الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلقات من العنف المستعر

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2014 / 9 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


شاهدتُ على قناة اليوتيوب أفلاماً مروعة لحلقة جديدة من أعمال العنف الوحشية, تدور أحداثها هذه المرة في جمهورية "إفريقيا الوسطى"، وأغلبيتها تُظهر جماعات مسيحية متطرفة تدعى ميليشيات "أنتي-بالاكا" وهي تقوم بعمليات سحل وتعذيب وإعدامات بطرق بدائية لمواطنين مسلمين، وهي بلا شك مناظر مرعبة، تثير في النفس الإشمئزاز .. ويبرر هؤلاء جرائمهم بأنها رداً على الانتهاكات التي اقترفتها جماعة "سيليكا" (وغالبيتها مسلمون) بحق مسيحيين من السكان، حين استولت على السلطة في آذار 2013. الأمر الذي تسبب حينها في اندلاع موجة من الهجمات الانتقامية نجم عنها مقتل الآلاف، وإجبار نحو مليون شخص على الفرار من منازلهم. وتأتي هذه الموجة المسعورة استجابة لتصريحات نُسبت لقادة مسيحيين، هددوا فيها بقتل جميع المسلمين في البلاد، أو إجلائهم عنها قسراً. والغريب أن أعمال العنف الهمجية تلك تمارَس علانية وأمام جمهور من المتفرجين والغوغاء؛ ما يعني أنها جرائم جماعية، وأن التحريض الطائفي قد بات الثقافة السائدة في البلاد، والأغرب أنها تجري رغم وجود القوات الفرنسية وقوات الإتحاد الإفريقي، وقوات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية، دون تدخل كافي، ما يدل على تواطؤ دولي يهدف لجر البلاد إلى شفير حرب أهلية.

وقبل إفريقيا الوسطى، اندلعت أعمال عنف في جمهورية "مالي"، كما شهدنا في نفس الفترة جرائم تطهير عرقي بحق مسلمي "بورما"، وقبلها الحرب الأهلية في جمهوريات يوغسلافيا المنحلة، خاصة "البوسنة والهرسك" التي شهدت مذابح دامية راح ضحيتها الآلاف، وغالبيتهم من المسلمين.

لكن أعمال العنف لا تستهدف المسلمين وحدهم؛ وهي وأن كانت تمارَس بحقهم على أيدي "الكفرة" و"الصليبيين" كما يروج البعض، إلا أن أشد أعمال العنف والاضطهاد بحق المسلمين، إنما تأتي من قبل المسلمين أنفسهم، وأبشع الجرائم تلك التي يمارسونها بحق بعضهم البعض !! فقد حصدت موجات العنف الطائفي أرواح مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء في الصراع الدائر بين السنّة والشيعة، وبين الطوائف الأخرى، كما قضى الآلآف نحبهم من جراء الإقتتال بين الجماعات الإسلامية المتشددة نفسها، فضلا عمّن قُتل وشُرد من القصف بالبراميل المتفجرة بطائرات الأنظمة وجيوشها، خاصة في العراق وسورية؛ وإلى جانب الخسائر البشرية الفادحة (وباستثناء ما حدث في غزة) فإن جميع المساجد والحسينيات تقريبا دُمرت بأيدي مسلمة متوضئة، ولكن من طائفة أخرى، أو من نفس الطائفة كما فعلت "داعش" بمساجد الموصل !!

وإلى جانب ذلك، يمكن إضافة مئات المشاهد المروعة من موجات القتل والعنف والتعذيب التي تمارسها "داعش" بحق المسيحيين والإزيديين والكرد والأقليات الأخرى، وبحق من تأسرهم من الجيش العراقي أو السوري، وبحق كل من يرفض مبايعتهم، أو يبدي أي اعتراض أو تظلم على منهج حكمهم، ونفس المشاهد سنراها في الجهة المقابلة، إذا وقع أسير من داعش بأيدي النظام، أو الجماعات الأخرى !!

وفي ذروة هذا المشهد الدامي والعنيف، (وقبيل العدوان الغاشم على غزة)، انتشر على الفيسبوك مشهد جنود إسرائيليين وقد اقتحموا منزلا لعائلة فلسطينية يقطنها مسنّان، بهدف نصب كمين لمطلوبين ضمن عملية أمنية معينة، فكان أن سمع سكان القرية (سلواد) بنبأ احتجاز العائلة الفلسطينية؛ فتدافعوا إلى البيت، وطردوا الجنود الإسرائيليين منه شر طردة، بعد أن وجدوهم مختبئين في الحمّام. وهذه القصة وإن كانت تدعو للفخر والإعتزاز بشجاعة الأهالي وتضامنهم، إلا أنها في الجهة المقابلة تطرح أسئلة محرجة؛ فماذا كان يمكن أن يحدث لو أن أهالي قرية سورية أو عراقية أو ليبية اقتحموا منزلا فيه جنود مسلحين ؟! هل كانوا سيتصرفون كما فعل الجنود الإسرائيليين !؟ أم أنهم سيبيدون الأهالي عن بكرة أبيهم ؟! جميعنا يعرف الإجابة ..

ليس المقصود من هذه القصة تجميل صورة الجيش الإسرائيلي؛ فكلنا يعرف جرائمه وقتله للأطفال والمدنيين، ويكفيه عارا أنه جيش احتلال، وقد اقترف جرائم حرب بما يكفي لإدانة قادته في أي محكمة دولية، ولكن هذا لا يعفينا من طرح الأسئلة المريرة التي تبعث في النفس الأسى: لماذا جيوشنا العربية على هذه الدرجة من الاستعداد لقتل المدنيين ؟؟ ومن الذي أوصلها إلى هذا الحضيض ؟! ولماذا تقصف طائرات "المالكي" و"الأسد" و"حفتر" الأحياء السكنية بكل بساطة ؟! ولماذا ترد المعارضة - أو تبدأ في كثير من الأحيان - بعنف لا يقل وحشية ولا بشاعة عن عنف الأنظمة ؟! لماذا لا توجد قيمة للإنسان في بلادنا العربية ؟!

العنف مرفوض ومدان في جميع الأحوال، سواء بحق المسلمين أم بحق غيرهم؛ لأن حياة الإنسان هبة من الله ولا يجوز لأحد مصادرتها، ولا شيء يبرر القتل والتعذيب .. ولا يقبل بمثل هذه الممارسات الفظيعة إلا من خلا قلبه من المشاعر الإنسانية .. كما أن تصنيف الناس حسب أديانهم ومذاهبهم هو ضرب من العنصرية الطائفية. أما دعوات الثأر والانتقام، فما هي إلا استجابة لغرائز بدائية، ونزوع نحو الإجرام، ومحاكاة لنفسيات مكبوتة مشحونة بالحقد وبالكراهية، وقد سيطرت عليها المشاعر السلبية. وكل الأعمال الوحشية التي تمارَس تحت شعارات الجهاد المقدس إنما هي فتنة طائفية أيقظتها عقول شيطانية، تحركها أيدي خفية خارجية، تحيك مؤامراتها على المنطقة تحت جنح الظلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 9 / 6 - 15:59 )
المسيحيون يدعون ان (يسوع) هو الله , إذاً , إله (العهد القديم) هو إله (العهد الجديد) , إذاً , (يسوع) هو إله (العهدين القديم و الجديد) , و إلا فالعقيدة المسيحية تصبح تحت الأنقاض , إذاً , كل كلام (الكتاب المقدس) هو كلام (يسوع) .
يقول (يسوع الناصري) :
(وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ) .
(فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا) .
لاحظوا الساديه في الإله المسيحي : أوامر بقتل (النساء + الشيخ + الطفل + الرضيع) حتى الحيوانات لم تسلم من ساديته , فها هو يأمر بقتل (البقر + الجمل + الحمير + الغنم) , يعني : دماء البشر لم تكفيه و يريد إراقة دماء الحيوانات! .

اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية