الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث سنوات من الربيع العربي و لا يزال يومنا خريف

بن ورقلة نادية

2014 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


إن الثورات العربية ستتحقق أهدافها في نهاية المطاف، و لكن بعد جولات من الصعود و الهبوط و التقدم و التراجع، و عبر موجات ينتصر بعضها و ينتكس البعض الآخر منها .
و ذلك في مسار منعرج يستمر لفترة طويلة ، و لكنه يقود إلى تحقيق الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية التي كانت كلها في قلب المشروع النهضوي العربي لسنوات طويلة قبل اندلاع ثورات الربيع العربي .
و ما هذه الحالة الشعوبية إلا تعبير آخر عن ذهنية القطيع التي ما إن تنتشر في مجتمع إلا دمرته تدميرا، فلا يصح التعامل مع أي شعب ناهيك بنخبته السياسية و الثقافية و الفكرية و الإعلامية بطريقة القطيع. كما لم يعد جائزا تصور أن يصطف الجميع في طابور ليقولوا الكلام نفسه و يفعلوا الشيء عينه طول الوقت . بلا اختلاف أو تباين و لا حتى ظلال أو تلاوين .
إن السؤال الذي نطرحه اليوم على أنفسها هو / ما هي النتائج التي ستتمخض عنها هذه الثورات الشعبية ضد الديكتاتورية والأنظمة القائمة ؟ و ما هي الانعكاسات التي ستترتب عنها في بقية أنحاء العالم ؟
أفرزت الثورات العربية هيمنة للقوى الإسلامية على السلطة و ذلك بعد نتائج الانتخابات التي أعقبت التغيير السياسي للأنظمة العربية التي سقطت، ما كان له كبير الأثر في ظهور أيديولوجية الإسلام السياسي في المنطقة العربية .إذ نجحت ثورات الربيع العربي في إسقاط أنظمة الحكم في كل من تونس و مصر و ليبيا .
هذا الوضع سيؤدي حتما إلى خلق علاقات جديدة ستلقي بظلالها على العلاقات الدولية لهذه البلدان في المجال الإقليمي .كما شكلت هذه الثورات العربية الداعية للتغيير السياسي زعزعة لبنية الدولة التسلطية لذا كان لثورات الربيع العربي دور فاعل في إحداث التغيير السياسي في المنطقة العربية .
لقد استطعنا أن نصل إلى محصلة مفادها أن الإصلاح السياسي يحتاج إلى إرادة و إلى عمل يرافق هذه الإرادة على أن تكون هناك توجهات تجري في جو فضاء المجتمع المدني و الاستقلال بالنسبة إلى الجهات المنوط بها إجراء تحديث و إصلاح و بشكل علمي وليس عاطفي رغبوي، يطور هنا و ينتشي هناك و هكذا تكون العملية مبتورة .
ثورية هي التحولات التي يشهدها العالم العربي، و هي تحولات تشمل المنطقة كلها .
وليس شرطا أن تكون الثورة خطا مستقيما غير متعرج أو صاعدا بلا هبوط لأن التطور التاريخي الذي تعبر عنه قد يستمر على مدى زمني طويل مع فشلها في انجاز أهدافها في المدى القصير ، فطريق الثورة ليس اتجاها واحدا في الأغلب الأعم ، ففي هذا الطريق ذهاب و إياب أو خطوة إلى الأمام و أخرى أو أكثر إلى الوراء، انه طريق في موجات متوالية .
و من النادر أن يكون هذا الطريق اتجاها واحدا ، بخلاف ما يعتقده ثوريون رومانسيون ، و يتغنى به شعراء يلهمون شعوبهم معنى الحرية مثل الشاعر المناضل أحمد فؤاد نجم الذي رحل عنا بجسده في تاريخ الثالث من ديسمبر الماضي، ومن أجمل ما تركه لنا قوله( عمال و فلاحين و طلبة دقت ساعتنا و إبتدينا ...نسلك طريق ما لهش راجع و النصر قرب من إيدينا ).
إن مسار الثورات الشعبية التي تندلع من دون أن تكون لها قيادة موحدة، و لا تقف وراءها أحزاب أو حركات قادرة على توجيهها في اتجاه معين منذ البداية، يكون متعرجا و ليس في اتجاه واحد . ويصبح تجنب الإحباط المترتب على تراجع هذا المسار و مروره بمراحل جزر ضروريا لمواصلة العمل من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة .
لقد كان الاقتصاد الضحية الأولى لهذه الثورات، حيث كانت تداعياتها على اقتصاديات بلدان الثورات مزلزلة للدرجة التي دعت الأحرار للمطالبة بالتطهير الكامل للفساد و استئصاله من جذوره. بعد أن تراجع الناتج المحلي بحدة و ارتفعت بذلك معدلات التضخم و الديون بشكل غير مسبوق .
ففي تونس زاد عجز الموازنة من 3.5% في العام 2010 إلى 6% في عام الثورات 2011. نتيجة لانخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي و عجز الميزانية و انخفاض حجم الصادرات و تراجع حجم الإيرادات السياحية .
لقد سمح الربيع العربي بتهيئة الأجواء و الظروف لقيام شرق أوسط جديد ، و لكن بمقاولة و شراكة الإسلاميين تحديدا. فرغم أن الثورات جاءت خارج الفوضى الخلاقة إلا أن ما يحدث الآن من إفرازات هذا التحول في البلدان العربية لا يدع مجالا للشك في أن الأيادي الأمريكية و الغربية تمسك بخيوط اللعبة السياسية في الساحة العربية .
لذلك فالتعرف إلى واقع المنطقة الجديد ،و استشراف مستقبلها يبدو أكثر غموضا ،فالخلل أو الخطر الذي يتربص بمصير الربيع العربي هو عدم وجود تصور استراتيجي بعيد المدى لتلك الانتفاضات الجماهيرية . إذ أن أخطر ما فيه هو الانكفاء بدور إسقاط رموز النظام من دون أن يتمكن من التأسيس لتصور و نظام بديل .
إن سرعة و توسع العمليات الثورية لا تعني إطلاقا أنها ثورات منتصرة ،و مصدر هذا الخلط هو أن الأسباب الموضوعية للثورات هي نفسها في كل دول المنطقة .إلا أن واقع الحال قد تجاوز هذا الخطأ في التقييم بسرعة .
لذا بات يتعين على القوى الحية في المجتمع أن تحافظ على أهداف الثورة مستندة إلى التحويل التاريخي و ما يقترن به من ثقافة سياسية جديدة تقوم على التمسك بالحقوق .
فالحرية هي أحد أهداف هذه الثورات التي طالب صانعيها بالعيش الكريم و العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، بعد أن أصبح يعيش غالبية الشعب دون خط الفقر .
لذا نجد أنه من المبكر أن نعرف اتجاهات و ملامح الشرق الأوسط الذي يتشكل، ذلك لأن للزلازل ارتداداتها التي ما زالت في المنطقة. وداخل هذا المشهد الكثيف بالأحداث و تطور المسارات ستحدث تغييرات حتمية لكل مد باتجاه تحقيق مشروع شرق أوسطنا نجن العرب أو شرق أوسطهم هم الغرب .
يبقى في الأخير أن ننوه إلى فكرة مفادها أنه ينبغي أن تبدي العقول قدرا كبيرا من الجسارة الموضوعية ، و أن تخلع أردية الخوف المرضي
و الورع الوهمي التي كممت الأفواه و برقعت الأعين ،فأدت بالعقل إلى التردد و الانكماش ،و دجنته في محاضن الفكر القديم فدمرت خلاياه و أضعفت رؤاه .فهاجس الخوف و الحذر الذي رفع لافتة سيد الذرائع ،سد العقول عن كل فكر لامع نافع.فمشكلتنا تكمن في التخاذل و التواطؤ والانقسام و الاحتراب العربي .
لذا آن الأوان لنتحول من التفكير إلى التدبير للخروج من حالة التردي و التشظي العربي الذي تتعاون عوامل داخلية و خارجية على إدامته و تغذيته باستمرار .انه لمن الضروري اليوم و أكثر من ذي قبل إنجاح عملية التحول الديمقراطي الإصلاحي التحرري لأهداف الثورة في مواجهة الاستبداد و الفساد و التبعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟