الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلتنا ليست في اللغة

ماجد رشيد العويد

2005 / 8 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أحد الأصدقاء هاتفني مستفزاً بطريقته الحادة حول الأسلوب الذي أكتب به بعض مقالاتي، وأنه يتسم بالبلاغة التي لا لزوم لها، وأنني لو كتبت "اللمحات الرائعة" بحسب وصف صديق آخر بلغة أبسط لكان المقال أجود، وأكثر فائدة. وليت الأمر توقف عند حدود الجودة والرداءة وتذوق الأسلوب الذي كتبت به المقالات.. آنذاك المصيبة ستكون أهون وألين ويمكن هضمها، خاصة وأننا كعرب اعتدنا على الصدمات وعلى تلقي الهزات دونما تأثر، أو دونما ردة فعل مناسبة. غير أن نقد الصديق تعدى إبداء الملاحظة على الأسلوب، عند الصديق الآخر إلى إبداء النفور مصعّداً باتجاه القطيعة مع ما أكتب، وبلسان مهدد لا يرحم تقاعساً أبديه، وعليّ من فوري أن أسارع إلى إلغاء المرجعيات التي اعتدت استقاء معلومتي منها وعليها تبلورت ثقافتي، على تواضعها، وأن التاريخ يجب أن يظل "نائماً" بحسب تعبيره، وأنه هو - أي التاريخ - كان سبباً في دمارنا وخرابنا. وقد لا أختلف معه كثيراً في هذه النقطة لأنني عرضت لها على نحو ما في أكثر من مقال، وأنه أخيراً في واد وأنا في واد آخر، وأيضاً بحسب تعبيره، إن لم أتخل عن هذه الطريقة في الكتابة.
والحق أقول فوجئت كثيراً بالمنطق الذي أبداه هذان الصديقان اللذان بدوري أجلّهما وأحترمهما وأقدر لهما ما يكتبان من قصص، وأقدر ما كان لهما من دور في مناهضة الأمريكان والدعوة إلى مقاطعة بضائعهم، والسعي الدؤوب إلى امتلاك ناصية النضال من أجل الديمقراطية، وبناء الأحزاب السياسية، ورفع الحيف عن أبناء الأمة من محيطها إلى خليجها. ولكن السؤال البدهي الذي يطرح نفسه كيف يدعوان إلى الديمقراطية على مستوى أمّة بحالها، وفي الوقت ذاته لا يملكان القدرة على تحمّل هذا الأسلوب لمجرد أنه كُتب بلغة عربية فصيحة؟ وهل يعيب المقال - أي مقال - أن يُكتب بلغة جزلة؟ أليست البلاغة والفصاحة بياناً والبيان وضوحاً، ثُم أليست المعلومة، أية معلومة تخدم السياق، تحمل مبررها في داخلها وتفرض علينا أن نعرض لها بشكلها؟ وعلى سبيل المثال أليس قتل الإمام الأعظم على يدي أبي جعفر جريمة تدل على ما يرتكبه كثير من حكام اليوم من جرائم بحق أهل الرأي؟ ثم أين الخطأ في حمل هذه المعلومة ونقلها من هجعتها بأسلوب يثير في القارئ الرغبة أولاً بمعرفة المزيد من هذا التاريخ الذي وصفه الصديق بأنه سبب خرابنا وتخلفنا وجهلنا. والحق أيضاً أنني أستغرب أن يصدر هكذا نقد من كاتبين أديبين وداعيتين إلى الديمقراطية، وإن لم يكن أي منهما على ذمة أي من الأحزاب كما هو حالي شخصياً، ولعل وجه الغرابة الأكثر سطوعاً أنهما أديبان، وأنا أعلم أن الأدب يعتمد فيما يعتمد على لغته التي تحمل سرّها في بنائها ومبناها، وليس الأدب نقلاً صحفياً لحادثة يومية نمر بها أو تمر بنا، ثم إن التوافق بين المبنى والمعنى من أهم الركائز في أية عملية كتابية.
منذ أيام كنت في نقاش مع أحد البعثيين، وقلت له فيما قلت: إنه يجب أن تكون هناك فسحة من الديمقراطية، وأجابني "الرفيق البعثي" بأن هذا من المحال لأن الأمة العربية جاهلة وهي أمة عشائر، وأمة أميّة .. والديمقراطية في هذه الحالة تكون من أسوأ ما يمنحه الحاكم لشعبه الغارق حتى أذنيه في جهله. ولما أردت أن أحتج على منطقه بلبنان أجابني بأن لبنان حالة خاصة فذهبت إلى مصر محتجاً بهامشها البسيط المتمثل في حرية جزئية في الصحافة وغيرها وفي أن الترشيح للرئاسة لم يعد عن طريق الاستفتاء، ومصر ليست أحسن حالاً منا، بل وذهبت أيضاً إلى اليمن "السعيد" الذي يحمل أبناؤه سلاحهم وهم متجهون إلى الصلاة في المساجد، وأن في هذا اليمن نوعاً من الحرية أبصرته بجلاء على مواقع إنترنت كثيرة يمنية المنشأ والمصدر. ومع أمثلة أخرى وجدت الرفيق قد سكت عن "الكلام المباح"، وظننت أنه بداخله يحمل رغبتي ذاتها مع فارق أنني أكثر حرية منه بعدم تقيدي بسياسة حزبية ما، أو أنه شعر بالقهر لعدم مقدرته على متابعة المحاجّة بمنطقه الأعوج.
وأن يتحدث إلي هذا "الرفيق البعثي" أو ذاك بهذه اللغة أمر أفهمه في ظل عدم قدرته على المناورة، وفي ظل التزامه الأعمى، مرغماً، بأفكار من هو أعلى منه في التسلسل الحزبي، وأما أن يتحدث إلي أديب من الداعين إلى إطلاق الحريات فهذا ما لا أفهمه، إلا في سياق مقولة أديب ألباني "الطاغية يصنع شعبه على مثاله"، وتلك والله الطامة الكبرى.
ترى لو قُيّض للمثقف أن يكون فاعلاً، هل يملك أن يبصر الناس من العامة، أم تراه عندها يراهم بشراً من الدرجة العاشرة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل مستعدة لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة إذا فشلت المف


.. واشنطن متفائلة وإسرائيل تبدي تشاؤما بشأن محادثات هدنة غزة




.. التصعيد العسكري الإسرائيلي مستمر في رفح .. فماذا ستفعل واشنط


.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. ومواصلة اجتياح رفح




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا 3 مسيرات من اليمن دون خسائر