الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إقامة الدولة الإسلامية في ليبيا

محمد بن زكري

2014 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في تفعيلٍ حذر لاستراتيجية الجيل الرابع من الحروب ، تدير أميركا - من غرف التحكم السوداء في وكالة الاستخبارات المركزية - لعبة الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ، و تؤجج النزاعات المسلحة و الحروب المحدودة . و هي لا تسمح بتجاوز خطوطها الحمر .. لأي طرف من أطراف التجاذب القبلي و حرب بسوس الإخوة الأعداء في ليبيا ، و حرب داحس ( أو داعش) و الغبراء في سوريا و العراق . والمحاولات جارية لجر مصر الى الوقوع في الفخ .
و سنكون مصابين بالعشى السياسي ، لو لم نر أصابع العم سام الممسكة بخيوط الدمى في لعبة التدمير الذاتي المحلية ، التي يتواجه فيها محور (قطر / تركيا) و محور (السعودية / الإمارات) على مسرح العمليات الحربية و (العراك القبلي و الطائفي) الممتد من أقصى شرق العراق الى أقصى غرب ليبيا .
و في المواجهة الإقليمية ، بين محور الرياض / ابوظبي و محور انقرة / الدوحة ، في سياق الحرب الأميركية بالوكالة ، لرسم خارطة الشرق الأوسط (أو الشرخ الأوسخ) الكبير ، كانت السعودية قد أوعزت إلى السلفيين في مصر - الجماعة السلفية و حزب النور - بالانحياز الى حراك 30 يونية ، الذي انتهى إلى الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين ؛ و لا يخالط قناعتي أدنى شك في ان المرجعية السعودية (تحديدا) هي صاحبة الوحي الذي هبط على أحد أمراء الحرب السلفيين في بنغازي بالامتثال لأوامر قيادة الجيش الوطني الليبي .
ففي بيان أصدره مؤخرا (30 أغسطس 2014) أحد امراء الحرب من الجماعات السلفية الجهادية ، أعلن عن امتثال كل (قواته ! من شباب بنغازي السلفيين) لرئيس الاركان الجديد (؟!) . و بذلك يثبت الإسلاميون - مرة أخرى - أنهم قد صاروا يتقنون اللعبة السياسية بدرجة عالية من الدهاء و البراغماتية ، فهم بإظهار امتثالهم لإمرة القيادة العسكرية للقوات المسلحة النظامية ، سيتمكنون من اختراق المؤسسة العسكرية (الرسمية المحترفة) بعناصرهم الجهادية ، و العمل في خدمة أجندتهم الاسلامية من داخل الجيش الوطني النظامي .
فمما لا ريب فيه إطلاقا هو أن الإسلاميين كلهم (مؤدلجون) إسلامويا ؛ و ليس أسوأ من فكر الإخوان المسلمين إلا (الأيديولوجيا) السلفية . فالسلفيون حركة وهابية تتقاطع في أغلب طروحاتها الاسلاموية المتطرفة و التكفيرية مع تنظيم القاعدة الارهابي (و تنظيم القاعدة هو اصلا تنظيم سلفي وهابي) .
و لو تمكن هذا التشكيل الميليشياوي السلفي من اختراق القوات المسلحة النظامية ، فالنتيجة - حتما - ستكون كارثية لجهة ادلجة الجيش اسلامويا ، و من ثم تحويل عقيدته القتالية الى عقيدة جهادية .. بدلا من العقيدة الوطنية . فالسلفيون جميعا بكل درجات طيفهم السياسي - كما الاسلاميين عموما - لا يؤمنون بمفاهيم الوطن و الوطنية ، و لا قناعة لهم بغير دولة الاسلام و الامة الاسلامية . و شتان بين عقيدة الولاء للوطن و عقيدة الولاء للدولة الاسلامية ، و شتان بين العقيدة القتالية الوطنية و عقيدة الجهاد الاسلامي .
و لم يكن مستغربا أن يختتم (القائد الميداني !) السلفي بيانه بالقول : إن حربهم هي " حرب لإعلاء كلمة الله و نشر دينه الحنيف " .. فمن الواضح إذن أن حربهم ليست دفاعا عن الوطن أو صونا لسيادة الدولة الليبية ، بل هي حرب جهادية بحتة . و إذا لم تنتبه قيادة الجيش الى ذلك .. فإن أهون ما يمكن توقعه من خطر الإسلاميين هو تكرر حادثة المنصة المصرية (اغتيال السادات) في منصة ليبية . أما الأسوأ فهو التمكين لمشروع الخلافة الاسلامية السادسة في شمال أفريقيا .. امتدادا لدولة الإسلام التي اعلنوا قيامها في شمال العراق و سوريا ، و التي باتت تسيطر على مساحات واسعة من الدولتين .
و في الصورة البانورامية للمشهد الليبي الفوضوي الدامي ، يبدو بيان (القائد الميداني !) للجماعة السلفية الجهادية في بنغازي ، مناورة سياسية ذكية ، للتكامل - في نهاية اللعبة - مع الغزوة الحربية (عملية فجر ليبيا) ، التي شنتها جماعات الإسلام السياسي في طرابلس ، لاحتلال عاصمة الدولة الليبية ، في إطار مخطط واسع ، تنفذه ميليشيات الدروع و أحلافها (بدراية أو دون دراية بأبعاد ما تقوم به) لإعلان ليبيا دولة إسلامية أو مقرا للخلافة الإسلامية السادسة ، بقيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين .
إن استصغار الشرر ، غالبا ما يودي الى اندلاع حرائق خارجة عن السيطرة ، و لا اظنني أهول الأمر عندما أقرأ كلا من بيان (القائد الميداني) سالف الإشارة و عملية فجر ليبيا ، في ضوء المعلومات الخطيرة التي أوردتها صحيفة الخليج في تقريرها الصحفي الاستقصائي حول الميليشيات المسلحة بليبيا ، تحت عنوان (ليبيا في العناية المركزة) .
فتحت هذا العنوان ، قالت الصحيفة الإماراتية أن مصادر متطابقة ، تؤكد أن عدد الميليشيات المسلحة يصل الى 1700 تشكيلا ميليشياويا ، تملك 25 مليون قطعة سلاح (من المسدس حتى الطائرة) ، و أن عدد من يسمون أنفسهم ثوارا يُقدّر من 200 ألف إلى 250 ألف مسلح . و خلص التقرير الى استنتاج أن الظروف التي تعيشها ليبيا ، ترشحها لإقامة (الدولة الإسلامية) .. حيث اختتمت الصحيفة تقريرها .. الذي اقتبس منه الآتي :
" هناك شبه قناعة لدى أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية أن الجماعات المتطرفة المنتشرة في العالم وخاصة في بلاد الشام تريد أن تفتح جبهة جديدة في ليبيا وتجعل منها "أرض ميعاد" لتخفيف الضغوط العسكرية المتوقع أن تتعرض لها هذه الجماعة الإرهابية في سوريا والعراق . ففي ليبيا هناك فراغ أمني رهيب ومساحة واسعة أكبر ثلاث مرات من مساحة "بلاد العراق والشام"، وبها موارد وافرة ، وفي ليبيا ثروة بترولية طائلة تمثل عاشر احتياطي بترولي في العالم ، وبها حقول ومنشآت من السهل السيطرة عليها بالتعاون مع ميليشات محلية محترفة في التهريب إلى السوق السوداء ، إضافة إلى أن ليبيا لديها شواطئ على البحر المتوسط قبالة أوروبا بطول 2000 كيلومتر ، وحدود صحراوية في العمق الإفريقي ، وكل هذه العوامل تسمح لتنظيم "داعش" وأتباعها بأن تنتشر في تلك الأرض وتمد صلتها بالجماعات التكفيرية في جنوب الصحراء مع جماعة "بوكو حرام" الناشطة في نيجيريا والكاميرون ، وكذلك جماعة "التوحيد والجهاد" في مالي . وتأكيدا لوجود نية في إيجاد ترابط بين مختلف هذه الجماعات الإرهابية ، هو أنها تركز في انتشارها في ليبيا على المناطق الحدودية مع مصر والجزائر وتونس ، استعداداً على ما يبدو إلى إقامة "دولة إسلامية" ، وفي غياب تنسيق واضح بين هذه الدول ، فإن مقاومة هذه الجماعات ستكون غير متكافئة و هو ما سيوفر لها فرصة النمو والتمدد " . انتهى الاقتباس .
أما ما لم يقله تقرير الصحيفة الإماراتية عن الوجود القوي لفصائل تنظيم القاعدة و ميليشيات السلفية الجهادية في ليبيا ، فإن المخابرات الفرنسية و الانجليزية تعرفه جيدا .. و تغض عنه الطرف ، و هو أن الجنوب الليبي يؤوي ثلاثةَ معسكراتِ لحشد و تدريب الإرهابيين متعددي الجنسيات ، الذين يتم نقلهم عبر تركيا لتغذية الحرب على سوريا . و أن تلك البؤر الإرهابية في فزان تشكل ظهيرا جهاديا جاهزا للتحرك - عند تلقي التعليمات - باتجاه طرابلس و بنغازي .. سعيا من الدواعش لإقامة الدولة الإسلامية .
أما من يحركون الدمى الداعشية (من وراء الستار) ، و لا يسمحون لها بتجاوز الخطوط الحمراء - التي يحددها خبراء لعبة الأمم في البيت الابيض - في إطار عمليات الجيل الربع من الحروب ؛ فإنهم يراقبون اللعبة و يقيِّمونها يوما بيوم و ساعة بساعة ، و يتدخلون عند الضرورة - تحت غطاء كثيف من البروبغندا و المراوغة الدبلوماسية - لإعادة ترتيب أوراق اللعبة ، بما تقتضيه مصالح الغرب و شركاته الاحتكارية العابرة للقوميات .. فقط لا غير .
و إن من يستهين بهذه المعطيات و ما تطرحه من احتمالات (داعشية) ، إنما يعبر باستهانته تلك عن أمية سياسية ، تصل الى درجة الغباء ، و الثمن سيدفعه الشعب الليبي غاليا جدا من أمنه و استقراره و حرياته العامة و الخاصة و مستوى حياته المعيشية و مستقبل أجياله لعدة عقود قادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدليل
توفيق ( 2014 / 9 / 7 - 21:02 )
كل العالم شاهد اقتحام الارهابيين مقر السفارة الامريكية في طرابلس وعبثوا بمحتوياتها ورغم دلك انبرت السفيرة الامريكية دفاعا عنهم بنفيها هده الحادثة عدى عن الاتصالات التي تجريها هي والسفير البريطاني معهم فهم حقيقة مشروع لتدمير الدول العربية

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم