و يقال إن الملك محمد الخامس قد تأثر بالموقف ووعد. و ذاك ما كان في 24 ماي 1960. علما أن المقاومين اللذين قاموا بردود أفعال عنيفة على خلفية سيناريو " التآمر على ولي العهد" ، لم يكن قد شملهم قرار إطلاق الصراح الذي أقره الملك محمد الخامس في يونيو، بل ظلوا رهن الاعتقال ليحاكموا ، سيما القائد البشير و المقاوم بنحمو المعروف بــ " الفاخري" الذي كان قد اشتبك بالسلاح مع رجال الأمن بالدار البيضاء . و اعتقل و صدر في حقه و ثلاثة من رفاقه ، و هم (مولاي إدريس بن أحمد الدكالي ، و عبد الله الزناكي، و أحمد بن محمد تاجا المدعو الجابوني) حكما بالإعدام يوم 19 غشت 1961 تم تنفيذه يوم 24 يناير 1962 بالسجن المركزي بالقنيطرة. في حين حوكم القائد البشير بتهمة قتل ظابط الشرطة و قضى سنوات طوال في السجن إلى أن عفا عنه الملك الحسن الثاني. يتبع
معيقات، فوضى و تهافت
عموما ارتبطت انطلاقة المقاومة و جيش التحرير بنفي محمد الخامس و توقفت تقريبا أعمالهما مع رجوعه.
و مباشرة بعد الشهور الأولى من الاستقلال أصبحت قضية المقاومة و جيش التحرير مشكلة عويصة . وذلك بسبب عناصر دخيلة أرادت- رغم أنف التاريخ أن تنتسب إلى المقاومة و جيش التحرير لذا بودلت محاولات عديدة لتشتيت صفوف المقاومين و أعضاء جيش التحرير الفعليين و الحقيقيين، وإثارة البغضاء و الشحناء بين بعضهم البعض .
ومنذ البداية ظهرت أكثر من هيئة للمقاومة، أغلبها مزورة و مزيفة، أريد منها أن تكون وسيلة لتحقيق مصالح ذاتية و استخدامها كأداة للمساومات.
هذا في وقت تم التنكر للعديد من المقاومين و أعضاء جيش التحرير الحقيقيين و تناسي عائلات و أبناء الشهداء.
ومن المعلوم أنه لكي تحمل المقاومة وجيش التحرير، مفهوم المقاومة و التصدي فعلا، كان لابد لهما من فكرة يستمدان منها قوتهما و يسترشدان بوحيها و يكتسبان منها قابلية التطور الدائم – حسب محمد عابد الجابري- .
وهذه هي الحقيقة الجوهرية للمقاومة . كما أن الفكرة التي تغذي المقاومة وجب أن تكون فكرة ثورية انقلابية على الوضع القائم. فالمقاومة- كمفهوم- ترفض رفضا باثا أنصاف الحلول و لا تقبل المساومة ولا التماطل لأن الثورة لا تقبل التجزأة، إنها كالسيل تكتسح الأوضاع الفاسدة اكتساحا عنيفا، يقول الجابري. وهذا ما كان يفتقده جش التحرير و المقاومة بالمغرب. لقد عانيا من غياب المثقفين في صفوفهما ( الإحالات نادرة جدا) ، مما ساهم في تكريس جملة من الانعكاسات السلبية. و قد قيل أن المقاومة التي تقبل بالتنازلات مقاومة اصطناعية لا تقوم على أسس متينة.
فقد كانت انطلاقة المقاومة المغربية ثورية ، هدفها تحرير البلاد و تكسير كل القيود بعنف . اتجه الكفاح نحو الاستقلال و عودة الملك ، لكن هذا المطلب – الذي كان مستعجلا وقتئذ – ساهم في إغفال المطالب الأخرى – سيما المطالب الاستراتيجية- و التي كانت تشكل في واقع الأمر – الهدف الحقيقي من الكفاح و المقاومة. و ما أن تحقق المطلب الاستعجالي حتى تم تناسي المطالب الأخرى، مما جعل هدف الكفاح ناقصا و منقوصا وتأكد أن النضال لم ينتهي ، لأنه سرعان ما رجعت الأوضاع إلى الانحلال و الفساد. و لم يتحقق الهدف: الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
فوضى و تهافت
عرفت عملية تسجيل لوائح اندماج أعضاء جيش التحرير و المقاومة بالقوات المسلحة الملكية فوضى عارمة و تهافت كبير في بعض المناطق التي لم تكن تحتضن في واقع المر، إلا 5 أفراد أو أقل من جيش التحرير.
تضمنت لائحة الإدماج العشرات، إذ عمد بعضهم إلى إضافة معارفهم و ذويهم و قدموا لوائح مغلوطة،
ففي مناطق ، كان عناصر التحرير لا يتجاوز – على أكبر تقدير – 50 فردا جاءت لوائحهم تضم أكثر من 250 مرشحا للدمج في الجيش الملكي.
اجتماع الرباط
تقاطر الكثير من مسؤولي جيش التحرير على مقر إقامة حسن اليوسي، وزير الداخلية آنذاك، بحي بطانة بمدينة سلا. وبعد مأدبة عشاء توجه جميع الحاضرين غلى إقامة ولي العهد الحسن الثاني بحي السويسي ، وهناك تم وضع الترتيبات الأخيرة لاستقبال الملك محمد الخامس بأعضاء جيش التحرير، في اليوم الموالي.
كان هذا اللقاء قصد الإعلان الرسمي عن إدماج جيش التحرير في صفوف الجيش الملكي والقوات المساعدة والأمن الوطني ووزارة الداخلية وإدارة السجون وإدارة الماه والغابات وإدارة الجمارك.
نازلة في اللقاء
أثناء اللقاء مع ولي العهد الحسن الثاني في مقر إقامته ، طرأت نازلة ها هي تفاصيلها على لسان الحسين برادة الذي قال : " في ليلة اجتماعنا مع ولي العهد في إقامته اختليت بالدكتور عبد الكريم الخطيب وقلت له انه لا يخفى عليه أن هناك عددا كبيرا من الشيوخ الذين كانوا ينشطون بالمقاومة، وعددا من الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن بسبب مشاركتهم في المقاومة، وسألت الخطيب : " ماذا سيكون مصير هؤلاء؟". بطيبوبته وحسن نيته ، نقل عبد الكريم الخطيب كلامي إلى ولي العهد ، وعندما كنا في منزله نفس تلك الليلة ، وقبل بدء الكلام في موضوع اللقاء، قال ولي العهد : " بلغني عن طريق عبد الكريم الخطيب أن بينكم شخص واحد لا يتفق على الانضمام إلى الجيش الملكي"، وهناك تدخلت وقلت له: " اسمح لي " سمية سيدي" ، أنا الذي تكلمت مع الخطيب ، وأعدت على مسامعه الكلام الذي قلته للدكتور حتى لا يفهم مغلوطا، فأجابني الأمير مولاي الحسن: " شوف أسي برادة واش أنت كتعرف أحسن من سيدنا؟ أنا مستعد ندخل دابا عند سيدنا ونقول ليه كاين إخوان ممتافقينش". وواصل كلامه قائلا : " إذا كنت تعرف أحسن من سيدنا ، تعال إجلس مكانه على العرش".
آنذاك تدخل الدكتور عبد الكريم الخطيب وبعض الإخوان وحاولوا تلطيف الأجواء وشرحوا نياته لولي العهد .وبينما كنا بصدد الخروج من الإقامة الأميرية ، قال الحسن الثاني مناديا الخطيب : " تعال أنت وبرادة ..." نظر إلي وهو يخاطب الخطيب : " برادة باقي رجليه باردين...يجب ان يقطع الطريق بين الدار البيضاء ومكناس مشيا على الأقدام".
بعد هذه النازلة انعزل الحسين في منزله، فواصل أعماله ومنها الإشراف على تسجيل لوائح بأسماء المنضمين إلى الجيش الملكي قصد إدماجهم رسميا.
ضحايا منسيون
في نهاية المطاف تبين أن هناك مغاربة ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، ونشطوا بصدق وحماس في جيش التحرير ، وقبله في التنظيم السري للمقاومة في مدن كثيرة، وبذلوا دمائهم وتركوا أبناء وأرامل لا يملكون حتى ما يسدون به رمقهم، وآخرون لم يتم إدماجهم .
في حين هناك أشخاص لم يسبق لهم أن شاركوا في عمل وطني، وكانوا من أوائل المستفيدين من الإدماج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف