الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطلة استجمام في الوليدية

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2014 / 9 / 6
الادب والفن



أحب شاطئ الوليدية، أجمل المصطافات بالنسبة إليه. كان قد زاره قبل أعوام رفقة زوجته في فصل بارد، وقتها كانا في فترة خطوبة طويلة. لهذا وفي لحظة انتشاء اقترح عليها إحياء ذكرياتهما الجميلة. ثمنت الفكرة وفاجأته في أول أيام العطلة بجمع حقائب السفر..
بعد قرابة أربع ساعات، عبر الطريق الساحلية، وصلا إلى الشاطئ الجميل.
متعهد كراء دور الاصطياف كان بانتظارهما، حجز لهما دارا تطل على البحر، وفق الطلب.
طافت هي بغرف الدار والصالون المزدوج والحديقة والسطيحة، ثم عقدت حاجبيها.
رفع هو رأسه باتجاهها مستفسرا سبب العبوس، كيف يحصل وهما على عتبة أول أيام العطلة.
ردت عابسة بحزن مبالغ فيه:
- لا شيء.. لا شيء...
ثم استدركت بصوت خفيض:
- ألا ترى معي أننا تسرعنا وسافرنا؟
- لم أفهم.
- ألم يكن علينا استضافة أمي وأختي.
- (...)
- ألست موافقا.. ها أنت ترى الدار كبيرة تتسع لمضمار خيول.
- (...)
- أربع غرف نوم ستبقى فارغة.
سوى وضع نظارته الشمسية فوق عينيه وقال ساخرا:
- ما رأيك نبيت كل ليلة في واحدة.
انتفضت في وجهه بغضب:
- لست مستعدة لسماع سخريتك الفجة.
محاولا تهدئتها، اقترح عليها ترك الحقائب كما هي، والخروج للقيام بنزهة في القارب والاستمتاع بلوحة مغيب الشمس. رفضت هي بدعوى تعب السفر.
- دعها لنهار الغد.
خرج هو للمقهى، لشرب القهوة وليدخن، وليرى منظر غروب الشمس في البحر.
لما عاد وجدها ضاحكة تدندن بأغنية قديمة لنعيمة سميح.
استبشر خيرا وتفاءل.
هرعت نحوه، قالت:
- أعددت لك مفاجأة جميلة ستعجبك.
لفحت خياشيمه رائحة طبخ خارجة من مطبخ الجيران. ظنها تعد له أكلة شهية من الوصفات التي تتابعها في برامج الطبخ.
لامها بلطف زائد:
- أنا لن أوافق على أن تتعب حبيبتي نفسها حتى في العطلة. لا أريدك في المطبخ. جئنا هنا لنرتاح ونستجمم.
حدثها عن مطعم شامي يملكه سوري بالوليدية يعد أطباقا شهيةمن المطبخ الشرقي.
أجابته بسخرية:
-من قال لك إني أشتهي الطبخ أو الرقص الشرقي.. دائما بطنك تسبقك يا بوكرش.
ابتسم وضحك، تذكر أن البطن يجمع الطبخ والرقص في الشرق العجيب. ثم مرر يده على بطنه، صارت أكثر انتفاخا رغم اعتداله في احتساء البيرة.
وعدها بالمواظبة على ممارسة الرياضة واتباع الريجيم.
عاد ليسألها عن مفاجأتها السارة. رفضت بغنج وتدلل. قالت:
- لن تكون مفاجأة إذا أفصحت لك عنها ...
في الغد صباحا أفاق على ضجة كبيرة. صراخ أطفال وأصوات كبار. كانت أختها مع زوجها وطفليهما ووالدتها. نادته العجوز مقوسة الظهر أن يقترب ليسلم عليها. زعمت أنها مشتاقة إلى صهرها العزيز..
كان يمني النفس باحتفال رومانسي بذكرى سفره مع خطيبته زوجته، فوجد نفسه وسط أفواه واسعة لا تتوقف عن اللغط والأكل والبلع.
كانت هي في الزاوية واقفة تراقب ردة فعله. باسمة. افتعل هو السرور والفرح بمقدم العائلة المحترمة.
قال كاذبا بنبرة واضحة الارتباك:
- مفاجأة.. مفاجأة سارة وجميلة.
تدخل عديله بصوت أجش.
- والله جئنا من أجلكما، ما أن اتصلتما بنا حتى استجبنا لنؤنسكما. الاصطياف يكون أجمل وأحسن جماعيا والله.
ثم أطلق قهقهة عالية يواكبها زبد لعابه الأبيض.
أصبح يفكر في اختصار فترة الاصطياف. لم يستطع إخفاء اكتئابه.
هي تعرف عدم ارتياحه لزوج أختها. اختلت به، قالت له عاتبة:
- اطلق شوية ديك الغوباشة.. مالك؟ اللي ياكلوه جوج ياكلوه عشرة، الخير موجود.
اصطنع الابتسامة وسارع لتبديل الموضوع. اتجه إلى الجلوس في ركن بالصالون.
قالت أختها: إ
- سأحضر لكم وصفة شهية تسيل اللعاب وتأكلون أصابعكم وراها.
قال زوج الأخت :
-هذا المنطقة لها مستقبل يغري الواحد بامتلاك عقار والاستثمار بها.
قال هو في سره:
- عن أي استثمار يتحدث هذا العاطل الكسول المفلس؟
قالت الجدة:
- أريد زيارة الولي الصالح مولاي عبد السلام بن محمد البغلي، يقولون إن زيارته تطيل العمر، راسي يضرني..
تعارك الطفلان. بال أحدهما على الكنبة أمام التلفزة.
قالت زوجته:
- والله النزاهة بلا احباب حرام.
وتوجهت إليه:
- أليس كذلك يا زوجي العزيز؟
حرك رأسه علامة الموافقة على كلامها.
ألغى الذهاب إلى الشاطئ للسباحة، وجلس يدخن في المقهى القريبة يراقب الصيادين والمارة بلباس العوم.
في المساء لم يعد زوج أختها، لم تهتم بغيابه امرأته ولا أمها، لكن زوجة صاحبنا قالت له:
أرأيت عبوسك واستقبالك السيء طرد زوج أختي الوحيدة، تراه عاد إلى بيته بالمدينة.
اتصلوا به في هاتفه فرن الهاتف من فوق طاولة التلفزة.
قالت الجدة لقد نسي المسكين تليفونه.
في الغد، في الصباح المبكر طرح البحر جثة رجل في الثلاثينيات.
تحولت العطلة والذكرى الجميلة إلى مأساة. تحسس بطنه ودخل حانة الشاطئ، كان صوت نعيمة سميح يملأ الفضاء: "على غفلة وما قريت حسابو...".
لما عاد وجد زوج الأخت أمام قنينة نبيذ، دعاه إلى منادمته. رد عليه:
- شكرا، أنا لم أعد أقرب الخمر. اسمح لي سأذهب لأنام.
وهو يمسح فمه وشنبه الكث، رد العديل:
- تنام قبل أداء صلاة العشاء؟
- (...)
- أما أنا فسأنهي هذه الكأس وأتوضأ لأصلي صلواتي. فاتني أداء صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب مع العشاء
ردت عليه الجدة من غرفتها:
-اللهم تقبل.
مرت لحظة انتهت فيها من سعلتها الحادة، أضافت:
- لتصل مكاني، من يصلي مكاني، ركبتي تؤلمني. وأتبعتها بضحكة مسترسلة مصحوبة بسعال.
أما هو فكان يفكر في الرجل الغريق الذي رماه البحر اليوم، قال متمتما:
- هذا البحر غير عادل.
لكزته زوجته النائمة جنبه:
- دع عنك عادل ولا تقلق راحته.
عادل زوج أختها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي