الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبادة الصليب شرك عقابه الذبح

طوني سماحة

2014 / 9 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


هل يعبد المسيحيون الصليب؟
كتب بعض المتطرفين في الآونة الأخيرة في مدينة طرابلس اللبنانية على جدران إحدى الكنائس عبارات تتوعد و تعد "عبّاد الصليب بالذبح". ليس في الأمر غرابة بعد ما رأيناه في الأشهر و السنوات الأخيرة من بربرية وهمجية داعش والجماعات الحاضنة لها في العالمين العربي والإسلامي، لكن لا بد من توضيح بعض الامور وإن كان كاتب الشعارات ومرددها يكتب و يردد ولا يفهم.

هل يعبد المسيحيون الصليب؟ لا شك ان مردد هذه العبارة غبي لم يكلف نفسه لا من قريب ولا من بعيد قراءة الأناجيل والرسائل التي تشكل العمود الفقري للايمان المسيحي على اختلاف انتماءات المسيحيين وعقائدهم. إنما هذا الانسان يسمع ويردد بغباء مقولات يتناولها آخرون. فما من كلمة او حرف او حتى إشارة في العهد الجديد (الأناجيل والرسائل) تحفز المسيحيين على عبادة الصليب. لكن الصليب الذي يزين كنائسنا ويعلو على قببها ويحمله البعض في سلسال على صدورهم وفي بيوتهم ليس سوى برمز، وما أجمل وأروع هذا الرمز! إن في قصة الصليب وفي قطعتيه الخشبيتين الضاربتين عاموديا وأفقيا من الحب ما لم يعرفه البشر والذي لو أدركه أصحاب القلوب الصخرية لذابوا رقة وحنانا.

الصليب يحكي قصة حب. حب الله للإنسان. حب الكبير للصغير. حب العظيم للوضيع. حب يتجرد من حساب الأخذ والعطاء لأن ليس فيه غير العطاء. حب لا يأخذ في الحسبان مبدأ الربح والخسارة لأنه لا يربح أبدا. حب نقي نرى في حب الأم لرضيعها بعض ملامحه وفي لهفة الأب لابنه بعض صوره وفي اشتياق العريس النقي لعروسه بعض تجلياته. الصليب هو حب الله، الذي كينونته حب، للإنسان الذي فقد الإحساس بالحب في عالم جاف ومريض. الصليب هو تعبير عن حب الله الذي يقول للإنسان أنت ساقط وأنا سوف أرفعك. أنت مريض وأنا سوف أشفيك. أنت خائف وأنا سوف أطمئنك. أنت مائت وأنا سوف أحييك. أنت خاسر وأنا سوف أضمن لك الربح. أنت حزين وأنا سوف أعطيك الفرح. أنت جائع و عطشان وأنا سوف أطعمك وأرويك. أنت محبط وأنا سوف أرفعك. أنت غريق وأنا سوف أنجّيك.

الصليب يعكس طبيعة الله. طبيعة حب ورحمة. طبيعة ترى الانسان مقيدا بسلاسل الخطيئة وهو يسير بخطى بطيئة نحو الموت، الموت الأبدي، فتتحرك فيها الرحمة وتأتي بالله من السماء للقاء الإنسان على الأرض كيما تقول له "إن كان لا بد من الموت لدفع ثمن الخطيئة، فلأصبحن إنسانا وأكون أنا البديل، وأموت أنا وتحيا أنت، أسجن أنا وأقيّد وتطلق أنت حرا، أحمل أنا عبء خطيئتك وتمشي أنت رشيقا مثل الغزال وتطير خفيفا مثل العصفور.

الصليب قصة عطاء بين من يمتلك كل شيء ومن لا يمتلك شيئا، بين الله الذي يقول للإنسان "تعال إليّ، فأعطيك الحياة الأبدية. وتكون المجرات ميراثا لك والأكوان رهن يديك وتملك معي للأبد" وبين الإنسان الذي يقول "لكن ربي، يداي فارغتان ومتسختان. وليس لدي ما أوفيك إياه أو أقابل حبك به". فيجيب الله "أحببتك لأنك ابني وليس لآخذ منك ما لم تمتلكه وليس لديك."

الصليب قصة مغفرة. مغفرة القتيل للقاتل والذي سُرقت ممتلكاته لسارقه و المضروب لضاربه والذي خانه حبيبه للخائن. الصليب يسقط السيف من يد الإنسان ويستبدله بعناق بينه وبين الله. الصليب هو أعظم دعوة من قلب إله محب لأكثر الناس بربرية وهمجية كيما يمنحه مغفرة. لكن الصليب أيضا يفضح همجية الإنسان. الإنسان الذي يدوس حب الله ويحتقره.

سمعت أحدهم يتساءل "لو مات المسيح على كرسي كهربائي، هل كنتم تعبدون الكرسي؟" سؤال ساذج لإنسان يسأل ليس حبا في المعرفة. نحن لا نعبد الصليب. لكن الصليب الذي مات عليه المسيح بقطعتيه الخشبيتين هو اليوم حرف النون في العراق وهو السكين الذي يجز في عنق البريء وهو الصليب الذي صلب عليه المسيحي في سوريا إذ لم يقبل بتبديل دينه وهو المسدس الذي أطلق منه الرصاص على رأس إنسان كونه مسيحيا (أو حتى على رأس أي إنسان بريء أكان مسيحيا أم لا). الصليب هو أية آلة همجية تعيد التاريخ ألفي سنة الى الوراء. هو تهجير الناس وتكفيرهم. هو قتلهم وإبادتهم. هو تطهير الارض عرقيا من سكانها. هو التعبير عن وحشية وهمجية قل نظيرها في التاريخ. هو رفض الآخر. هو الكراهية والحقد الأعمى.

لقد رفع الرومان واليهود الصليب منذ ألفي سنة وكان الصليب لهم لوح خشب عامودي وآخر أفقي، لكن لو كان المسيح يصلب اليوم لكان رومان عصرنا وأحبار يهوده زادوا عليه ثقوبا من أسلحتهم الحديثة ولأشعلوا النار في أسفله ولتفننوا في ترك بصماتهم الإرهابية عليه.

نعم! الكتابات العنصرية على جدران الكنيسة في طرابلس اللبنانية تعد "عبّاد الصليب بالذبح". قد تقتلون من تقتلون وتذبحون من تذبحون وتبيدون من تبيدون. لكن الظلم مثل منجل الحصاد يلوي أعناق السنابل ويقتطعها. لكن هناك من بذر السنابل ما يقصر عنه حد المنجل ، فيقع على الأرض وينبت في السنة التالية ويثمر ثلاثين وخمسين ومائة. مناجلكم قد تطال أعناقنا لكن هناك بينكم من سوف يستهجن بربريتكم وهمجيتكم ويرى في الصليب حبا غاب عن حد سيوفكم، و مغفرة لا تستطيع شفاهكم النطق بها، وعطاء لا تستطيع أياديكم الملطخة بالدماء أن توازي عطاءه. وحيث يراق الدم لا بد وان تنبت حياة وحيث تقع البذرة لا بد ان تنبت سنبلة.

كتب كاتب الشعارات ما يريد وله الحق، كل الحق، أن لا يؤمن بالصليب والقيم التي يمثلها الصليب. له الحق ان يعارض المسيحية ويعلن رفضه الايمان بها. له الحق ان يسأل فيها ويدحض ما يستطيع دحضه. لكنه بكتاباته هذه تخلى عما تبقى لديه من انسانية واسقط ورقة التوت التي كان يتخفى خلفها ليظهر ما لديه من حقد وكراهية وهمجية لا تليق إلا بالوحوش البشرية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 9 / 6 - 23:38 )
- يسوع الناصري يؤكد بشريته و لا يؤكد ألوهيته :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=429552
- (يسوع) يعترف أنه ليس إله 19 مره :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=429761
- الرد على بعض النصوص التي يزعم المسيحيين أنها تؤله (يسوع) :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=430278

اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا